بان الزيف وسقط القناع “الحروب مازالت مستمر”

بقلم: مصطفى اضرضار

إن الجنس البشري اليوم يعيش على وقع أزمة خانقة، يملؤها الدمع والدم من وطأة فيروس مجهري – كورونا – أبى أن يتنازل عن حقه في الظهور وفي الانتشار، بل أبى الخمود كغيره من الفيروسات التي استوطنت أجساد البشر.

فيروس كورونا لا يميز بين أحد ويصيب كل الفئات البشرية

فيروس تعالى على العلم والتطور التكنولوجي، وأصبح البشر في نظره سيان، لا فرق بين أعجمي وعربي، بين غني وفقير، بين أبيض وأسود، بين مؤمن وكافر، بين من يملك تاريخا ومن لا يملك، وبيّن بالملموس الفرق بين صانعي التاريخ، وبين من يعيشون على تخومه، ومن هم خارجه وفي مزابله، وبيّن كذلك أن لا فرق بين الكل و الكل إلا بالعلم، وبقوة المناعة وشدة الحيطة والحذر.

لعل الفيروس هو مناسبة يمكن للمرء من خلالها أن يقاضي نفسه ويعترف بضعفه وبهشاشته، وأن يقف أمام نمط عيشه الاستهلاكي وواقعه المزري، عاريا من كل علامة تجارية أو بريق أو زخرفة خُصبت في أمشاج مستنقع هذا المجتمع المكلوم … كما أصبح من المُلقى على عاتقنا في هذه الظروف العصيبة، أن نقف وقفة تأمل وإمعان في مآل البشرية تحت قيادة نظام نيوإمبريالي/عولمي/رأسمالي متوحش، يستعمل شتى الوسائل لخدمة مصالحه الاقتصادية ولو على حساب ملايين من الجثث وملايين من البشر الذين طوح بهم الفيروس في قعر الهلع والفزع…

المضاربات الاقتصادية وسطوة الأنظمة الرأسمالية على العالم تزيد من واقع الظلم على الإنسان

لا أحد بإمكانه اليوم أن يجادل في ما افتعله هذا النظام الاقتصادي العالمي بحق الإنسان من مجازر وإبادات جماعية، من أجل مراكمة الثروة/الربح (…)، والأكثر حدة من ذلك هو محاولته لتعليب الإنسان وجعله بضاعة تباع وتشترى على ناصية الطريق يخضع لقوانين الغابة، والسوق، والعرض والطلب، ومحاولته خوصصة كل القطاعات المرتبطة بوجود الإنسان المفقر، خاصة قطاعي التعليم، و الصحة، نظرا لمكانتهما المهمة في كل الأوقات، وفي الأوقات العصيبة على الأخص.

و أصبحنا نرى بالملموس-خاصة في هذه الظرفية- أن قطاع الصحة كغيره من القطاعات الحيوية، أصبح ملجأ للتنافسية والمضاربة بين رؤوس الأموال والشركات التجارية الكبرى على من يستأثر بحصة الأسد ولو على حساب انقراض الجنس البشري، وهذا ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن صحة المواطن أصبحت هي بدورها حلبة جديدة للتفكير الإستراتيجي و للصراع من أجل السيطرة، انسجاما مع القاعدة الميكيافيلية “من يسيطر أكثر يتحكم أكثر، ومن يتحكم أكثر يربح أكثر”.

الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى

إن الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى على من يتربع عرش النظام العالمي(القديم/الجديد) وتسخير كل شيء بما في ذلك الإنسان والطبيعة من أجل مراكمة الربح، هو ما لطخ الإنسانية بالدماء والويلات، وسيجني عليها مستقبلا ما لا يحمد عقباه… وهذا المنطق لا يقتصر فقط على القابعين في سدة الحكم والتحكم، بقدر ما يمتد إلى جانب الأفراد بالنظر إلى طريقة تفكيرهم وسلوكاتهم وما تطغى عليها من فردانية منقطعة النظير ( اللهث وراء تكديس المواد الغدائية ، الاحتكار …).

وهذا طبعا نجد أساسه في السياسات النيوليبرالية التي تربت البشرية في أحضانها، ونتجت عنها قيم الجشع والاحتكار والأنانية المفرطة وتبخيس الآخر، حتى تلاشى التصور السديد للإنسانية وهو فهم “الجماعة” و”التضامن الاجتماعي” و”التكافل” و”تقديم الغير على النفس …

يجب علينا إعاد النظر في علاقة الإنسان بالطبيعة

وبالتالي يجب أن نستغل الفرصة في هذه المرحلة التاريخية لإعادة النظر في ذلك الاعتقاد الراسخ الذي يضع الإنسان في منزلة مركز الوجود، وهي فرصة كذلك لإعادة ترتيب الأوراق في علاقة الإنسان بالطبيعة، ومحاولة الإجابة عن الأسئلة الآتية التي تفرض نفسها: المرتبطة بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، علاقة الإنسان بالطبيعة حيث قال ميشيل سير في ذات السياق: ” بحكم تحكمنا المفرط في الطبيعة، أصبحنا ضعفاء أمامها، حتى إنها تهددنا هي بدورها لتسيطر علينا، فمن خلالها ومعها وداخلها نقتسم القدر نفسه، وأكثر من كوننا نملكها، ستملكنا هي بدورها “.

وطالما أننا نتقاسم القدر نفسه داخل هذا الوجود، فإننا نتقاسم جميعا المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع، وفي ما ستؤول إليه، وما يجب أن يوضع في الحسبان أن هناك تحديات لا يمكن مواجهتها إلا بالعمل الجماعي و بالعمل العلمي؛ أي بروح جماعية لا فردية كما حاولت بعض القوى تسييده، والأهم من كل هذا، وحتى لا تنطل علينا الخديعة، يجب أن تكون لدينا رؤية نقدية للأشياء، للأشخاص، للمعلومات، للأحداث المتسارعة.

بعض التساؤلات التي يجب التعمق فيها

ونتسائل بعمق وجدريا عن بعض الممكنات غير نافين فيروس كرونا لأنه واقع ملموس يحتاج تضافر الجهود لمكافحته مثلا:

  • من وراء جائحة كرونا ؟
  • أهو بمحض الصدفة أم هو أمر مقصود؟
  • هل هناك جهات من مصلحتها بقاء وباء كورونا واستمراره ؟
  • ماذا يمرر وراء الستار في ظل انغماس العالم بفيروس كرونا حديثا ووقاية وعلاجا…؟
  • أليس هناك صناعة للرأي، وربما صناعة لإنسان جديد ؟
  • ألسنا على تخوم نظام عالمي جديد يتم بناؤه وتشكيله؟ ونظام عالمي قديم ينهار؟

وتبقى الأسئلة أسئلة حتى تنجلي الحقيقة التي لم تكن و لن تكون إلا ثورية، ويبقى من لا يملك، ولا ينتج في بؤس الانتظارية، كانتظار العبد أن يطعمه سيده من فضالاته.

بقلم: مصطفى اضرضار

أضف تعليقك هنا