رمضان بين الواجب الديني والطقوس الاجتماعية

ونحن على مشارف بداية شهر رمضان، نسجل مجموعة من السلوكيات الاجتماعية في مجتمعنا المغربي، سلوكيات تعبر عن ثقافة رمضان بصيغتها الشعبية، صيغة جديدة أعطت لهدا الشهر فهم جديد من قبل العديد من الناس، حيث إحداث نقلة نوعية في تصرفات الأفراد ومواقفهم وطريقة تعاملهم، وحتى النمط الغذائي يدخل في هذا السياق.

السؤال المطروح هنا: كيف انتقل شهر رمضان من واجبه الديني إلى مجرد طقوس اجتماعية؟ هل بفعل سوء فهم كبير، أم هي محطة تمهد إلى الخروج عن المعطى الديني برمته؟ وإلى أي حد نستطيع التخلص من بعض الأوهام الرمضانية التي تحولت اليوم إلى حقائق دينية؟

ما المعنى الحقيقي لرمضان؟

بداية إذا أردنا أن نعالج الموضوع بطريقة تحليلية يفرض عليا الأمر تحديد مفاهيم الموضوع؛ فعندما أتحدث عن رمضان تتبادر في ذهني ما معناه، أبعاده، تجلياته، وتمظهره الذي يجب أن يتجسد على أرض الواقع، طبعا رمضان هو شهر من أشهر السنة ضمن التقويم الهجري، بمعنى أنه كمفهوم فإنه يندرج وسط قائمة الأشهر السنوية، لكن دعونا نذهب إلى أبعد من ذلك وهو التعرف عن الحمولة الدينية لهذا الشهر أي أن هذا الأخير فيه من المميزات ما يغيب أحيانا في الأشهر الأخرى، وبالتالي فإن رمضان كمعطى ديني هو ذلك الشهر الذي نتقرب فيه من الله عز وجل بميل أكثر، عن طريق مجموعة من العبادات (الصلاة، الصوم، الدعاء، قراءة القرآن…الخ) باعتبار أن بتفاعل هذه العبادات وبتأثيرها ينتج لنا المعنى الحقيقي لهذا المفهوم ألا وهو رمضان، فهل واقعنا اليوم يسير بصدد هذا المعنى؟

رمضان يتحول من شهر للعبادات إلى شهر لممارسة الطقوس والعادات الاجتماعية

بطبيعة الحال هناك انحياز كبير عن الغرض الرئيسي الذي يشمله رمضان، ومن تجليات هذا الانحياز نجد أولا أن شهر رمضان تم اختزاله في الصيام فقط؛ فإذا كان هناك شخص كبير في السن يعاني من أمراض صحية ذاتية لم تسمح له بأن يلبي هذا الفعل وهو الصيام، فإن المجتمع سوف ينظر له بنظرة تحمل بين طياتها نوع من الغرابة والدهشة، فيصبح الكل يرفض الجزء، أي أن الصيام بمعناه المتداول هو الذي يمثل لنا تعريفا لرمضان، ولنفترض أننا سلمنا بهذا الطرح وقلنا بأنه هناك رجل في شهر رمضان صائم أي أمسك عن الأكل والشرب، لكنه لا يؤدي الصلاة، ولا يقرأ قرآن، ولا يدعو الله دعاء، فهل هذا الرجل امتثل دينيا بما جاء به هذا الشهر؟

ربما بلغة مجتمعنا اليوم قد نجد أن الإجابة تكون بـ”نعم”، وإذا كانت كذلك فهذا يعني أننا نعيش سوء فهم كبير تجاه ديننا.. هذا من جهة، من جهة أخرى إذا تجولنا في أوساط الساحات العمومية في هذه الأيام سنجد أن هناك إعداد قبلي لشهر رمضان، هذا الإعداد يشمل شراء مختلف المعدات من ملابس وحلويات ومأكولات وكل ما يتعلق بالتحضيرات المسبقة التي يقوم بها المجتمع المغربي بالخصوص، على أساس استقبال شهر رمضان، وهذا سيعطينا صورة أخرى وهي انتقال رمضان من شهر العبادة إلى شهر الاستهلاك والإعداد، وعلى الجميع الانخراط في هذه الطقوس الاجتماعية وأن لا يحيد عنها أبدا، إذ أصبحنا نذهب وبطريقة تلقائية إلى التسوق والتجول من أجل شراء مستلزمات رمضان وهذا يعكس علاقة الإنسان المغربي مع الأكل، والتي تعكس بدورها معطى آخر وهو “أن الانسان لا يفكر بعقله، وإنما يفكر ببطنه”، وإن كانت هذه العبارة تحمل بعدا استعاريا مجازيا إلا أنها ذات معنى.

ناهيك على أن مسألة التسوق وإعداد الأطعمة بكلها، وكللها، ومختلف أنواعها، تحيلنا إلى مفارقة عريضة، وهي أن الإنسان رغم صومه وانقطاعه عن الأكل والشرب، فإنه يملئ هذا الفراغ بمجموعة من الطرق؛ إما بالنوم أو بمشاهدة تلفاز، أو التحدث مع صديق …الخ، وعندما تسأله عن هذه الأفعال يجيبك “من أجل أن أتناسى جوعي” علما أن الصوم في رمضان مقصده الأسمى هو أن تحس بما يحسه غيرك من الفقراء والمساكين إلى غير ذلك، وهي قيمة عليا وغاية سامية يقدمها لنا هذا الشهر الفضيل، فضلا عن ممارسات أخرى، وأنشطة محايدة لهذه الطقوس الاجتماعية مثل عدم العمل، وإنتاج أعمال ومسلسلات ودعايات إعلامية تصب في هذا السياق.

وبالتالي تحولت العادات إلى عبادات، وقمنا بتفريغ شهر رمضان من جوانبه الأساسية، وتبنينا طقوس اجتماعية تناسبنا وتتماشى مع ذواتنا، لينتقل من خلالها رمضان من الواجب الديني إلى إكراه اجتماعي، خاضع في دوافعه وأدائه لمعايير المجتمع على اعتبار أن هذا الأخير يمارس قوة ضاغطة تتجاوز وعي الأفراد.

فيديو مقال رمضان بين الواجب الديني والطقوس الاجتماعية

أضف تعليقك هنا