الجزائر ما بعد الحراك بين رهانات الداخل وتناقضات الخارج

بقلم:  الباحثة سامية بن يحي، تخصص إدارة دولية /باتنة/ الجزائر

هل ستشهد الجزائر مرحلة انتقالية جديدة؟

بعد أن أفرزت الانتخابات الأخيرة التي جرت بالجزائر يوم 12 ديسمبر 2019 – رغم الظروف التي أحاطت بها والجدل الواسع الذي شهدته بين مؤيد ومعارض – رئيساً جديداً للجزائر يعد الرئيس الثامن لدولة تشهد رهانات سياسية، واقتصادية تتسم بالتعقيد والتصعيد في ظل أشهر من الاحتجاجات العارمة التي أطاحت بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ورغم التطمينات التي قدمها الرئيس الجديد عبد المجيد تبون على أثر أول ندوة صحفية توجه بها مباشرة بعد إعلان فوزه بالرئاسيات تتمثل في فتح حوار صريح مع ممثلي الحراك، وكل الشرائح السياسية خاصة المعارضة إلا أن الاحتجاجات لا تزال مستمرة الى يومنا هذا- ولو أنه تقرر تعليقها لثلاث أسابيع بسبب فيروس كورونا.

نظرا لقناعة الكثيرين أن تبون لن يستطيع تجسيد مطالب الحراكيين

نظرا لقناعة الكثيرين أن تبون لن يستطيع تجسيد مطالب الحراكيين والبعض الآخر يرفض حتى الاعتراف بشرعيته بل قاطعت الانتخابات بحكم أنه يمثل عملة للنظام السابق في المقابل رأت شريحة أخرى بأن نجاح الانتخابات في الجزائر بعد مخاض عسير هو طي لفترة الفراغ التي شهدتها الساحة السياسية الجزائرية، وهذا قد جنب الجزائر مخاطر الربيع العربي، وهو ماعبر عنه حينها رئيس سلطة الانتخابات الجزائرية محمد الشرفي قائلا ” الجزائر ستشهد حقبة جديدة، ومرحلة واعدة في تطبيق الديمقراطية” .فهل ستشهد الجزائر مرحلة جديدة تواكب آمال وتطلعات الشعب الجزائري في ظل الأزمة الاقتصادية والصحية العالمية الحالية؟

الرهانات الداخلية

مما لا شك فيه، وهو ما أجمع عليه كل الخبراء أن المرحلة القادمة تحت اشراف عبد المجيد تبون من أصعب المراحل التي تمر بها الجزائر أمام الانقسام القائم في التوجهات والمواقف، ولعل أبرز الرهانات التي تقوض نجاح الرئيس الجديد في نقل الجزائر الى جمهورية جديدة هو الوضع الاقتصادي المتردي، وتآكل احتياط الصرف وزاد حدة بعد تهاوي أسعار النفط بسبب انتشار وباء كورونا ، أضف الى ذلك تغول الفساد الذي ورثه عن حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتردي الوضع الاجتماعي.

أعمال تبون ووعوده بعد توليه رئاسة الدولة الجزائرية

فانطلاقا من وعود تبون في كل حملاته الانتخابية وبعد توليه زمام رئاسة الدولة الجزائرية بأنه آن الأوان لبناء جزائر جديدة، والمضي قدما نحو التغيير لتجسيد تطلعات الشعب الجزائري، على رأسها اجراء تعديل دستوري وهي الخطوة التي انطلق فيها تبون حاليا.

من خلال لقاءات استشارية مستمرة، ثم العمل على استرجاع هيبة الدولة ومصداقيتها داخليا، وخارجيا من خلال تنشيط الدبلوماسية الجزائرية، و استرجاع الأموال المنهوبة في الداخل والخارج، والتحكم في فواتير الاستيراد التي تنخر الاقتصاد الوطني حيث حددت مزانية الأستيراد بـ25 بالمئة، وذلك من خلال محاربة تضخيم الفواتير والقضاء عليها، ومع ذلك أدى انخفاض أسعار النفط العالمية منذ عام 2014 إلى تقويض مشاريع البنية التحتية الجزائرية، وخلق حالة من التوتر المالي المستمر في البلاد، والأزمة النفطية الحالية التي يشهدها العالم.

كما ذكرنا آنفا بسبب تفشي فيروس كورونا – ما سيؤدي حتما الذهاب الى خيار الاستدانة الخارجية، لأن احتياط الصرف حسب تقدير الخبراء الاقتصاديين لن يستطيع الصمود لأكثر من ثلاثة أشهر من الآن وهي الخطوة التي ستزيد الوضع الاقتصادي بالجزائر أكثر تعقيدا.

ما هو سبب عدم استطاعة الرئيس الجديد الاستجابة لمشاكل الجزائر؟

ساعدت هذه الأزمة على إدامة المشاعر الشعبية القائلة بأن الدولة، والرئيس الجديد لن يستطيع الاستجابة لمشاكل الجزائريين بفعالية، وهو مايترجمه الوضع الاجتماعي المتردي ، والاقتصادي الحالي من تآكل القدرة الشرائية، وضعف الدخل الفردي وتنامي البطالة، لذا يرى الكثير أن المرحلة القادمة لن تختلف كثيرا عن سابقتها، وأن التأكيد على مرحلة انتقالية في الجزائر ماهي الا إشاعة لنرجسية جوفاء، ومزايدة لفظية لم تعد تصلح للاستهلاك الداخلي، والدليل هذا التخبط الحاصل جراء ربط الاقتصاد والميزانية المالية للدولة بسعر برميل البترول،والعجز في السير قدما نحو اقتصاد بديل في انتظار ما ستسفره الأيام القادمة خاصة بعد تجاوز الأزمة الاقتصادية التي خلفها وباء فيروس كورونا العالمية.

الرهانات الخارجية

استبشر الكثيرين من تحركات الدبلوماسية الجزائرية منذ تولي الرئيس تبون سدة الحكم، الا أن هناك العديد من الملفات الحساسة الساخنة التي تنتظر من السياسة الخارجية الجزائرية  وضع حلول لها سواء على المستوى الداخلي مثل انعاش القدرة الاقتصادية، والاجتماعية للفرد الجزائري، وكيفية تفعيل سياسات التعاون الاقتصادية، و الخارجية مثل  قضايا  الأمن والإرهاب، والتهديدات الحدودية والإقليمية على غرار الأزمة  الليبية  وأزمة الصحراء الغربية، والساحل  الإفريقي، والعلاقات التي تربط الجزائر بدول المنطقة المغاربية، والإفريقية والعربية، وتفعيل دور الجزائر الإقليمي، من خلال اعادة تنشيط، الدور الريادي للدبلوماسية الجزائرية.

تفعيل الاتحاد المغاربي

لا تزال العلاقات المغربية تمثل حجر عثرة في بث روح جديدة للاتحاد المغاربي، حيث يواجه الرئيس تبون احدى الرهانات الحساسة تتمثل في كيفية إحياء العلاقات مع المغرب، ورغم تصريحات تبون التي تبرز في ظاهرها نية الجزائر للتعامل بجدية مع ملف العلاقات المغربية الجزائرية، من خلال تصريحاته أن الشعبين الجزائري والمغربي تربطهما روابط متينة موجها رسالة الى السلطات المغربية مفادها أن إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين وارد شرط الإعتذار للشعب الجزائري على فرض تأشيرة دخول على الجزائريين عام 1994.

قضية الصحراء الغربية

وبشأن قضية الصحراء الغربية بين أنها قضية حلها يكون بيد الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، و يجب أن تبقى بعيدة كل البعد عن العلاقات مع الأشقاء، وهي التصريحات التي لم تلقى استحسانا لدى الطرف المغربي تصاعدت حدتها على خلفية موقف الجزائر الأخير من فتح سفارات، وقنصليات لدول افريقية في الصحراء الغربية أدى الى اطلاق تصريحات استفزازية من قبل وزير الخارجية المغر بية، فهل سينجح تبون في طي كل الخلافات الماضية، وهل ستستجيب المغرب للشرط الذي وضعه تبون في المستقبل القريب؟

وضع العلاقات الجزائرية الأوروبية والفرنسية

رغم محاولات حثيثة لدفع عجلة الاتحاد من أجل المتوسط تبقى معضلة الهجرة غير الشرعية تلقي بظلالها على زعماء أوروبا، والتي اشتعلت أزمتها بين النزعة العالمية الليبرالية للاتحاد الأوروبي، وبين القومية العنيفة، فكان التخوف من انعدام الأمن في الجزائر من شأنه أن يحفز موجات جديدة من الهجرة إلى أوروبا هي في غنى عنها،وقد أثار الحراك الجزائري مخاوف من تداعيات جيوسياسية كبيرة على فرنسا، فقبل الانتخابات لم يدل إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي بأي تعليق رسمي، وبهذا الصدد صرح وليام جوردان نائب رئيس البعثة السابق في السفارة الأمريكية في الجزائر العاصمة أن فرنسا ليس لديها خيار سوى السير على قشر البيض فيما يتعلق بالجزائر.

مسألة التدخل الفرنسي المتصوَّر في الجزائر

وإنه يعلم أن أي شيء تقوله فرنسا أو تفعله سوف يتم ضبطه في الجزائر لأي أجندة سياسية قد يدفعونها، و مسألة التدخل الفرنسي المتصور في الجزائر هي ناد كبير يمكن لأي شخص من أي طرف استخدامه، ويضيف جوردان قائلا: “الأساس الصارم للسياسة الفرنسية هو أنهم يفضلون الاستقرار والقدرة على التنبؤ على أي شيء آخر”. “الحكومة الفرنسية ببساطة لا تريد أن ترى تغييرا في الوضع الراهن والبدء في المجهول”.

العلاقات الفرنسية الجزائرية

وعلى صعيد العلاقات الفرنسية الجزائرية، فقد نمت العلاقات الاقتصادية، والتجارية بين البلدين بسرعة منذ عام 1999 و جدير بالذكر أن الجزائر تحمل مفتاح أمن الشمال الغربي، وتتمتع بمصالح مهمة للنفط والغاز، فهي السوق المربحة للعديد من الشركات الفرنسية، لذا تضاعفت تجارتها ثلاث مرات بين عامي 1999 و 2013 مما جعل الجزائر الشريك التجاري الأول في إفريقيا، وثالث أكبر سوق للصادرات الفرنسية خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) خلف الصين وروسيا.

و بقيت فرنسا ثاني أكبر شريك للجزائر في عام 2017، حيث بلغت صادراتها 4.98 مليار يورو، وحصة سوقية بلغت 9.4٪ ، خلف الصين (18.1٪) ولكن قبل إيطاليا (8.2٪) وألمانيا (7٪) ويتوقع أن تبقى فرنسا مستثمرا أساسيا خارج قطاع الهيدروكربونات، وأكبر صاحب عمل أجنبي في الجزائر، في المقابل قد تشهد الجزائر مرحلة جديدة لجلب الاستثمارات، والشراكات مع شركاء جدد في ظل الركود الاقتصادي الذي تعانيه والعمل على خلق صادرات خارج اطار الاقتصاد الريعي.

القضايا العربية نحو دبلوماسية نشطة

تحتل الأزمة الليبية، و القضية الفلسطينية، والحرب السورية حيزا كبيرا من اهتمام الدبلوماسية الجزائرية، فالرئيس تبون أكد على موقف الجزائر من القضية الفلسطينية الذي لن يتغير المتضمن حق الشعب الفلسطيني المشروع في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة عاصمتها القدس، وهو مايفسر رفض الجزائر لصفقة القرن جملة وتفصيلا.

التزام الجزائر بمبدأ تقرير المصير واحترام سيادة الدول

وفي السياق نفسه التزام الجزائر بمبدأ تقرير المصير واحترام سيادة الدول وعدم التدخل، وفي هذا الشأن أوضح الرئيس تبون أن “من يشتري ويبيع في قضية سوريا، وحتى فلسطين، لا يحق له ذلك؛ لأن الأمر يتعلق بشيء لا يملكه” كما حرص على ضرورة حل الأزمة الليبية، والسورية خارج اطار التدخل الأجنبي، وهي الرسالة التي وجهها الرئيس تبون لكل الاطراف المتصارعة والمتدخلة، حيث صرح قائلا “الجزائر وفية لمبادئها الدبلوماسية، ولا نقبل أن يُمس أي شعب عربي أو دولة عربية بسوء، وسوريا من الدول المؤسسة للجامعة العربية، وهذا ما نعمل عليه في الواقع”.

دعوة تبون إلى ضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية

وبشأن وضع الجامعة العربية ينتظر أن تستعيد الجزائر دورها المحوري، في حل الخلافات والأزمات العربية من خلال جامعة الدول العربية خاصة بعد قرار تأجيل عقد القمة القادمة للجامعة على أراضيها، حيث دعى تبون الى ضرورة عودة سوريا الى الجامعة العربية باعتبارها احدى الدول المؤسسة لها، بالمقابل الدعوة الى احتضان القضايا العربية، وتقريب وجهات النظر تجاه الأشقاء، وحل جميع الخلافات على غرار الخلاف الخليجي وتقريب وجهات النظر، ومع هذا يختلف البعض في توصيف عودة الدبلوماسية الجزائرية النشطة على أنها مجرد تهويل اعلامي لأن الجزائر كانت مغيبة طيلة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ، وأمام التوازنات الاقليمية والدولية، والرهانات الداخلية يصعب على الجزائر القيام بدور دبلوماسي حقيقي.

بقلم:  الباحثة سامية بن يحي، تخصص إدارة دولية /باتنة/ الجزائر

أضف تعليقك هنا