ثقبٌ في القلب… انتحار طفل

تعددت الأسباب والموت واحد

إنه الموت… يقتربُ دون أن يعرف أحدهم بأي وسيلة سيأتيه، البعضُ يموت مريضاً والبعضُ يموت إثر نوبة قلبية أو دماغية لا يُعرف لها سبب واضح، بل تراكمَ الضغط والقهر في جسد صاحبه ليتوقف قلبه عن النبض مدى الحياة.

هي وافتها المنية في غرفة الولادة، وهو فقد حياته بسبب تشخيصٍ خاطئ، وذاك فارق الحياة لقلة الإمكانات الطبية وأخرى لم تُسعفها الحالة الاقتصادية فقتلها الجوع والمرض. كل هذه الصور صارت مقبولة على حد قول الكثيرين إلا انتحار طفلٍ… لا زالت تلك الصورة خارج نطاق التصديق.

ما الأسباب التي قد تؤدي إلى قيام الأطفال بالانتحار؟

فما الذي يدفعُ طفلٌ لم يتجاوز الثامنة عشر من العمر إلى الانتحار، فيزهق روحه دون وعيٍ لما قد يتأتى بعد ذلك. يقوم أحدهم بشنق رقبته التي يربطها في فرع شجرةٍ قد تكون يائسة مثله، وآخر يُلقي بنفسه من علوٍ يضمن له مفارقة الحياة ومثله تفعل هي، في حين تتناول إحداهن دواء جدتها المركون في درج الأدوية. النهايات واحدة… موتُ مؤكدُ.

قصة عن انتحار طفلة في سن الخامسة عشر

أذكر طفلة الخامسة عشر التي حاولت قطع شريانها بمشرط طبيٍ صغير، حالفها الحظُ لتبقى على قيد الحياة، وأذكر الصفعة التي نالتها مباشرةً على وجهها قبل أن تُنقل إلى المشفى لإنقاذ حياتها قبل الأوان، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل لامتها معلماتها على فعلتها دون الانتباه لخوفها وألمها في تلك اللحظة. وأذكر كيف أتى والدها مهرولاً وفي عينيه شرارٌ مخيفُ يُوحي بما ينتظرها من تعنيفٍ. وقفتُ عاجزةً وقتها، فتلك كانت القصة الأولى لمحاولة انتحار طفل. فضولُ المرشد ساق عقلي للبحث في أغوارها لأعرف بعد ذلك أنها كانت ضحية أبٍ عنيفٍ لا يرحم أنوثتها ولا يحترم كيانها، يضربها بشكلٍ مستمر. حتى أنها ذكرت أنه كان يجلدها وأخاها دون رحمة لارتكابها خطأ بسيط ومن وجهة نظره تربية.

صرتُ أسمع بعدها عن العديد من حالات انتحارٍ باءت بالفشل أو نجح صاحبها الطفل في التخلص من هذا العالم الجائر. لم تقف الحدود هنا في غزة، بل في العالم أجمع، في عام 2019 أثبتت دراسة في استراليا أنه أسبوعياً ينتحر ثلاث أطفالٍ بسبب التنمر أو ظروفٍ اجتماعية (عنف، فقدان عزيز، افتقار العناية) واقتصادية أو تقليد لمشهد فيلم كرتوني، وكذلك في أمريكا وفرنسا وغيرهم من الدول العربية والغربية..

وهذا ما دفع الباحثون لمحاولة اكتشاف الأسباب التي تقف وراء سلوك الطفل الانتحاري، إلا أن هذا لم يكن رادعاً للحد من هذه المحاولات. فلا زال هناك حالات انتحارٍ، تنتهي فيها حياة الطفل وتُخفى الأسباب الحقيقة وراء انتحاره مع جسده المدفون تحت التراب… لتتكرر الحكاية مع طفلٍ آخر في بقعةٍ أخرى، ولا يبقى سوى خبرٍ على الهامش على صفحات الأخبار الالكترونية وثقبٌ في قلب أمه التي تزداد حسرتها مع كل يومٍ وهي التي وقفت عاجزة أمام الظروف فلم تستطع حمايته.

ويظل السؤال… لماذا يؤذي الطفل نفسه وينهي حياته بيده؟ ولماذا لم تحميه قوانين الطفولة من ظلم الفقر والعنف؟!

فيديو مقال ثقبٌ في القلب… انتحار طفل

 

 

 

أضف تعليقك هنا