الشاعر ميلود خيزار لاجئ في أرض الكتابة

ميلود خيزار شاعر تروبادور يتعانق والمدن المقدسة كنخلة خرافية، صعب المراس فيه طيبة مستفزة ابن الصحراء المتجدر في الأصالة، مثقف، متمرد على الاستهلاكيات الوقحة، قال عنه السعيد بوطاجين: إنه يقف على الأرض مثل نبتة تعرف وضعها وقدرها.

كيف اكتشف خيزار موهبته و استطاع أن ينمّيها؟

قال الشاعر خيزار عن نفسه: سأقفز مباشرة إلى ما يسميه صديقي بالكتابات، فلا شيء يهم القارىء من سيرتي الذاتية عدا أني أفضل ترك هذه الفترة “للنجوم” و هواة “سير النجوم”؛ علاقتي بالكتابة أول الأمر كانت بتشجيع كثير من الذين قذفت بهم الصدف الجميلة في حياتي، بعضهم لم يكن كاتبًا و لكنه كان يعيش الكتابة بروحه و حضوره و جمال كينونته.

أنا مدين للحبّ بالكثير، مررت ككاتب بمحطات كثيرة كان أولها كمقلد للشابي، لم أثق يومًا بمقولة “الموهبة”، ما مزقته هو أكثر مما نشرت مئات المرات ككل كاتب، وجدت نفسي مضطرًا للانخراط في جماعة (كانت تسمى اتحاد الكتاب) و لكن سرعان ما تبين لي أن “القطيع” ليس مصيري لا ككاتب و لا كإنسان

كيف أثرت روحه الاستقلالية على شخصيته و شعره؟

لقد استقلت من المجلس الوطني لاتحاد الكتاب و من رئاسة مكتبه المحلي (بسكرة)، مباشرة بعد “تعيين” رئيس لاتحاد الكتاب إثر ما صار يدعى بمؤتمر سطيف، و منذ تلك اللحظة لم أنم تحت سقف أي جمعية ثقافية،    و منذ تلك اللحظة بدأت علاقتي “بالمنخرطين” يشوبها الكثير من الحذر و الريبة، أنا الآن مجرد “لاجىء” في أرض الكتابة.

جمال: كسؤال افتتاحي: عن المدينة و تفاصيلها في نصوصك؟ عن بداية ميلاد الشاعر؟
الشاعر ميلود خيزار : المدينة كفضاء يحضن التعدّد و يحمل سمات الأنوثة (كما تحمل الأرحام أشكال الإنسان) هي ما يغريني للأسف المدن التي عرفتها متخمة بالذكورة، لا أدري ما السر في ذكر “المدينة” و “القرية” و “البدو” في القرآن الكريم أعتقد أن “التعدّد و ربما “الخير” جزء من هذا الاختلاف بمنظور قرآني.

ما هو الفارق الكبير بين المدينة و القرية برأي خيزار؟

الميدنة هي الإنسان و ربما غياب “الإنسان” في المشروع الوطني هو الذي جعل “الميدنة” تختفي بهذا الشكل الموحش لفائدة البداوة و القروية، المدينة تختلف في كل شيء عن الفضاءات الاجتماعية الأخرى زمنها غير زمن القرية، المدينة و القرية هي كالفرق بين لغة “عالمة” و أخرى “شفوية”
جمال: لكن بعض الأمكنة سيرة ذاتية في حد ذاتها؟

الشاعر ميلود خيزار: المدن و رغم ما بفترض أن تقدمه من فرص (اختلاف، تعدد، صراعات، معرفة…) إلّا أنها  هندسيًا تقدم صورة عن “السلطة، إن أضخم بنايات المدينة هي تحديدًا تلك التي تقدم صورة عن الهيمنة : المسجد، المحكمة، المقرات الحكومية، السجون…قصور الثقافة و المسارح…السلطة في القرية هي أخلاقية، معنوية، ومرتبطة أكثر بقيم الإنسان و الأرض، أعتقد صوتي امتدادًا للساقيةـ كلامي محاولة لتقليد العشب و روحي شبيهة بعباءة الريح التي تلبسها البراري.

كيف يرى خيزار الدفق الشعري وميلاد الكلمات؟

جمال: بعض الكتاب يعتبر دفقة الكتابة تحديًا وجوديًا… كيف يصنف الشاعر ميلود خيزار حالات التلاقي و تمرد الميلاد في مخاض نص متشظي؟
الشاعر ميلود خيزار: كلامك بحاجة إلى تفكيك، فهو أولاً في صيغة “جواب”، إن أرقى تمثل رمزي للوجود بمنظور إنساني خالص هو الرقم و الحرف و اللون و النوتة، وأعني بذلك أبجديات الفنون، اللغة هي أرقى ما يمكن أن يتمثل الوجود، هذه المنطقة التي تلتقي في عتمتها الموجودات و أسماؤها، لذلك فإن الشعر هو أقرب ممكنات الوجود، لم يكن فرويد مخطئًا حين أعاد فضل اكتشاف اللاشعور إلى الشعراء… لكني إلى حد الساعة لم أرَ أصواتًا تموت عند النبع و لأجل النبع.

ما هي نظرة خيزار لمتون الشعر الفرنسي؟

جمال: على ذكر المتن الشعري… أكيد للشاعر ميلود خيزار مرتكز تراكمي من القراءات المتنوعة؟
الشاعر ميلود خيزار: أنا بطبيعة تكويني مزدوج اللسان (العربية ام و الفرنسية عشيقة)، منحتني هذه الوضعية فرصة الاطلاع على المتن الشعر الفرنسي (الكلاسيكي و الحديث)،تياراته ومنابعه و علاماته… حتى أني “تجرأت” و ترجمت بعض أصواته، بالنسبة لثقافتي العربية فهي “ميراث”، ميراث متعدد المشارب والأصوات

جمال: من ترى أنه ترك فيك أثرًا صادمًا… من الشعراء الفرنسيين؟ أو الأقرب إليك؟ الشاعر ميلود خيزار: كنت دائمًا أقول أن شعراء العالم و باختلاف ألسنتهم ورؤاهم إنما يكتبون قصيدة “كونية” واحدة، ككثيرين مثل: بودلير، رامبو، فاليري، بيرس، و أراغون…هؤلاء عشت نصوصهم و هي تتوهج بالروح الإنسانية كالمزامير…

ماذا يرى في الشعراء العرب؟

جمال: و عن الشعراء العرب عن تجربة التلاقي ومتن الشعر العربي؟
الشاعر ميلود خيزار : قراءاتي متعددة و متنوعة و لا يمثل الشعر إلا جزءًا يسيرًا منها (أكثر قراءاتي للشعر هي من باب الفضول) والإطلاع، حديثًا أحترم محمود درويش و السياب… و بشكل أقل خليل حاوي، لكن الأدب ليس الشعر فحسب، هو أيضًا تلك النصوص العظيمة لجبران و هو أيضا قصيدة النثر.
جمال: التجربة العربية أيضًا أسست لكينونة شعرية عالمية، ربما أصيبت ببعض مكر العولمة الذي ورطها في فخ القراءات الانتقائية لمجمل الإرث العربي…

برأي خيزار هل تأثر الشعر العربي بعوامل العولمة الغربية؟

الشاعر ميلود خيزار: ما يحدث للشعرية العربية هو تمامًا ما يحدث لشعرية الشرق الأقصى و أمريكا اللاتينية و أفريقيا، هذا “التغييب” هو بفعل فاعل هذا الفاعل يمكن تسيمته بالعولمة و يمكن تسميته بالهمينة الإمبريالية أو بالمركزية الغربية و لكن النتيجة واحدة: بقاء هذه الشعريات في الظل بعيدًا عن “المشاركة الإنسانية”، وكان “الشوق الإنساني” لم يعد “واحدًا” ولا “مشتركًا”، إن مفهوم “الإنسانية” صار شديد البياض و شديد الذكورة و ينتهي عن حدود “أثينا” و هذا مؤسف حقًا.

هل هذا إيذانًا بموت الثقافات المحلية؟

الشاعر ميلود خيزار : هناك عوامل أخرى ليست أقل أهمية: كحجم الإبداع و كثافة الترجمة و المنظومات الجمالية و الفكرية، اضافة إلى “الإعلام الثقافي” لست من المبشرين بالموت ولكن احترم نواميس الطبيعة، الثقافة ليست نشاطًا معزولًا عن شروط كثيرة، ربما هي متوفرة بشكل أقل لدى “الثقافات المحلية”.
جمال: إلى أي حد يمكن أن يثبت الأدب العربي بمختلف تنوعاته اليوم؟
الشاعر ميلود خيزار: أنا أربط تطور اللسان بتطور الإنسان، بغض النظر عن “طبيعة هذا اللسان”، مناهج و طرق تدريس اللغات صارت في متناول من “يريد” و لكن صديقي يعلم جيدًا أن “أي منظومة تربوية” هي مرتبطة أساسًا بتطور منظومات أخرى و على رأسها المنظومة السياسية.

كيف وصف خيزار الشاعر عثمان لوصيف في حديثه؟

الشاعر ميلود خيزار : الحديث عن المرحوم عثمان لوصيف هو كالحديث عن “ضرورة” إدانة “نظام كامل” و بكل قوة النظام الذي يقتل الإنسان “حيًا” ويستعيده “جثة” نظام شبيه بالهوام التي تقتات على “الموت” الموت هو لا يستطيع هذا النظام إنتاجه و الترويج له، إنه نظام “يغتال الحرية” و بالتالي يغتال “الحياة.

رأيت بأمّ عيني “بعض الكلاب الضالة” تحاول نهش لحم المرحوم حتى قبل أن يدفن، لكن “عثمان” كصوت” و “كروح” انتصر أخيرًا سيظل خارج “رغباتهم المنحطة” و سينتصر بإرادة الحرية و الحياة و المحبة التي كانت تسكنه لو كان عثمان لوصيف في منظومة مغايرة (أمريكية أو إنجليزية)، ربما كنا سنرى وضعًا مغايرًا، أنا من أنصار “نظرية المؤامرة”، وأقولها بصراحة: هناك فعلًا مؤامرة على اللغة العربية في المغرب العربي (و في الجزائر بالخصوص)،    وعثمان لوصيف من ضحايا هذه المؤامرة، لما “يمثله” كتجربة مغايرة بالنسبة للشعرية العربية.

الشاعر خيزار ذو حذقٍ عميق فإلى أي درجه مكنه ذلك من تقييم الكتابات؟

جمال: حقيقةً الحديث إليك حقًا مغامرة أذكرتني بكتيب مرزاق بقطاش “الكتابة قفزة في الظلام ”
الشاعر ميلود خيزار : أعرف الكثير من الكتاب الذين يتصورون الكتابة “غنيمة كذب”، وهم يمارسون ذلك بادعاء كبير إلى درجة الوقاحة، هم أقرب إلى “النجوم” منهم اإى “الكتاب”، صرت أعرف تلك الكتابة التي تمارس الدعارة الفكرية بملابس “حميمية”، صرت اعرف “الكتابة المثيرة للغبار” و “الضجيج”.

كتابة بائسة و تعيسة و لكنها هي كل ما يستحقه “واقع تعيس و مبتذل و يعيش كذبة وجودية عملاقة” صرت أعرف تلك الكتابات الكسيحة التي تقتات على “استيراد الأسئلة” لمعانًا في “احتقار الإنسان” لديها، صرت أعرف تلك الكتابات التي تعيش على مقولات “الجسد المعطوب” مفرغة تمامًا من اي سؤال فلسفي أو وجودي.

ماهي أحلام الشاعر ميلود خيزار؟

يقول الشاعر: أحلامي كثيرة و هي بحجم أشكال الحرمان التي يعيشها الكائن الجزائري المرغم على العيش في ظل نظام مهنته “هدر الفرص التاريخية” على الجزائريين

ماهي دواوينه؟

شعر “إني أرى ” عن دار النهضة العربية
شعر “أزرق حد البياض” عن دار العين للنشر
شعر”نبي الرمل ” عن اتحاد الكتاب الجزائري
شعر”شرق الجسد ” عن منشورات الاختلاف
شعر”قداس زهرة الملح “عن دار ميم
حاوره بعلي جمال .

فيديو مقال الشاعر ميلود خيزار لاجئ في أرض الكتابة

 

 

 

أضف تعليقك هنا