السميد في زمن الكوفيد

بقلم: بن يحي يونس

طاعون يسكت البشرية، و فيروس يعري النفوس، أزمة نظافة، أم غياب ثقة، مسؤولون في الحجر الصحي والمستشفيات مهملة لسنين، مواطنون يتوقعون الأسوء، البعض يقول بلاء و البعض يقول أبتلاء، و الكل أسرى.

ما هي التأثيرات النفسية التي خلفها الوباء على المجتمع والأفراد؟

وسواس بعد كل عطسة، بعد كل لمسة وبعد اللقاء، العالم موحش ، سجن للإنسان و انتظار قد يطول. الطقس أجمل و الكون نقي، بداية ربيع صافي، شوارع خالية، فقط رائحة مطاحن البن في مدينتي، و الحب في الزنزانة، لا مساجد ولا كنائس، بيوتنا معابد و صلواتنا واحدة.

للمرة الأولى يتفق العالم على وباء، على أزمة، على فشل، كلنا مساجين و الكل معتقل، عدالة الكوفيد تعري المسؤولين، هي أكبر من حرب، أكبر من احتلال، هي فيروس، لا مجال للسياسيين و لا للمشائخ و لا القديسين، فقط العلماء و الأطباء من يصارعون فناء الخليقة، البسيط يصارع الجوع، زحام في وسط المدينة، عدائية و لهفة في زمن الكوفيد.

كيف انعكست تأثيرات الوباء على حياتنا اليومية؟

إن الناس تعاني كل هذه المعاناة للظفر بكيس سميد وليس بالمجان حتى، لا أحد يجرؤ على لوم المواطن، فإحساسه بالخطر ليس جديدًا، توالي المحن يفقده الثقة في كل شيء، أمنيته فقط أن يعول أولاده و أن يدخل عليه رمضان و عيد الفصح بدون فاجعة، ليس تشائما و لا شماتة، بل ليعي العالم أنه مالم يستطع قادة العالم فعله، نجح فيه الكورونا، أعطى لكل ذي حق حقه، الأرض، الصحة و التعليم، الاهتمام بهم يجعل العالم أنظف و أكثر وعيًا و أقل تلوثًا.

الكل يتساءل ما إذا كان الوضع سيطول و هل سيجد العالم ترياقًا لهذه السم، الكل يريد النجاة و الكل خائف من الموت، الأزمة جمعت الأحباب في سقف البيت المهجور، و أبعدت الحبيب عن حبيبه المحجور، قلق و آلام، بكاء و إشتياق، رحل البعض، و شفي آخرون، و أصبح الوقت مجرد عرف، والزمن توقف، لا الأرض أصبحت تسع ساكنيها و لا الهواء أصبح عفيفًا.

ولكن في وسط العتمة يخرج الهوس و تغلب خفة الدم على الكوفيد، لولا مناظر الشجار على السميد، لقلت أن الحياة أجمل بلا ضجيج المارة و أبواق السيارات المستفزة و جاري السكير، رغم ذالك اشتقنا إلى كل شيء، صديق أبله، مدير مكشر، زملاء العمل، التلاميذ و ساعات العمل المضجرة، فنجان القهوة في الشارع الشعبي، دراويش المدينة و الترهات.

ما الحال الذي أصبحنا عليه بعد أن غيّر الوباء سيستيم حياتنا؟

ما بين هذا و ذاك، سلوك الإنسان بالأحرى في مدينتي الصغيرة أصبح على غير العادة و مبالغًا فيه أحيانًا حتى أنا الذي أعرف ماضي العفن، أصبحت أستعمل الصابون و المعقم كل عشر دقائق و بعد ملامسة أي شيء في البيت و أجلس بهدوء كملاك و أتكلم و كأني أحتضر.

حتى الطوابير في المحلات و المؤسسات أصبحت أكثر نظامًا من جنود الثكنات، والكل اشترى الكمامات و الكل يشتكي من نفاذها، أمم تبكي على الأموات و أخرى في العناية و الأرض تعيش ذكريات النقاء لا غازات مصانع و لا قمامات، ونحن نجمع المؤونة و السميد و نصلي ليذهب الكوفيد.

بقلم: بن يحي يونس

أضف تعليقك هنا