الاستغلال دين من لا دين له

ليس خفياً على أحد ما تعانيه حكومات العالم اليوم في ظل مواجهتها للجائحة العالمية المتمثلة بفيروس كورونا المستجد، فقد ظل الهم الأكبر لهذه الحكومات أن تبقى واقفة على أقدامها تكافح بكامل طاقاتها حتى آخر الأنفاس وتسابق الزمن في حرب ضروس تتلخص في جملة إما قاتل أو مقتول.

لكن، على الرغم من ذلك يبقى المتضرر الأكبر والضحية الأولى لهذه الجائحة هو المواطن المسكين بشحمه ولحمه، وأعني هنا ذلك المواطن الذي يرى نفسه اليوم في نفق مظلم وقاتم لا يدري إلى أين سينتهي به ولا إلى أين سيأخذه، ولا يعرف ما إذا كان سيبصر النور من جديد أم أنه سيبقى أسير تلك العتمة الصارخة وذلك التيه القاتل.

هل هي حرب ضد عدو واحد؟

هنا يجب أن نطرح أسئلة استفهامية استنكارية بكل جدية ودون تراخي. من هو عدونا الذي نواجهه اليوم بالتحديد وذلك في ظل هذه المحنة العصيبة؟  وهل نحن بصدد مواجهة عدو واحد فقط أم أن هناك الكثير من الأعداء الذين يقفون في وجهنا اليوم؟ وما الدوافع وراء تكاثر الأعداء وتكالبهم علينا؟ أم أنها سياسة الجمل الطريح وسكاكين القوم من حوله إذا ما زادت وكثرت؟!.

من الواضح أن هذه الأزمة خلقت للعدو الرئيس رفاقاً وأعواناً يحاربون معه بسيوفهم الغادرة ويقتلون كما يقتل ويصيبون كما يصيب. وبالطبع فالإجابة عن هذه الأسئلة يرسمها الواقع المؤسف وتخطها أقلام الحقيقة المريرة. أجل، فالأعداء كثر وسكاكينهم في ازدياد ونحن ممثلين بالوطن والمواطن المسكين كالجمال الطريحة التي تنتظر أن تُقطَّع أجزاؤها إرباً إرباً بعد أن تذبح وتسلخ دون أدنى رحمة أو شفقة.

كورونا والاستغلال سيفان أشهرا من غمد واحد

لا شك أن القيم والأخلاق الفاضلة الحميدة تخلق شعوباً لا تحتكم للقوانين المكتوبة بقدر ما تحتكم لضمائرها وما تمليه عليها تلك القيم والأخلاق. فالنبل لا يباع في ساحة المزاد والكرم لا يشرى من بقالة على الرصيف والقناعة لا توزن في موازين الباعة بالأسواق. إنما هي خلق وتربية ينشأ عليها صاحبها ويترعرع في كنفها وتحت ظلالها.

ولأن الأزمات والمحن تكشف ما حجبته الأقنعة وتزيل الستار عن الأسرار لتصبح الرؤية أكثر وضوحاً من قبل، بات بإمكاننا اليوم أن نرى ما نحن عليه من قيم وما ينقصنا حقاً من أخلاق.

وكغيره من الأعداء ظهر شبح الاستغلال مشهراً سيفه الغادر يريد أن يحكمه في رقاب الضعفاء والمساكين من المواطنين. إنه لم يكترث حتى لمعاناتهم ولا لصرخاتهم ولم يبالي بصيحاتهم وآهاتهم. فما يريده فقط وما يسعى إليه بشغف الجاحد هو أن يكسب المعركة ليبنى على أجساد ضحاياه قصور الطمع والجشع ولكي يملأ جيوبه من فقرهم وعوزهم وحاجتهم.

تعددت الوجوه والمستغل واحد

عندما يرفع التاجر أسعار البضائع إلى الضعفين والثلاثة والعشرة وأكثر فهو عدوٌ مستغل، عندما يتغذى التاجر على مأساة المواطن المسكين ويحلب جيوبه بنَهَم مُفرِط فهو وغدٌ مستغل، عندما يرى التاجر أن الأزمة فرصة وأن المحنة ابتسامة للقدر في وجهه كي ينقض على المواطن ليستغل حاجته ويتركه عظماً بعد أن أكل ونهش لحمه فهو خائنٌ مستغل، فمهما تعددت وجوه الاستغلال وأساليبه يبقى وصمة عار في جبين فاعله ويظل عدواً لدوداً لا تقل خطورته عن الخطر الرئيسي المتمثل في الأزمة بحد ذاتها.

متى سينتهي شبح الاستغلال الأسود؟

سؤال لا بد من طرحه بعد أن رأينا ما رأينا في ظل هذه الأزمة العصيبة وفي الكثير من الأماكن والبقاع من مستغلين ومحتكرين هم أشبه بالقتلة وقطاع الطرق، فقد أصبح أمر الخلاص من هؤلاء ومحاربتهم واجب تقتضيه القيم والأخلاق وحاجة ملحة يُلزمنا بها واقع الأزمة المرير.

ولا شك أنه مهمة مطلوبة تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات المعنية التي عليها أن تسخر طاقاتها المختلفة لمحاربته ومكافحته والقضاء عليه، وهو كذلك مسؤولية عظيمة يتقلدها الأفراد وتقع على كاهل مواطني المجتمع بأسرهم.

فيديو مقال الاستغلال دين من لا دين له

 

 

 

أضف تعليقك هنا