“استغلال المرأة والاتجار بها” إلى متى؟

يعدُّ الاتجار بالبشر أكثر أشكال انتهاك حقوق الإنسان رعباً، وهو وصمة عار على جبين المجتمع الدولي، كما يعدُّ الأطفال والنساء الأكثر عرضة للمتاجرة، إذ يبيّن التقرير الدولي حول الاتجار بالأشخاص الذي أصدره مكتب الأمم المتحدة المعني أن الفتيات والنساء يشكّلن حوالي 70% من مجموع ضحايا الاتجار بالبشر، ما يؤكد فشل الجهود العالمية في وقف هذه الظاهرة ويستلزم المزيد من تضافر الجهود في سبيل الانتصار عليها.

ما هي مشكلة الاتجار بالبشر و ما هي الجذور التاريخية لها؟

إن مشكلة الاتجار بالبشر وخصوصاً النساء ليست وليدة العصر الحالي بل هي مشكلة قديمة قدم التاريخ، ففي عصور ما قبل الميلاد حيث استبدَّ القوي بالضعيف وهيمن أصحاب النفوذ على العامة انقسم الناس إلى سادة وعبيد، ما أسفر عن ظهور ما يسمى بتجارة الرقيق خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وخاصة بين الأطفال والنساء الذين يشكّلون الحلقة الأضعف في المجتمع.

ما هو السر الكامن وراء استمرار ظاهرة الرق و الاستعباد رغم محاربة القانون لها؟

ورغم التطوير الذي شهدته البشرية وظهور الحركات المناهضة للاستعباد والرق، غير أن المتاجرة بالبشر وعلى رأسهم النساء والأطفال ظلَّت مستمرة بل توسَّعت وازدادت نمواً شيئاً فشيئاً لكن في السرِّ، مما جعلها أفظع ممَّا كانت عليه في العصور الغابرة حتى وصلت إلى حالها اليوم رغم المناداة الدائمة بالمساواة وانتشار مبادئ الحرية حول العالم وتجريم القوانين الدولية لظاهرة الاتجار بالبشر.

وفي القرن الحادي والعشرين ندَّعي أن المرأة حصلت على حقوقها كاملة، غير أن الظلمة تحيط بها من كل جانب وما نزال نرى كيف تُستغَلُّ كسلعة يتم المتاجرة بها كل يوم، وتخضع لقوانين العرض والطلب في تجارة تُعرف بـــ (تجارة الرقيق الأبيض)، ورغم أن الاتفاقيات الدولية حرَّمت هذه التجارة وحظرتها إلا أنها تنامت واحتلت المرتبة الثالثة بعد تجارتي المخدرات والسلاح.

كيف يحتال تجار البشر على الناس، و ما هي الحلقة الأضعف التي يستهدفونها؟

يلجأ بعض الرجال إلى إغواء بعض النساء واستغلالهم من باب الحب أو مقابل أجر مستغلين حاجة بعض الفتيات إلى المال بسبب ظروف مادية حرجة أصابتهن مثل موت الزوج أو الأب المعيل وغير ذلك، وكل ذلك بقصد إرضاء شهواتهم أو المتاجرة بجسد المرأة بقصد تحقيق الربح.

ما هي الآثار الجسيمة المترتبة على الاتجار بالبشر؟

إن الآثار المترتبة على الاتجار بالنساء فتكمن في اختلال القيم الاجتماعية جرَّاء انتهاك حقوق الإنسان حيث ينتشر الجنس التجاري وولادة أطفال مساكين يتعرَّضون منذ صغرهم لمعاملة قاسية من المجتمع ويجدون أنفسهم في كثير من الأحيان بلا مأوى أو طعام ليكون الشارع بيتهم الوحيد؛ بيتهم الذي لا سقف له ولا أمان فيه، إضافة إلى التأثيرات المدمرة لهذه التجارة على سوق العمل

إذ تساهم في فقدان الطاقة البشرية وبروز عادات اقتصادية غير سليمة على رأسها شيوع المعاملات المشبوهة والتهرب الضريبي وغسيل الأموال، ناهيك عن زيادة الأعباء والمسؤوليات التي تتحمَّلها الدولة في سبيل توفير الرعاية الاجتماعية والطبية للضحايا.

ما هو واجبنا تجاه ضحايا مشكلة الإتجار بالبشر؟

إن واجبنا اليوم يحتَّم علينا العمل بجهد أكبر لتوعية الفتيات حول مخاطر الاتجار بالنساء والطرق الملتوية التي يستخدمها بعض الأشخاص لاستمالة المرأة والتغرير بها وإيقاعها في شراكهم الخبيثة، وذلك من خلال البرامج التوعوية ومختلف أشكال الندوات والدورات وغيرها.

وإن استغلال المرأة له أشكال وصور متنوعة، فمن الاستغلال المادي إلى العاطفي وصولاً إلى الاستغلال الجنسي، لذلك فعلى المرأة أن تتنبَّه إلى أي محاولة تهدف لاستغلالها وتدافع عن نفسها قبل أن يدافع عنها أحد، فلا تسمح لأي إنسان أن يستخفَّ بعقلها ويستدرجها لما يريد تحت أي ذريعة أو حجة، وألَّا تتردد في طلب العون عندما تشعر بالعجز والحاجة إلى المساعدة، فذلك خير من أن تكون ريشة في مهبّ الريح.

كلنا أمل في أن يشرق يوم الحرية و ينطمس ظلام العبودية؟

في الختام، كلَّنا أملٌ بيوم نصحو فيه لنحتفل بقدوم ساعة انتهاء ظاهرة الاتجار بالبشر عموماً والنساء والأطفال خصوصاً؛ بيوم ندحر فيه أولئك المنحلّين أخلاقياً ممَّن يريدون أن يعيثوا فساداً في المجتمع؛ بيوم يبصرُ فيه العدل والأمان والحرية شمس الصباح.

فيديو مقال “استغلال المرأة والاتجار بها” إلى متى؟

أضف تعليقك هنا