“أخطاء العلماء” بين الإنصاف والإجحاف

كل الناس معرض للخطأ و الزلل فيما يذهبون إليه من الآراء و الأفكار، و قد يكون هذا الخطأ بيِّنا واضحا لكل ناظر كما أنه قد يكون خفيا لا ينجلي إلا للعلماء النجباء، و يكثر هذا الخطأ في المسائل الاجتهادية كالنوازل الفقهية التي تحصل للناس في أمور حياتهم، و كما لا يخفى على طلبة العلم فالعالم المجتهد يدور بين الأجرين في اجتهاده، إذا أصاب فله أجرين و إذا أخطأ فله أجر،فعن عمرو بن العاص، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر”.

تعامل الناس مع أخطاء  العلماء وشذوذاتهم

كما أن العالم قد يصدر عنه بعض الآراء الشاذة و الأقوال المخالفة لما عليه جمهور العلماء، و الناس فالتعامل مع أخطاء  العلماء و شذوذاتهم  صنفين:

  • الصنف الأول “صنف منصف”

    • يبين خطأ العالم و ما جانب فيه الصواب بالقواعد الشرعية و الآداب المرعية مع حفظ المكانة للعالم، فينكر و لا يشنع، و لو كان العالم من المخالفين له مذهبا أو عقيدة  ..و قد كان هذا دأب العلماء الراسخين قديما و حديثا بيد أنه في المتأخرين قليل و عزيز.
  • الصنف الثاني “مسقط مجحف”

    • فيغلب عليه طابع التسرع و الاستعجال.
    • وهمه الوحيد هو اسقاط العلماء و الدعاة.. و الارتقاء على أخطائهم و تتبع زللهم.
    • فتراه يسارع إلى نشرها دون تبين لعاقبة و مآل فعله، فجل غرضه حب التصدر و الظهور.
    •  و هذا الصنف لزم  في حقه الحجر  و في قلمه الكسر.. فقد قيل :” حب الظهور يقسم الظهور” ؛ و” الاستعجال حيض الرجال”.
    • و من سمات هذا الصنف أيضا كثرة الإعتراضات و الانتقادات، فتراه يتهم الناس في دينهم و يبخسهم قدرهم، و يسفه أحلامهم، و هذا مرض عضال يستوجب الاستئصال.. و قد ذم العلماء كثرة الاعتراض دون مسوغ و مبرر.

فقد قال السراج البلقيني: ” ولكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض “.

الواجب نهل أدب العلماء قبل علمهم والاستغراق بطلب العلم

الواجب في حق هؤلاء ثني الركب في مجالس العلماء و النهل من آدبهم قبل علمهم.. فالعلم بلا أدب يستوجب اللوم و العتاب.. و قد كان السلف يتعلمون الآدب قبل العلم، و يجمعون بين العلم و العمل.. و هنا يأتي دور التربية و التزكية، فيجب على طالب العلم أن يحرص على تربية نفسه و تزكيتها امتثالا لقوله تعالى :{ قد أفلح من زكاها} ؛ و يحملها على التجمل بأخلاق العلماء و أدبه، و لا ينشغل بالردود و الانتقادات.

و مادام قد وُجد من العلماء من يسد هذا الباب، فالواجب في حق طلبة العلم الانشغال بالطلب و ترك الاستغراق فالماجريات التي تقطع عليه طريق الطلب،  و تحيد به عن الصواب.. فيضيع  عمره و شبابه في قيل و قال،  و قد ورد النهي في ذلك  في السنة النبوية من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:” إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال ”

العلماء أحق الناس بالاحترام

كما أمر عليه الصلاة و السلام المؤمن بقول الخير أو السكوت فقال صلى الله عليه و سلم:” من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” ؛ قال الإمام بن عبد البر تعليق على عذا الحديث في كتابه التمهيد:” وفي هذا الحديث آداب وسنن منها التأكيد في لزوم الصمت وقول الخير أفضل من الصمت لأن قول الخير غنيمة والسكوت سلامة والغنيمة أفضل من السلامة”

و العلماء أحق الناس بالاحترام و الإجلال و لا يعني هذا تقديسهم و التعصب لهم، و الواجب من الناس عموما و طلبة العلم خصوصا هو الدعاء لهم  و التماس العذر لهم فيما أخطؤوا فيه، نسأل الله أن يرزقنا الثبات و أن يسير بنا على نهج ذوي الألباب إنه ولي ذلك و مولاه.

فيديو مقال “أخطاء العلماء” بين الإنصاف والإجحاف

أضف تعليقك هنا