إدارة الأزمات داخل المنظمة

بقلم: الدكتورة نسرين بوخيزو

مفهوم إدارة الأزمات داخل المنظمات

إن الإدارة هي أساس كل عمل ناجح، وهي الميزان الدقيق لقياس مدى تجاوب العمل مع متطلبات العصر، لذلك فلا يمكن مسايرة العصر دون تقدم الإدارة والحرص على فعاليتها واستمراريتها.. إلا أن أهم ما يؤثر على نجاح واستمرارية أي منظمة، هو حدوث أزمات غير متوقعة، مما يشل حركتها وتطورها إن لم تجد التنبؤ بحدوثها وبسرعة الاستجابة لحلولها، ومن هنا ظهر مفهوم أهمية إدارة الأزمات داخل المنظمات، لضمان نجاعة استمراريتها…

لقد برزت إدارة الازمات كشكل أكاديمي من خلال تفاعل عدة عوامل اقتصادية اجتماعية وسياسية؛ لذلك يمكن تعريفها بأنها تلك العملية الإدارية المستمرة التي تهتم بالتنبؤ بالأزمات المحتملة عن طريق الاستشعار، ورصد المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية، المولدة للأزمات وتعبئة الموارد والإمكانات المتاحة بأكبر قدر ممكن من الكفاءة والفاعلية، وبما يحقق أقل قدر ممكن من الأضرار للمنظمة وللبيئة والعاملين بها، مع ضمان العودة إلى الوضع الطبيعي بأسرع وقت ممكن وأقل تكلفة، وذلك من خلال دراسة أسباب الأزمة لمنع حدوثها مستقبلا، أو لتطوير طرق التعامل معها.

المحور الأول: مفهوم إدارة الأزمة وخصائصها

لقد اختلف مفهوم الأزمة حسب اختلاف مجالاتها وحقولها، إلا أن جل الباحثين عرفوها بأنها ذلك الخلل المفاجئ الذي يحدث نتيجة أوضاع غير مستقرة مما يترتب عليها تطورات غير متوقعة نتيجة عدم القدرة على احتوائها من قبل الأطراف المعنية.

أولا: الفرق بين إدارة الأزمات والإدارة بالأزمات

يختلف مفهوم إدرة الأزمة عن الإدارة بالأزمة داخل الحقل الأكاديمي والتدبيري، حيث يقصد بالأول، تدبير أزمة فجائية غير متوقعة، تهدد نشاط المنظمة، وتزعزع استقرارها، وفق اتخاذ إجراءات احترازية مبنية على قواعد تنبئية متوقعة مسبقا، أو تعليمات فجائية مبنية على تجارب حلول ازمات سابقة، أما الإدارة بالأزمات، فهي تعني أسلوب مفتعل أو مخطط له مسبقا من قبل منظمات أو مجموعات ضغط معينة من أجل زعزعة استقرار نشاط منظمة، من أجل قلب موازينها إلى صالح مدبر الأزمة، إلا أن كلاهما له نتائج مشتركة وهي، زعزعة نشاط المنظمة وتهديد استقرارها واستمرارها.

ثانيا: خصائص الأزمة:

لقد اختلف العلماء في تحديد تعريف خاص للأزمة، وذلك لاختلاف الحقول والمجالات التي قد تحدث فيها، إلا أنهم اتفقوا على بعض الخصائص الأساسية  لها والتي تتجلى في:

1- المفاجأة: حيث ان جل الازمات تكون غير متوقعة وتتسم بالسرعة والغموض.
2- جسامة التهديد: حدوثها قد يؤدي الى خسائر مادية وبشرية هائلة، تهدد استقرار واستمرار المنظمة.
3- الارتباك: جلها يخلق حالة من الارتباك والقلق وعدم الثقة في البدائل المتاحة، خاصة في ظل نقص المعلومات.
4- ضيق الوقت المتاح لمواجهتها: قد تقع الازمة فجاة وتتصاعد بوتيرة سريعة، مما قد يفقد قيادة المنظمة من السيطرة عليها.
5- تعدد الاطراف والقوى المؤثرة في حدوثها: قد تتعدد الاطراف المؤثرة والمتأثرة بالأزمة، مما قد يؤثر في السيطرة عليها.

المحور الثاني: أسباب نشوء الأزمات وعوامل نجاح إدارتها

أولا: أسباب نشوء الأزمات

تختلف أسباب ظهور الازمات باختلاف تنوع الازمات نفسها، فهناك أسباب داخلية وأخرى خارجية, ذاتية وموضوعية ،شخصية وعامة، وغيرها الكثير…، إلا أن أغلبها يكون مرتبط بالازمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية، بحيث تتجلى أسبابها في:
1- سوء الفهم: ويعود ذلك لسببين أساسيين: إما نقص في المعلومات المتعلقة بالأزمة أو للتسرع في إصدار القرارات المتعلقة بها والحكم على الامور قبل اتضاح حقيقتها.
2- سوء الادراك: يعتبر الادراك هو مرحلة استيعاب المعلومة التي تم الحصول عليها ، فاذا كان هذا الادراك غير سليم او يتجه في اتجاه غير سليم، فإنه يؤثر في اتجاه القرارات التي يتخذها القائد، وهنا يبدأ انفجار الأزمة.
3- سوء التقدير والتقييم: وهو من اكثر اسباب تفشي الازمات، وقد يتخذ شكلين:
ـ إما المغالاة والافراط في الثقة في النفس
ـ أو سوء تقدير قوة الطرف الآخر والاستخفاف به
4ـ الادارة العشوائية: وهو ليس أحد أسباب انبعاث الازمة فقط بل احد اسباب انهيار أي منظمة، والمتجسد في سوء التخطيط وعدم احترام الهيكل التنظيمي للمنشاة وقصور التوجيه بالبيانات والمعلومات.
5ـ الرغبة في الابتزاز: وغالبا ما تقوم بها جماعات الضغط لجني المكاسب الغير عادلة ، من الكيان الاداري الايل للسقوط، . وتكون وسيلتها في ذلك صنع الازمات المتتالية للكيان الاداري المستهدف.
6ـ اليأس: ويعد هذا السبب من اخطر الاسباب التي تهدد المنظمة ايضا، بحيث يؤثر على متخذ القرار، باتخاذ قرارات مدمرة للمنظمة.
7ـ الإشاعة: وهي استخدام مجموعة حقائق صادقة محاطة بهالة من البيانات والمعلومات الكاذبة ، واعلانها في توقيت معين ومن خلال استغلال حدث معين ، مما يزيد من تفجير الازمة، بل قد تكون هي السبب الرئيسي في الازمة.
8ـ الأخطاء البشرية: وتعد ايضا احد اهم اسباب نشوء الازمات سواء من حيث التخطيط او التقدير .
9ـ الأزمات المخططة: وهي ان تقوم المنظمات المنافسة بدراسة سير عمل المنظمة المراد احداث ازمة بها، وذلك من خلال تتبع عمليات التشغيل ومراحل الانتاج والتوزيع وظروف سير كل مرحلة ، ومن ثم برمجة ازمة مخططة لها.
10ـ تعارض الأهداف والمصالح: وتحدث غالبا في عدم التنسيق والانسجام والاتحاد بين فرق العمل والقطاعات داخل المنظمة، او المجتمع، بحيث يعمل كل فريق الى تحقيق اهدافه الخاصة ومصالحه الخاصة، دون العمل على تحقيق المصالح العامة للمنظمة، مما يؤدي الى تفشي الازمة.

ثانيا: مقومات النجاح في إدارة الازمة:

قد تتخذ عوامل نجاح إدرة الازمة عدة أشكال ومستويات إلا أن اهمها يتجلى في:
أهمية حسن إدارة الوقت: التعامل مع أي ازمة يستوجب سرعة الاستجابة وسرعة البديهة للتفكير في بدائل لاتخاذ القرارات المناسبة.
إنشاء قاعدة خاصة للبيانات والمعلومات المتعلقة بالمنظمة ، وبكافة الازمات والمخاطر التي مرت منها والتي يمكن ان تقع فيها مع تحديد اثارها على المنظمة.
خلق نظام تواصل وانذار فعال على مختلف مستويات المنظمة للتنبؤ بالمخاطر الداخلية والخارجية للمنظمة.
العمل ضمن فريق: ويعني الاستعداد والانسجام بين مختلف اعضاء الفريق ومختلف مستويات المنظمة في العمل على إنقاد المنظمة ، والعمل على تحقيق الاهداف العامة للمنظمة.
الاستعداد الدائم لمواجهة الازمات: وتعني تطوير القدرات الدائمة والمستمرة ، لمختلف اعضاء الفريق، وهيئات المنظمة، باتخاذ اجراءات وقائية، وطرق التعامل مع الازمات الفجائية، مهما كان نوعها وحجمها.

خاتمة:

ان الاوضاع الاقتصادية والسياسية والمعرفية التي يعيشها العالم اليوم، تقتضي تبني اسلوب جد متطور في ادارة الازمات. مما يستوجب على كل منظمة تريد البقاء والاستمرار خلال القرن الحالي، تبني اسلوب و تخطيط جد متطور في ادارة الازمات، وعلى خلق جهاز انذاري فعال و متطور، وجهاز تواصلي شامل لمختلف القطاعات، والمستويات، لانه سيكون الاسلوب الاكثر تداولا والاكثر انتشارا في اساليب التدبير المستقبلية.

المراجع المعتمدة:

ـ فريد النجار، اعادة هندسة العمليات وهيكلة الشركات للتعامل مع العولمة والحروب التجارية الجديدة, دار طيبة , القاهرة. 2005.
ـ قاسمي كمال: المنطلقات والاسس مع عرض لاهم الاستنراتيجيات الحديثة للتغيير، مداخلة ضمن المؤتمر العلمي الدولي حول الاداء المتميز للمؤسسات والحكومات، 08ـ 09ـ مارس 2005.
ـ زاهد محمد ديري: موضوعات ادارية معاصرة, دار الابتكار للتوزيع والنشر.عمان. 2018.
ـ سعد فؤاد علي حبابة: ” التطوير الاداري” دار الابتكار للتوزيع والنشر، عمان.2018.

بقلم: الدكتورة نسرين بوخيزو

أضف تعليقك هنا