شرعنة العنف في بلاد حمورابي

ما زلت أتذكر ذلك اليوم في المدرسة عندما كان عمري لا يتجاوز الثانية عشر وكنت من التلاميذ المتميزين و المعروفين لعموم الأساتذة.

كيف أصبح العنف في المدارس مع غياب الرقابة؟

حين استدعاني احدهم أنا وزميلي في الصف وعاقبنا بالضرب بعصة خشبية ضخمة أمام جميع التلاميذ، لم تؤلمنا يدانا بقدر ما آلمتنا إهانة الضرب أمام جميع زملائنا ورافقنا الأذى النفسي لفترة غير وجيزة، ولن انسى بكاء زميلي وصديقي المقرب محمد الذي حصل لاحقًا على المركز الأول في الامتحانات العامة للمدرسة قائلاً: إنها فضيحة!

قد لا يبدو الأمر سيئاً جداً للوهلة الأولى إلى أن نعلم أن لا قانون يمنع ذلك المعلم القروي المتخلف من ضربنا وإهانتنا، بل تجاوز القانون العراقي ذلك واعتبر ما يقوم به المعلمين وغيرهم من أفعال لها تأثيرها النفسي الكافي لتشتيت انتباه ألأطفال وتدمير إبداعهم “تأديبا”

وشرعنه واعتبره مما لا يوجب عقوبة لفاعله تحت غطاء المادة 41/1 لقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الذي ينص على “لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالًا للحق في حال تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعًا أو قانونًا أو عرفاً”

ما هي حدود القانون العراقي في العقاب؟

لنقف عند الحدود التي وضعها القانون العراقي لل “تأديب” فقال “في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا او عرفا”, أي أنه ترك ألمجال مفتوحاً فلم يقل بشرط أن لا يسبب أذىً جسدياً أو معنوياً فيغلق باب ألعنف في وجه ذلك ألاستاذ القروي وغيره, بل ترك له الاختيار وشرعن افعاله و وقلل من شأنها.

يتجاوز القانون شرعنة الاعتداء على الأطفال القاصرين فينتهك قوانين الإنسانية انتهاكاً صارخاً ويعتبر اعتداء الزوج على زوجته مما لا يوجب العقوبة وبالطبع كما الاعتداء على الأطفال فلا حدود إلا ما هو مقرر شرعا او قانونا او عرفًا.

ما هو موقف القانون العراقي من العنف الأسري؟

قد أخجل من أخباركم أن من المتعارف عليه وغير المثير حتى للجدل في أعرافنا ضرب الزوج لزوجته أو الأب لأبنته أو الأخ لأخته، وقد نص الدستور العراقي على المساواة بين العراقيين بغض النظر عن الجنس في المواد 14 و 29/4 و 30/1 من الدستور العراقي.

وقد طعن رئيس مجلس النواب العراقي بشرعية هذا القانون(41/1) في سنة 2019 مدعيًا أنه مخالف للدستور العراقي فردت المحكمة الاتحادية العراقية الدعوى المرفوعة مدعية أن القانون لا يبيح العنف الأسري أو العنف ضد القاصرين أو الطلبة، في حين كان على المحكمة الاتحادية غلق الباب في وجه المتعصبين وإبطال كل حججهم القانونية.

وقد أعلن رئيس الجمهورية برهم صالح في 15 سبتمبر 2019 الانتهاء من مشروع قانون مناهضة العنف الأسري الذي يعتبر العنف الاسري جريمة يحاسب عليها القانون وبالتالي فهو يلغي كل التشريعات التي تبيح العنف الأسري إلا انه وحتى تاريخ 15 مارس 2020 لم يلقى تصويت البرلمان العراقي ربما لانشغاله بأزمة تشكيل الحكومة، وكان من الأجدر بالبرلمان التصويت على القانون فور أرساله من قبل رئيس الجمهورية لو كان فعلاً مهتماً بمناهضة العنف الأسري.

يجب علينا نشر الوعي المجتمعي ضد العنف بكافة أنواعه

قد لا يردع الغاء المادة 41/1 من قانون العقوبات وتشريع قوانين مناهضة للعنف بأشكاله المتعصبين وممارسي العنف الأسري في ضل إصرار شعبي للتمسك بالعادات والتقاليد التي عفا عليها الزمن، فقد اظهر مسح مشترك أجرته الحكومة العراقية واليونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) في عام 2017 أن 37 في المائة من النساء بين ال15 وال49 من العمر يعتبرن العنف ضد المرأة امراً مقبولاً.

ما يدعو إلى أهمية نشر الوعي في الأوساط الشعبية بخصوص العنف الأسري بقدر أهمية إقرار قوانين وعقوبات لمرتكبي العنف الأسري وهنا قد يحق لنا انتقاد دور اليونيسف و صندوق الأمم المتحدة للسكان إذ لم نلمس أي إنجازات لهم على أرض الواقع في نشر الوعي الشعبي بخصوص العنف الأسري.

فيديو مقال شرعنة العنف في بلاد حمورابي

أضف تعليقك هنا