الأزمة التعليمية الكورونية “طرق حلها”

٢بقلم/ ولاء عبد الفتاح الهمص

اجتياح مكاني جعل من غياب الحواجز المكانية الثابتة مثارًا للارتقاء إلى عوالم مختلفة عن طريق شبكات الإنترنت الفسيحة، واجتياح زماني امتلك أدوات التخلص من روتين الذهاب والإياب ومزاحمة الآخرين بحثًا عن سرعة الوصول إلى حيز مكاني ربما كان أضيق مما تحتمله رحابة العقول, وتشكلت أزمة تعليمية لعدم القدرة للوصول إلى المدارس والجامعات.

الأزمة بمعناها العام هي تلك النقطة الحرجة واللحظة الحاسمة التي يتحدد عندها مصير تطور ما، إما إلى الأفضل وإما إلى الأسوأ.

ويعرف متروف ( Mitroff) الأزمة على أنها: حدث يمكن أن يدمر أو يؤثر على المنظمة ككل، ويهدد وجودها، ويؤثر سلبياً على سمعتها أو صورتها لدى الجمهور.

وتعرف الأزمة على أنها: حدث مفاجئ غير متوقع، مما يؤدى إلى صعوبة التعامل معه، ومن ثم ضرورة البحث عن وسائل وطرق لإدارة هذا الموقف بشكل يقلل من آثاره ونتائجه السلبية، وهى أيضا حالة مؤقتة من الاضطراب واختلال التنظيم. والأزمة تعبر عن ثلاثة عناصر أساسية هي: التهديد المفاجئ وضيق الوقت، ونقص المعلومات .

لذلك فالأزمة تمثل الفرصة للتغيير, حيث إن كل أزمة تحمل في طياتها مقومات نجاحها وكذلك أسباب فشلها، وعند الاستعداد الجيد لمواجهتها يمكن تحويل الأزمة إلى فرصة يستفاد منها في إحداث تغييرات معينة.

أما الأزمة التعليمية فهي: مشكلة أو حالة تواجه النظام التعليمي، وتستدعى اتخاذ قرار سريع لمواجهة التحدي الذي تمثله تلك المشكلة، غير أن الاستجابة الروتينية لمؤسسة الإدارة التعليمية تجاه هذه المشكلة أو التحدي تكون غير كافية، فتتحول المشكلة حينذاك إلى أزمة، تتطلب تجديدات في المنظمة الإدارية التعليمية والأساليب الإدارية التي تتبعها تلك المنظمة.

أما الأزمة في المدرسة هي: حدث مفاجئ وغير متوقع، ويؤثر بشكل عميق وسلبي على المدرسة، ويتضمن إصابات خطيرة أو موت أحد الطلاب أو عضو من هيئة المدرسة.

ويمكن تعريف آخر للأزمة داخل المدارس وهي: حالة مؤقتة من الضيق وعدم التنظيم وخلل في الإدارة ، وتتسم بعدم قدرة المدير على مواجهة الموقف باستخدام الطرق التقليدية في التعامل، وتؤدى إلى نتائج غالباً ما تكون غير مرغوبة، وبخاصة في حالة عدم وجود استعداد أو قدرة على مواجهتها .

ويوضح هذا التعريف أن الطرق التقليدية لا تكفى للتعامل مع الأزمات ومواجهتها. كما أن الأزمة في المدرسة تعبر على  حدث أو موقف حرج ينطوي على نتائج خطيرة تتطلب استجابة ومواجهة فورية.

ويمكن ملاحظة أن الأزمة تمثل نقطة تحول في سلسلة من الأحداث المتتابعة، وتعبر الأزمة في المدرسة عن موقف أو حالة من الاضطراب المفاجئ الذي يؤثر بشكل سلبي على الطلاب وهيئة العاملين بالمدرسة، مما يفرض وجود أساليب أو أنماط إدارية غير مألوفة للتعامل مع الأزمات، حيث إن الاستجابة الروتينية لا تكفى لمواجهة الأزمات.

إدارة الأزمة التعليمية

إدارة الأزمات التعليمية هي: أسلوب إداري يهدف إلى التنبؤ بالأزمات التي يمكن أن تقع داخل المدرسة، والتعامل معها بشكل سليم فور حدوثها، وهذا يعتمد على عدة عمليات إدارية تشمل التخطيط لمواجهة الأزمات من خلال تنظيم ابتكاري يتناسب مع طبيعة هذه الأزمات، بالإضافة إلى وجود طرق محددة للاتصال تكفل السيطرة على الأحداث والتحكم فيها.

وإدارة الأزمات في المدرسة هي: وجود خطة في المكان قبل حدوث الأزمة، فمن التقصير فى التعامل مع الأزمات والكوارث أن يكون الموقف هو رد الفعل، ولكنه يجب أن يكون متضمناً الإعداد والتحضير والتدريب المستمرين للتعامل مع الأزمة بأنواعها المختلفة، فلابد أن تكون هناك خطة وقائية لتوقع هذه الكوارث والأزمات، بحيث يوجد فرق مدربة للتعامل معها.

ومن ثم يمكن القول أن إدارة الأزمات هي: آلية إدارية يستخدمها النظام لمنع وقوع أزمة معينة، أو الاستعداد لها إن وقعت ومحاولة احتوائها لتقليل الخسائر المترتبة عنها.

فلا يمكن التعامل مع الأزمة في إطار من العشوائية والارتجالية، أو بسياسة الفعل ورد الفعل، بل يجب أن يخضع التعامل مع الأزمة للمنهج الإداري السليم لحماية الكيان الإداري من تطورات غير محسوبة، ويقوم المنهج الإداري العلمي على أربع وظائف أساسية هي: التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والمتابعة. وهناك أيضا عملية الاتصال والتي يمكن أن تلعب دوراً محورياً في التعامل مع الأزمات ومواجهتها بشكل فعال.

دور مدير المدرسة في إدارة الأزمات

لمدير المدرسة دور بارز في إدارة الأزمات، ويتضح ذلك من خلال كفاءته في عمليات التخطيط والتنظيم والاتصال، على النحو التالي:

أ- التخطيط

إن التخطيط لإدارة الأزمة من خلال تخطيط سيناريو يحدد ما يمكن أن يحدث، وأدوار الأعضاء المشاركين في عملية المواجهة والذي يخفف من حدة مفاجأة حدوث الأزمات، لذلك فإن أهم ما يميز المدارس الفعالة هو الاستعداد لمواجهة الأزمات، وإدارتها من خلال تخطيط منهجي.

والتخطيط عملية مستمرة لا تتوقف، وتهدف خطط مواجهة الأزمة إلى منع الأزمات عن طريق اتخاذ الإجراءات الوقائية، والتحضير للتعامل المناسب معها.

ب- التنظيم

يهتم التنظيم بتحديد الأشخاص الموكلة إليهم الأعمال الخاصة بمعالجة الأزمات والمهام المرتبطة بكل منهم، وعلى مدير المدرسة أن يوفر نوعاً من التنسيق والتوافق والتكامل بين الجهود المختلفة التي تبذل لإدارة الأزمة، خاصة عندما تحتاج الأزمة إلى جهد جماعي.

وتتطلب إدارة الأزمات وجود فريق لمواجهة هذه الأزمات، حيث يشمل الفريق المدير ومساعده، والأخصائي الاجتماعي والنفسي، والمرشد التربوي، والممرضة، ومسئولي الأمن بالمدرسة، وبعض العاملين ويمكن أن يشمل أعضاء من مؤسسات المجتمع المحلى الذي يمكنهم تقديم المساعدة في هذا المجال. خاصة وأن العمل الجماعي القائم على الفريق أصبح أساس العمل بالمدرسة، وذلك لكي يتم مواجهة الأزمات مثل أحداث العنف والتشاجر بين الطلاب وبين المعلمين وأولياء الأمور.

ج- الاتصال

لكي تتم مواجهة الأزمات بكفاءة، من الضروري التحديد الواضح لخطوط الاتصال، ونوعية المعلومات والبيانات التي يتم تداولها من أجل التنسيق، وإدارة الاتصال بفاعلية داخل وخارج المنظمة. ولذلك يلعب الاتصال دوراً محورياً في التعامل مع الأزمات من أجل توضيح الحقائق، وتجنب انتشار الشائعات، وعدم خروج الموقف عن السيطرة .

ويتضح دور مدير المدرسة في الاتصال بأولياء الأمور والمجتمع المحلى، حيث يقوم المدير بإقناع أولياء الأمور باعتبارهم طرفاً أصيلا وعاملا مؤثراً في إدارة الأزمات، وذلك من خلال تقديم الاقتراحات ومناقشة الأزمات أو المشاركة الفعلية في إدارتها، حيث أنهم يرغبون في توفير البيئة التربوية الآمنة لأبنائهم.

والاتصال معهم بشكل مستمر وقبل حدوث الأزمات من أجل وجود العلاقات القوية والتآلف والانسجام، ويمكن إعداد قائمة بأولياء الأمور الذين يمكنهم التطوع في حالة وجود طوارئ، لإقامة علاقات إيجابية وقوية بين المدرسة وعائلات الطلاب من أجل خلق مناخ إيجابي ومشجع لفهم مشكلات الطلاب ومواجهتها مبكرا ” .

ويعمل على أن تكون المدرسة أكثر انفتاحاً على مجتمعها المحلى، لتتمكن مؤسسات المجتمع المحلى من القيام بدورها في التعاون مع المدرسة والمشاركة في مواجهة الأزمات التي تتعدى قدرات المدرسة مثل الحرائق الخطيرة أو التسمم الغذائي للطلاب أو أحداث العنف والشغب، ولقد فرض ذلك تفعيل دور مؤسسات المجتمع المحلى مع المدرسة، وعمل برامج شراكه ومناقشة القضايا والأزمات المحتمل حدوثها من أجل تجنبها، ويبرز دور مدير المدرسة أيضاً في كل مرحلة من مراحل إدارة الأزمات، على النحو التالي:

أ- مرحلة ما قبل الأزمة Before The crisis

وتشمل هذه المرحلة وضع نظم للإنذار المبكر ترصد وتحلل البيانات والإشارات التي تسبق الأزمات، وتطوير خطة الطوارئ. وتتضمن أيضا هذه المرحلة تحديد المخاطر والفرص والتفكير فيما هو غير مألوف، ومن الضروري أيضاً في هذه المرحلة محاولة تجنب الأزمات وهى أبسط الطرق وأقلها تكلفة لمنع وقوع الأزمات المحتملة، وإذا كان من غير الممكن تجنب الأزمة، فلابد من الإعداد لإدارتها جيداً من خلال وضع خطط الطوارئ، واختيار أعضاء فريق الأزمات، وتوفير اتصالات مناسبة، والتدريب على هذه الخطط . من هنا يمكن القول أن هذه المرحلة تنطوي على تحليل المخاطر المحتملة، وتقدير الإمكانات المتاحة وتحديد الإجراءات المناسبة، وتدريب الأفراد على القيام بأدوارهم.

ب- مرحلة أثناء الأزمة During the Crisis

وتشمل هذه المرحلة تعبئة الجهود، وتنفيذ الخطة، والتنسيق مع الأطراف الأخرى والهيئات الموجودة في المجتمع المحلى التي يمكنها المساعدة لحماية الطلاب وهيئة العاملين، وفى هذه المرحلة لابد من استيعاب الموقف وفهم ملابساته لإدراك أبعاد الأزمة ثم احتوائها من خلال اتخاذ القرارات المناسبة والسريعة لتقليل الخسائر، وتهدف إجراءات المواجهة إلى توجيه هيئة العاملين بالمدرسة عند وقوع مواقف الأزمات مثل الموت المفاجئ لأحد الطلاب أو عضو من هيئة العاملين بالمدرسة حيث يكون من الضروري الاستجابة الفورية والمواجهة السريعة عند حدوث الأزمة، ولكن على المدير أن يتحقق من المعلومات الصحيحة مع تجنب انتشـار الإشاعات عن الأزمة داخل المدرسة وخارجها.

ج- مرحلة ما بعد الأزمة After the Crisis

وتشمل هذه المرحلة مساعدة الضحايا، والعودة إلى الأوضاع الطبيعية، بالإضافة إلى تقييم عملية المواجهة ومراجعة خطة الطوارئ ثم الاستفادة من خلال الخبرة المكتسبة، واستخلاص الدروس المستفادة من أجل التعلم ، “ويقوم المدير في هذه المرحلة بعقد اجتماع مع فريق الأزمات متضمناً الأخصائي الاجتماعي والأخصائي النفسي، والقيام بإعداد بيان رسمي للرد على الاستفسارات، وتحديد الطلاب والآباء والعاملين المتأثرين بالأزمة وعلاقاتهم بالمصابين أو المفقودين، والاستعانة بمؤسسات المجتمع المحلى عند الضرورة” .

لذا يحتاج المديرون لمواجهة المخاطر لأساليب متطورة ومناسبة تساعدهم على التقييم وصنع القرارات المناسبة وتنفيذها مع تجنب آثارها السلبية تحت ظروف عدم التأكد الذي تمثله المخاطر. كما يعمل مدير المدرسة على إشراك الطلاب في حل المشكلات، حتى يشعرهم بالاحترام والثقة بالنفس وتنمو لديهم الاتجاهات الإيجابية وحب العمل التعاوني.

متطلبات إدارة الأزمات في المدارس:

وتتمثل متطلبات إدارة الأزمات في المدارس بشكل فعال، فيما يلى:

أ- وجود القيادة الفعالة لدعم التنفيذ الفعال لإدارة الأزمة ومتابعة الاستعداد لمواجهتها.
ب- وجود فريق لإدارة الأزمات مدرب على التعامل مع الأنواع المختلفة من الأزمات، ويعمل على مستوى المدرسة، ومستوى المنطقة أو الإدارة، والمستوى القومي. وتوجد علاقة قوية بين فريق إدارة الأزمات بالمدرسة ومؤسسات المجتمع المحلى ومراكز الرعاية الصحية مما يدعم قدرة المدرسة على تقديم الخدمات المناسبة عند حدوث الأزمات.
ج- وجود خطة لإدارة الأزمات بالمدرسة تحدد بوضوح نوع المواجهة المطلوبة فى كل موقف حتى يعرف العاملون بالمدرسة مقدماً كيف سيواجهون الأزمة في الوقت المناسب، ويتم تطوير الخطة بشكل مستمر وتوزيعها على فريق مواجهة الأزمات.
د- توفير قنوات فعالة للاتصال داخل المدرسة وخارجها مع الآباء ومع وسائل الإعلام وهيئات المجتمع المحلى حتى يمكن تقديم المساعدة عند الضرورة، ولضمان سرعة الاستقرار .
هـ- التدريب المستمر للأفراد على فهم سياسات وإجراءات عملية صنع القرار، والوصول إلى قرارات رشيدة لمنع الأزمات أو مواجهتها بكفاءة عند وقوعها.

بقلم: ولاء عبد الفتاح الهمص

 

أضف تعليقك هنا