إني أحدثك لترى

بقلم: موده طه

كيف أجعل نفسي سعيدة؟

أتهرب من الواقع المؤلم

لا أحب أخبار السياسة، أتابع برامج الأطفال قبل النوم، وأكتب في الصّباح عن حُبي لوطني رغم بُعدي عنه، وعن مُعاناته التي صارت جاثية بداخلي، أُشيح وجهي عن النصوص التي كُتِبت عن الحرب والقتل والظُلم، وأقوم بإخفاء أي كلمة تتحدث عن القسوه.

ألوذ لعوالمي الصغيرة كلّما رأيتُ على الهامش أخبار عن ارتفاع الأسعار، أو لمحت مقالاً عن موت الأمهات بسبب خطأ طبي، ألتهم عشرات السطور في منتصف كتاب، أختبئ بين أضلع أمي حين أتذكر أن المشاعر ليست إلا محض أكذوبة،  وأن الرِفاق ما عادوا هم الرِفاق، أعود لحوارٍ قديم دار بيننا أنا وصديقة قديمة، أحاول الكتابة لها ولكنني لم أنس تلك المرة حين لفظني قلبها بهدوء، كأنني لم أكن هُنا. أنسحب ثم أعود للثرثرة.

ألجأ إلى ربي وأمي في كل وقت

تقول أمي أنها صديقتي، تعتذر ليّ لأنها لا يمكنها نطق دوستويفسكي بصورةٍ صحيحة ولا يمكنها دائماً قراءة ما أكتب، لكنها هي الرفيقة الدائمة لو تدري، حِصني الأزلي الذي أعود له كلّما أزداد حجم الصدع بداخلي، لكنني أحشو فجواته الممتدة من الفراغ بالأشياء اللطيفة، فأنا أمتلك ما يكفي من النصوص المبتورة الجميلة، ولديّ انتصارات متتالية في معارك ضخمة، أيضاً هنالك الكثير الكثير من الأفلام والكتب والمقطوعات الموسيقية، أصلي كثيراً وأعلم أن لله لطفٌ خفي يملأني حُبّاً… بداخلي قصيدتين ومقطوعة موسيقية ومشهدٌ من نهاية فيلم وترنيمة سلام، وكلّما ناديت يا الله نمى في جوانب روحيَّ الورد؛ لذا أنا دائماً أتغاضى عن ضخامة الصدع الذي يكاد أن يبتلع كلّ هذا.

منذ طفولتي أنا على يقينٍ تام أن الخير دائماً يهزم الشر، وكذلك مسرّاتي الصغيرة، لا يمكن للصدع أن يبتلعها، ربما..! أنني كائنٌ بسيط للغاية، صوت مواء القطة التي تقف على السور يجعلني حزينة، صوت العصفور الذي يقف على شجرة الدار يجعلني أبتسم، صباح الخير من أمي يتقافز لها قلبي فرحاً، وحين تقول لي أنني أجمل شيءٍ يراه المرء كل صباح يمتلئ وجهي باللون الزهري.. أمي تراني ببصيرة قلبها، ليست مثلهم ينتظرون أخطائي وينظرون فقط لازدحام قلبي بالأحزان، أمي ترى شيئاً خالصاً جميلاً بداخلي.. حتى الغيم الأسود أسفل عينيّ الذي ظننته غبار تلك المعارك الطاحنة بيني وبين عقلي، أمي تراه بقايا سواد كحلٍ هرب من ناجلتيّ من فرط جمالهما، وأعلم أنهما أقل جمالاً، ولكنها بصيرة القلب!

أبحث عن السعادة في كل شيء

أمي لا تخطئ.. مرةً قالت لي أنني أخلطُ الأمور ببعضها البعض، أبدأ حديثي عن الحب، ثُم أردف كلمات عن الإنسانية، ثم أتحدث عن إحدى مشاهد الأفلام، وأخيراً أختمه بالحديث عن إحدى طبخاتها.. وهذا ما أفعله دائماً، أتحدث بصورةٍ عبثية على الدوام، لكنني سعيدة للغاية، لم أعد غاضبة من صديقتي التي أحزنتني قبل بضعة أيام، بلّ ممتنة للوقت الجيد الذي قضيناه معاً، ولكن اتضح لي أن ما كان يجمعنا لا يمد للصداقةِ بأي صِلة، ظننتها أكذوبة لولا لطف الله الذي يتجلى على شاكلة أشخاص طيبون الذين يرمي بهم على طُرقاتنا ك متكأً صغير في وسط الطوفان.

أيضاً سعيدة لأنني هكذا.. سعيدة بي، سعيدة لكوني هذا الكائن البسيط جداً الذي يصل إلى وسادته في آخر اليوم محملاً بالحب والرأفة والضمير، متغاضية عن ضخامة ما يحدث، فقط هكذا أبتسم وحسب.. وأبقى كما أنا بالرغم من بشاعة القلوب من حولي أبقى مُغرمه بالرقة بالكلمات الرقيقه، واللحن والموسيقى الهادئه، بالأزهار والفراشات والنسيم والندى والضباب الخفيف ومطر الصيف ورسائل غسان كنفاني لغاده السمان، وصوت فيروز، وما تقوله عينا حبيبي بالحنيه والحضن و القبله في راحة اليد وفي الجبين، ورائحة الفجر والظل والبحر، والجيتار والناي والأغاني الفرنسيه، بأقلام الكحل الزرقاء، بصوت محمد منير واليسا وكارول سماحه .. بالكلمه الطيبه، والصلح بعد ليالي خصام، بالقشعريره الخفيفه عندما تأتي عيني بالصدفه بعين حبيبي.. بالفساتين القصيره، وأحمر الشفاه الداكن، بالمغامرات والنوافير ولمعان النجوم.. بالشوكولا الداكنه والايسكريم، ورائحة الأرض بعد المطر، والتماع الشوارع على بقايا المطر، والسكر الخفيف على فنجان قهوه، ودقة القلب الخاطفه عندما يناديك من تُحب.. والشباك المفتوح ليلاً، وبعيني حبيبي وسمار لونه و دقنه الخفيف، بالأصدقاء الأوفياء وتجاعيد الكبار.

بقلم: موده طه

أضف تعليقك هنا