الأمن المجتمعي:مفهومة،ومستوياته،وتهديداته

بقلم : سيماء علي المعموري

إن من أبرز التحولات التي عرفتها العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة بروز قوى عالمية جديدة إلى جانب الدولة والتي لها دور دولي إلى جانب تأثيرها على سياسة الدول اقتصاديا، اجتماعيا، وسياسيا بالإضافة إلى العولمة بحيث أن هذا التحول جعل الدولة عاجزة بمفردها عن مواجهة هذه التحديات الجديدة في القرن 20.

عرف العالم تغيرات كبيرة على الساحة الدولية تغير معها مفهوم الأمن

فلقد عرف العالم تغيرات كبيرة على الساحة الدولية مما صاحبها تغير في مفهوم الأمن، وظهور جملة من التهديدات التي لم تكن موجودة من قبل، إذ لم تعد التهديدات مقصورة على التهديدات العسكرية فقط بل تجاوزتها إلى تهديدات دولية كالإرهاب الدولي، التلوث، المخدرات.

لكن ومع ظهور عدة مستجدات على الساحة العالمية وخاصة ظهور ما يسمى بظاهرة العولمة، أثر ذلك في مفهوم الأمن المجتمعي بصورة جلية، خاصة و أن الأمن المجتمعي من أهم أبعاد الأمن الإنساني ذلك أنه مرتبط بالإنسان وبوجوده كفرد في المجتمع، وبتمكينه من تحقيق خصوصياته دون تهميش أو اضطهاد من خلال خلق آليات ضامنة لمنع إقصاء الذات من جهة وخلق توازن فعلي بين الخصوصية الثقافية، الدينية، اللغوية، والعرقية وضرورة بناء منطق الاندماج القومي للمواطنين في بناء مجتمع تعددي وعادل الفرد.

مفهوم الأمن المجتمعي

ولابد لكل دراسة من تأصيل نظري يوضح فيه مفردات الدراسة ليتسنى للقارئ فهم صورة أولية لموضوع الدراسة.

أولا: الأمن المجتمعي لغة:

أمن يأمن أمانة، فهو أمين، أمن الرجل: حافظ على عهده وصان ما أؤتمن عليه… أمن الرجل أطمئن ولم يخف, أمن البد اطمأن بأهله وقوله تعالى:﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً ﴾ . أما المجتمعي فيقصد به, جمع المتفرق جمعاً: ضم بعضه إلى بعض, وأجمع القوم: اتفقوا.

ثانياً: الأمن الاجتماعي اصطلاحاً:

يعرفه “باري بوزان” واحد من كبار المنظرين للأمن في فترة ما بعد الحرب الباردة :(العمل على التحرر من التهديد، وفي سياق النظام الدولي فإنه يعني قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل، وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي يرونها معادية). أو هو خلق توازن فعلي بين الخصوصية (الثقافية، الدينية، اللغوية، العرقية ( وضرورة بناء منطق الأندماج القومي للمواطنين في بناء مجتمع تعددي وعادل.

تعريف الدكتور نبيل سكندر للأمن المجتمعي

أما الدكتور نبيل سكندر فيعرفه: كل الاجراءات والخطط السياسية والاقتصادية والثقافية…الخ, الهادفة لتوفير ضمانات شاملة تحيط كل شخص في المجتمع بالرعاية اللازمة, وتوفر له سبيل تحقيق أقصى تنمية لقدراته وقواه, واقصى قدرة من الرفاهية في إطار من الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.

لتحقيق الطمأنينة والاستقرار المجتمعي لابد من توفر ثلاث ادوار رئيسية هي:

• ولتحقيق مشاعر الطمأنينة والاستقرار المجتمعي لابد من توفر ثلاث ادوار رئيسية هي:

 الدور الوقائي:

اتخاذ عدد من التدابير من شأنها الحيلولة دون الخروج على قواعد الضبط الاجتماعي، و إشاعة الطمأنينة في نفوس الأفراد، والحيلولة دون وقوع الجريمة.

 الدور القمعي:

قيام أجهزة العدالة الجنائية للتصدي لكل من تسول له نفسه الخروج على قواعد الضبط الاجتماعي وتقديمه للعدالة حتى ينال جزاء ما اقترف من ذنب طبقا للقواعد والأنظمة والقوانين.

 الدور العلاجي:

التصدي للمشاكل الأمنية والحد من آثارها السيئة، عن طريق تأهيل المجرمين حتى يعودوا إلى مجتمعهم مرة أخرى.

مستويات الأمن المجتمعي

فهناك ثلاث مستويات يعزز من تحقيق الأمن المجتمعي:

 مستوى الاسرة:

أن الأمن والأسرة ترابط وثيق يكمل احدهما الآخر, وهذا لا يتحقق إلا في ظل أسرة واعية تحقق في أبنائها الأمن النفسي, والجسدي , والغذائي , والعقدي, والاقتصادي, والصحي بما يشبع حاجاتهم النفسية وهذا بدوره ينعكس على طمأنينة المجتمع ككل, وكذلك غرس مفاهيم حب الوطن والانتماء وترسيخ معاني الوطنية لدى الأبناء وتذكيرهم بأن كل الخدمات المقدمة من مدارس ومنتزهات وحدائق عامة ومستشفيات …. الخ.

هي من اجل راحة المواطن وجب الحفاظ عليها , مع حرص الاباء على متابعة ابنائهم في اختيارهم الرفقة الصالحة التي بدورها تنعكس على سلوكيات أبنائهم.

 مستوى المجتمع:

بناء قوة الوجود الاجتماعي الذاتية، على الاندفاع والفعل المؤثر, فمثلا ظاهرة الرشوة وقبولها اجتماعيا، ليست ظاهرة وليدة الانحراف الخلقي فحسب، بل هي ظاهرة يشترك الكثير من الأنساق والسياسات والسياقات الاجتماعية والاقتصادية في إيجادها, وكون الأخطاء الإنسانية التي لم تتحول إلى ظاهرة، يكون للوعظ والنصيحة الدور الفعال في إنهائها.

أما إذا تحولت هذه الأخطاء إلى ظواهر، فإن العاطفة بوحدها لا تنهي تلك الظاهرة. فالإنسان لا يستبطن فقط الجوانب الأخلاقية بل معها نوازع وحوافز شتى تؤثر على مسيرة الإنسان، وقناعاته الفكرية ومواقفه السلوكية. أن اتكاء نظرية الأمن الاجتماعي على مجموعة من الإجراءات الشكلية، لا يؤدي إلى تحقيق الأمن، بل يؤدي إلى ازدواجية في شخصية الإنسان، تدفعه باتجاه البحث عن أساليب ملتوية وسرية لاختراق جدار الأمن الاجتماعي. أما إذا اعتمدنا في نظرية الأمن الاجتماعي، على منهجية الرضا الداخلي، والتوازن النفسي، فإننا سنشرك قاعدة اجتماعية واسعة، ترى من مهمتها تحقيق الأمن الاجتماعي والمحافظة عليه.

 مستوى الدولة:

قضايا الأمن الوطني ارتبطت بالمجتمعات منذ نشأة الأنسان، إلا أن دور المدارس والجامعات ومراكز الأبحاث العلمية في إجراء الأبحاث والدراسات المتعلقة لم تتبلور بشكل واضح إلا في بداية الخمسينيات من القرن العشرين, إذ كان مفهوم الأمن الوطني في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية مقتصرا على البعد العسكري، متمثلاً في ضمانات الحفاظ على الأسرار السياسية والحربية, وتوفير القدرات اللازمة لحماية حدود البلاد والدفاع عنها.

وتتأثر قضية الأمن الوطني بالضروف الداخلية والعوامل الرئيسية المسببة لها إضافة للمؤثر الخارجي, وأن تخلي الدولة عن دورها الاجتماعية هو الدواء الناجع للمشاكل التي تعاني منها البشرية خصوصا بلدان العالم الثالث التي تئن تحت وطأة التخلف والفقر والمرض والجوع والأمية والتسلط والتبعية وغياب القيم الإنسانية التي تضمن الحد الأدنى من كرامة الإنسان.

تهديدات الأمن المجتمعي

من التهديدات العامة للأمن المجتمعي:

أولاً/ الصراعات فيما بين الجماعات على الموارد والفرص

أولاً/ الصراعات فيما بين الجماعات على الموارد والفرص، أو نتيجة للتعصب والتطرف القومي أو الديني، ومن ثم تكثر تلك الصراعات داخل الدولة الواحدة، أو حتى فيما بين الدول ، والتي يذهب ضحيتها العديد من السكان، ومن أمثلة ذلك: ما حدث في روندا وبورندي، وفي يوغوسلافيا السابقة، وفي الشيشان.

ثانياً/ المشكلة الخاصة بالسكان الأصليين

ثانياً/ المشكلة الخاصة بالسكان الأصليين في العديد من الدول الذين يتعرضون للإبادة، وإستخدام العنف ضدهم، وتضاؤل فرصهم في الحياة مقارنة بالسكان الجدد مما يؤثر على إنعدام الأمن المجتمعي, ويمكن أن يمثلوا مصدرا لعدم الأستقرار والتوتر.

ثالثاُ/ تهديدات الهوية

ثالثاُ/ تهديدات الهوية: تنشأ هذه التهديدات عندما تكون هناك مجموعات تتميز بالخصوصية أو الأنفصالية عن هوية الدولة, وتبدأ المنافسة الرأسية من طرف الدولة، وهذا من خلال إستراتيجيات الصهر والأندماج التي تكون مصحوبة بمخاطر وكلفة بشرية هائلة، من أجل إنشاء دولة”نقية”عرقيا أو دينيا، وفي الغالب ما يشكل هذا جزءا مألوفا من المشهد السياسي للعديد من الدول.

رابعاً/ زيادة البطالة

رابعاً/ زيادة البطالة أو إزدياد العاطلين عن العمل يؤدي إلى زيادة عدد الفقراء وإنخفاض في مستوى المعيشة وبالتالي يؤدي إلى التأثير السلبي على مختلف نواحي حياة البشر من صحة وغذاء وزيادة العنف وإنتشار الجرائم والاضطربات لاجتماعية والسياسية مما ينعكس سلبا على إستقرار معيشة الانسان.

خامساً/ الهجرة

خامساً/ الهجرة، حيث أصبحت الهجرة ظاهرة عالمية تشهدها العديد من المجتمعات، فمشكلة الهجرة لا تقتصر فحسب على مستوى العمالة الوافدة إلى الخارج، وإنما تتناول أمًرا خطيراً بهجرة الأدمغة والكفاءات العلمية، لا سيما من الدول النامية والتي هي بأمس الحاجة إلى خبراتها وطاقاتها لتوظيفها في عملية التنمية المختلفة. بالاضافه الى الهجرة الداخلية من الريف الى المدينه ومما يؤدي الى التضخم السكاني في المدن وكثرة البطالة والتي تؤدي بدورها للجريمة.

الاستنتاجات حول موضوع الأمن

في الختام اقول إن التماسك بين افراد المجتمع واحترام تنوعه الطبيعي بكل مكوناته وأطيافه, وشعورهم بانتمائهم إلى وطنهم ومجتمعهم, يساعد على استقرار المجتمع والنظام السياسي معاً , وهناك جملة من الاستنتاجات حول موضوع الدراسة منها:

  1. الأمن المجتمعي يسعى إلى تحقيق التجانس الأجتماعي .
  2.  مفهوم الأمن المجتمعي جد معقد، لتعامله مع الهويات والثقافات التي تعتبر ذاتية وذات بناءات سياقية، مما يقود في أغلب الأحيان إلى تبني سياسات عنصرية وإقصائية.
  3.  عدم توفير الأمن المجتمعي يقدم بيئة خصبة إلي أفكار أو إختراقات للأمن القومي.
  4.  الأمن المجتمعي لا يعتبر نظاما فرعيا وإنما عدسة من العدسات التحليلية التي يتم من خلالها الكشف على حالة كل من النظام الدولي ، وبالتالي فجميع أبعاد الأمن الإنساني تعمل مع بعضها البعض بشكل مترابط.

بقلم: سيماء علي المعموري

 

أضف تعليقك هنا