رأسمالية صناعة الأزمات

لا يخفى على أحد أن المجتمعات الإنسانية ليست وليدة اللحظة الراهنة، ولكنها مرت بمراحل عدة بدأت بالمرحلة البدائية مرورا بالمرحلة الإقطاعية وصولا للمرحلة الرأسمالية، وهى تلك المرحلة التي نعاصرها الآن؛ فالرأسمالية لها ما لها وعليها ما عليها إلا أننا بمحاولة وضع الرأسمالية في الميزان- أي محاولة تقييمها- نصل في نهاية المطاف إلى حقيقة مؤداها.

الرأسمالية تسعى لخدمة مصالح معينة

أن الرأسمالية دائما ماتسعى لخدمة مصالح معينة تقتصر فقط على من يمتلكون مقاليد الحكم والهيمنة والسيطرة، فلا يمكن لنا بإي حال من الأحوال أن نتجاهل المطامع الناجمة عن الرأسمالية، وليس أدل على ذلك مما يعاني منه العالم أجمع في الفترة الراهنة والذي يتمثل في انتشار وتفشي فيروس كورونا، والذي يمكن القول بأنه بمثابة أحد أهم الآليات الأساسية والرئيسة التي تعتمدها الرأسمالية الإستغلالية في فرض هيمنتها وسيطرتها؛ بل وفي ذات الوقت يعد هذا الفيروس نتاجا للنهم الرأسمالي المتجذر في طبيعة الرأسمالية المتوحشة.

الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية

ففي القرن العشرين كان هناك صراع قائم بين كتلتين أساسيتين مثلتا قطبي ميزان القوى العالمي، وهما المعسكر الاشتراكي والذي تمثل في الاتحاد السوفيتي، والمعسكر الرأسمالي الذي تمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وخاصة بعد سقوط حائط برلين لم يعد هناك على الساحة سوى الولايات المتحدة الأمريكية والتي أصبحت تمثل القطب الأوحد للهيمنة والسيطرة والمتحكم في ميزان القوى العالمي تحت مسمى “الدولة العظمى”.

وأصبحت تمارس نوعا من التدخل السافر في شئون كافة الدول ومن ثم صارت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس استغلالها للعالم أجمع انطلاقا من عمليات الإستنزاف للثروات عن طريق الاستعمار العسكري المسلح للدول العربية رغبة من الدول الرأسمالية في تحقيق التنمية الداخلية عن طريق استغلال المحور والمحيط.

وبمرور الوقت تم إعادة إحياء الفكر الاشتراكي عن طريق النموذج الأسيوي المتمثل في النمور الأسيوية والتي اتخذت من التنمية والنمو طريقا لها تسعى من خلاله إلى محاولة إثبات ذاتها والتخلص من هيمنة القبضة الرأسمالية الأمريكية الإحتكارية سعيا نحو الظهور على الساحة العالمية كمنتج ومنافس على المستوى العالمي.

سعي النمور الأسيوية نحو تحقيق النمو الذاتي والمنافسة العالمية

إن سعي النمور الأسيوية نحو تحقيق النمو الذاتي والمنافسة العالمية قد أدى إلى حالة من القلق الرأسمالي، لذا فقد شرع الفكر الرأسمالي في إعادة تجميع أوراقه ولملمة سياساته ومن ثم صياغة خطة لمحاربة هذا الاقتصاد الجديد الآخذ في الصعود ليتحول إلى منافس ومن ثم شرعت الولايات المتحدة في التسلح الفكري لخوض معركة جديدة لا مكان فيها للأسلحة المادية المتمثلة في أسلحة الحرب المتعارف عليها نظرا لإحتمالية توازن القوى العسكرية.

الصراع الجديد بين الولايات المتحدة والصين

لذا لجأت الولايات المتحدة للأسلحة الفكرية الإعلامية ومن هنا بدأ صراع جديد  بين الولايات المتحدة والصين على غرار الصراع الذي كان قائما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية فيما مضى، لذا فالصراع قديم متجدد بما يتواءم ويتناسب ومتطلبات ومقتضيات العصر وبخاصة في ظل العولمة وتياراتها المتجددة وأقنعتها المتغيرة.

امتداد الصراع ليصل للجميع

إن الصراع الدائر بين الولايات المتحدة والصين لم يعد يقتصر عليهما فقط وإنما امتدت أذرع هذا الصراع لتصير كالأخطبوط لتصل إلى الجميع ولعل أهمها ما يشهده العالم في الوقت الراهن من انتشار  فيروس كورونا الذي أصبح يمثل وباء عالميا يخترق كافة الحدود ويتجاوز الآفاق.

تمثل هذا الصراع بوباء كورونا الذي أصاب غالبية دول العالم

وانطلاقا من نظرية التحول الوبائي فقد أصبح هذا الفيروس بمثابة خطرا عالميا لأنه استطاع الانتقال الى غالبية دول العالم وأصاب العديد من المواطنين في كافة دول العالم، ولعل ما يشير إلى ذلك الاحصاءات الرسمية وغير الرسمية على المستوى المحلي والعالمي، والتي تكشف عن معدلات انتشار هذا الوباء.

لعبت الرأسمالية دورها من خلال الإعلام ونشر الخوف والذعر

هذا وقد لعبت الرأسمالية العالمية- في ظل هيمنتها الاعلامية – دورا كبيرا في نشر حالة من الخوف والزعر والرعب على مستوى العالم وعن نقطة انطلاق ومصدر هذا الفيروس(ووهان/ الصين) محاولة من ذلك ضرب الاقتصاد الصيني في مقتل؛ رغبة منها في إزاحة الصين من المنافسة ضد الولايات المتحدة الامريكية الأمر الذي ترتب عليه حالة من الهلع العالمي انطلاقا من الحداثة السائلة والشر السائل.

مشروع فيروس كورونا قد أصبح خطراً عالمياً يهدد كافة دول العالم

وبناء على ماسبق يمكن القول بأن مشروع فيروس كورونا قد أصبح خطرا عالميا يهدد كافة دول العالم. ولما كان هذا الخطر غربي المنشأ كارثي التصنيع فإن تأثيراته لم تقتصر فقط على الدول الغربية بل امتدت تأثيراته وأخطاره اتشمل الدول العربية على نحو أسوأ مقارنة بالدول الأوروبية والفيص الأساسي والرئيس في ذلك هو مسلمة وسلسلة الوعي بكافة حلقاتها؛ وبالتالي يمكن القول بأنه في ظل العالم المنفلت على حد تعبير أنتوني جيدنز ، ومجتمع المخاطر على حد قول أورليش بيك تتزايد المخاطر والمساوئ  بل وظهور العديد من الأزمات المصطنعة.

أثر فيروس كورونا على المجتمع

وعلى الرغم من أن الفيروسات تقع تحت طائلة الأمراض والأوبئة إلا أنها  من زاوية ورؤية اجتماعية تمارس تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، لذا نلاحظ على سبيل المثال التأثيرات الاجتماعية مثل تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات والاتجاه نحو تبني التعلم الالكتروني الطارئ وخاصة في ظل فقر القدرة على استخدام الاليات والادوات والمنصات الالكترونية كبديل عن التعلم المباشر. أما فيما يتصل بالعلاقات الاجتماعية وراس المال الاجتماعي فقد يترتب على انتشار ها الفيروس ضعف وفتور العلاقات والروابط الاجتماعية وكذلك تراجع الثقة الاجتماعية بين الناس والحذر والتخوف من المعاملات الاجتماعية.

أثره على الوضع الاقتصادي

أما فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي فقد أدى انتشار وذيوع هذا الفيروس إلى اتجاه الدولة نحو اعتماد السياسات النصفية أو ما يمكن أن نطلق عليه تجزئة القوى العاملة أى اعتماد المؤسسات الحكومية على نصف العاملين فقط بالتناوب الدوري فيما بينهم بما يهدد الانتاج والناتج المحلي والعالمي، هذا وقد أدى الترويج المستمر لتزايد أعداد المصابين بهذا الفيروس نحو اتجاه الأفراد والأسر نحو اعتماد سياسات التخزين المضاعف والمفاجئ الأمر الذي يترتب عليه انخفاض هائل في كميات السلع المعروضة للبيع وكذلك اتجاه بعض التجار نحو انتهاز الفرصة واحتكار أنماط وأنواع معينة من السلع الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات. والله الموفق؛؛؛؛

فيديو مقال رأسمالية صناعة الأزمات

 

 

 

أضف تعليقك هنا