فقاعة التحرر على مواقع التواصل الاجتماعي

بقلم: سامية بن يحي

أضحت اليوم شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي مكانا محفِّزًا للقيام بكل شيء، وقول ما نريد كانعكاس مبالغ فيه يعكس صورة لمجتمعات تدعي الشفافية، والحرية  على هذه المنصات طالما أنها حرمت من الحرية في أرض الواقع، فالرد على أي شيء، وكل شيء أصبح بمتناول الكل، ويمكننا القيام بذلك من أي مكان، وفي أي وقت في ظل هذا التطور السريع والفراغ الروحي، والفكري الذي تعاني منه شريحة واسعة من المجتمع، وتزايد الإحساس بالانتقام، والثورة  على الظروف التي تحيط بواقعنا وعالمنا.

فقد تسارع نمو وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير خاصة مع ظهور العديد من قنوات التواصل الاجتماعي، حيث مكنت مواقع التعليقات عبر الإنترنت مثل Yelp ومواقع المراجعة الأفراد من ترك مراجعات تسمح لآلاف الأفراد بقراءة تعليقاتهم، كما توجد العديد من مواقع التواصل الاجتماعي تمنح حق السماح للمستخدمين بمشاركة المعلومات، ومن هنا غالبًا ما يحدث هذا التقاسم دون التفكير في حقيقة المعلومات، أو بدون إشراف تنظيمي، بالإضافة إلى ذلك  سمحت الملفات الشخصية، والمواقع المجهولة للأفراد بنشر ما يعتقدونه حقًا على الفور، لذا أصبح  من الصعب التحكم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون أن تكون هدفا لردود الفعل الضارة كالسخرية، والشتائم والتهديدات، و السخرية، والإهانات العنصرية، والجنسانية، بل من الصعب على نحو متزايد التنقل في الشبكات الاجتماعية دون التعرض لرصاصة الكترونية طائشة أطلقتها حروب التويتر، أو الفايسبوك.

ومما لا يدع مجالا للشك أن هذه الظاهرة النرجسية الخطيرة ازدادت بالفعل بل تفاقمت إلى حد المبالغة في القذف، والشتم، و حشد العواطف لمزيد من العنف، والتعصب ناهيك أن هذه الشبكات الاجتماعية  تمثل لدى الكثيرين حقيقة  الحرية “عالم دون حدود يتساوى فيه الكل” إنها فقاعة التحرر المزعومة على مواقع التواصل الاجتماعي، فهل نحن أحرار فعلا في القرن الواحد والعشرون؟ وإن كنا كذلك، فما مدى خطوط العرض، وحدود وسائل التواصل الاجتماعي  في ترجمة مثل هذه الحرية؟

الأسباب والخلفيات

المفروض أن الغرض من وسائل التواصل الاجتماعي تسهيل سرعة التواصل مع العائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى تبادل الخبرات، وإعلام الآخرين بآرائنا، ومعتقداتنا، قد تجسد هذه الآراء، والمعتقدات الأحداث العالمية، أو الشؤون المحلية أو السياسة، أو الدينية، أو تعبر عن المصالح، والانتماءات، والمنظمات، ومختلف المنتجات، والأشخاص ومجموعة متنوعة من الموضوعات الأخرى، وليس منصات للقذف والتشهير، تطال كل الشرائح في المجتمع، والوقوف على الأسباب يحتاج إلى تحليل تشخيصي دقيق من عدة  علوم على رأسها علم النفس، وعلم الاجتماع، لفهم دوافع هذا السلوك، لذا تتعدد أسباب التشهير على مواقع التواصل الاجتماعي من اجتماعية إلى تربوية إلى نفسية تترجم عقدا نفسية تعاني منها هذه الشريحة، وأسباب تتعلق بالتنشئة الأسرية، والجهل، وقلة التعليم -غياب التوعية- أضف إلى ذلك اختلاف القوانين التي تجرم مثل هذه الأفعال من بلد إلى بلد لينتهي الأمر ببعض مستخدمي الإنترنت إلى الاختباء خلف أسماء مستعارة لإهانة الآخرين، والتشهير بهم بحجة حرية التعبير، لذا غالبًا ما تكون وسائل التواصل الاجتماعي سيفًا ذو حدين.

فالتشهير ليس مجرد لعبة، ولكن يفهم بشكل عام على أنه كلما زاد عدد القراء في المنشور المسيء، زادت احتمالية تلف سمعة المشهر به، وبالتالي  يزيد الضرر أكثر، وتنشأ مطالبات إضافية، إذا تم إعادة نشر رسالة التشهير في مكان آخر، وعلى العكس من ذلك، إذا كان مستوى القراء منخفضًا، فقد تفشل المطالبة بالتشهير ما لم يكن بالإمكان إثباتها على دليل على أن النشر تسبب، أو يحتمل أن يتسبب في ضرر سمعي خطير، ومن هنا تنطبق قوانين التشهير العادية على المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك قدرة المدعى عليه على رفع الدفاعات المختلفة على سبيل المثال، الدفاع عن الحقيقة، أو الرأي الصائب، فعندما يشعر الأفراد بأن سمعتهم قد تضررت بسبب تعليق متهور على Facebook أو Twitter أو قنوات التواصل الاجتماعي الأخرى، فقد يفكرون في متابعة دعوى تشهير ضد الطرف المهين من خلال دعوى تشهير قد يتمكنون من خلالها استرداد التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم.

الجوانب القانونية لحرية التعبير

جدير بالذكر أن العديد من الوثائق الدولية تؤكد على أن حرية التعبير حق أساسي، لكن يبقى هذا الحق في حرية التعبير ليس مطلقًا، فوفقًا للقانون الدولي يتم حظر، أو تنظيم أنواع معينة من الكلام مثل الفحش، وعندما تقيد الحكومات الكلام يجب أن تكون هذه القيود متسقة مع التزاماتها، وتعهداتها الدولية، لأنه غالبًا ما يتم الدفاع عن قوانين التشهير على أنها ضرورية لمنع الانتهاكات المزعومة لحرية التعبير، فعلى سبيل المثال ينص الدستور الصيني على تمتع المواطنين بحرية التعبير، وحرية الصحافة، إلا أن هذه الحريات مقيدة بشدة بقوانين ولوائح محددة، ويحظر قانون الأمن السيبراني في الصين استخدام الإنترنت “لتعريض السيادة للخطر، أو قلب النظام الاشتراكي، أو التحريض على الانفصال، أو كسر الوحدة الوطنية، أو الدفاع عن الإرهاب، أو التطرف، أو الدعوة إلى الكراهية العرقية، والتمييز العرقي، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، قد يؤدي أي تعليق يتم نشره (بدون ذكر اسمه، أو عدم الكشف عنه) إلى اتهامات جنائية بالتشهير، وهناك نوعان من جرائم التشهير الرئيسية المنصوص عليها في المادتين 372 و 373 من القانون الاتحادي الإماراتي رقم 3 لعام 1987 (بصيغته المعدلة) (“قانون العقوبات”)، حيث تتناول المادة 372 الدعاية التي تعرض الضحية للكراهية العامة، أو الازدراء، وتتعامل المادة 373 مع اتهام كاذب يخدع الضحية، أو يسيء إليها في نظر الجمهور، وتعد بريطانيا من الدول الموقعة على مختلف الالتزامات الدولية التي تضمن حرية التعبير -المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان “لكل شخص الحق في حرية التعبير  “- وتشكل حرية التعبير أحد الأسس الأساسية لأي مجتمع ديمقراطي كما أنها لا تنطبق فقط على المعلومات، أو الأفكار التي يتم تلقيها بشكل إيجابي أو اعتبارها غير مؤذية، أو على سبيل اللامبالاة، ولكن أيضا على تلك التي تسيء، ويجب أن تستمر بلا شك على المستوى المعتاد، غير منقوصة تمامًا من خلال المادة 127 من قانون الاتصالات 200 في حدود لا تخالف القانون المنظم لهذه الحرية.

ولعل السؤال المطروح من هم المسؤولين المتحكمين في حرية التعبير هل هي الدول أم أطراف أخرى؟

في الوقت الذي تطالب فيه الأصوات بمزيد من الحرية  على شبكة  الإنترنت، فإن عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي،   Facebook و Twitter وغيرها من منصات وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تمثل  محركات الكلام عبر الإنترنت، والوسيلة الأساسية التي نصل من خلالها إلى الأخبار، والمعلومات، بينما يعبر مستخدمو الإنترنت عن أنفسهم على منصات خاصة، ولكن ضمن المجال العام، فإن الحكومات تطالب شركات الإعلام الاجتماعي بشكل متزايد بمراقبة الكلام الذي ينتهك القانون المحلي.

وتعمل الدول على أن يكون لها دور في ضبط، وتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي، ففي أمريكا مثلا عندما اشتكى الرئيس ترامب  على خلفية عمليات بحث Google كانت منحازة ضد الجمهوريين، والمحافظين، إذ يزعم العديد من المحافظين أن Facebook و Google احتكارات تسعى لتقييد الكلام المحافظ، في المقابل اشتكى أيضا الكثيرون من اليسار من أن منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة قد عززت كل من انتخاب ترامب في عام 2016 والعنف في شارلوتسفيل في عام 2017 لذا يطالب الكثيرون من كلا الجانبين أنه ينبغي للحكومة الأمريكية الإشراف على منصات وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق العدالة والتوازن، أو غيرها  من القيم، ومع ذلك، فإن القانون، والثقافة الأمريكية يحدان بقوة من سلطة الحكومة لتنظيم الخطاب على الإنترنت في أي مكان آخر، أما في  مصر كمثال آخر صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قانون يمنح السلطات الحق في مراقبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد  وافق عليه البرلمان في يوليو 2018، يمنح بموجبه وضع الأشخاص الذين لديهم أكثر من 5000 متابع  على وسائل التواصل الاجتماعي تحت الإشراف.

ما هي الحلول والإجراءات الردعية؟

من الناحية القانونية لرفع دعوى تشهير يجب على المدعي إثبات أن التشهير قد أضر به، وأن الضرر كبير قابل للقياس، وموثق تسمح هذه الدعوى باجراء الإزالة، والاعتذار، تقديم توضيح، وتعويض الأضرار، والتعهد بعدم التكرار، لكن المشكلة أن مثل هذه الدعوات قد تستغرق وقتا طويلا، وقد لا يحصل المدعي على تعويض يقابل حجم الضرر، كما أنه في كثير من الأحيان لا يدخل الضرر الذي يسببه شخص ما في تعليق، أو منشور عبر الإنترنت ضمن نطاق التشهير، مع ذلك هناك إجراءات وأدوات أخرى نذكر أهمها.

  • من بين الأدوات في مكافحة إساءة حرية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي الإبلاغ عن التغريدات المسيئة عن طريق زر الإبلاغ عن إساءة عبر منصة  Twitter حيث يوفر تويتر نموذجًا للإبلاغ عن المستخدمين المسيئين، وتفاصيل السلوك، كما يوفر Facebook أيضًا إرشادات للإبلاغ عن الانتهاكات، مثل إخفاء العنصر المسيء، أو حظره.
  • العمل على إنشاء منصات نشر كتابية، وصوتية خاصة بالفرد  في وسائل التواصل لتقليل الضرر الذي يمكن أن تسببه التعليقات، والمشاركات السلبية.
  • حجب الصفحات، والشخصيات الوهمية، ومتابعة المواقع الجدية، والحقيقية.
  • التوعية والتحسيس المستمرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومختلف الأماكن، والمنصات التعليمية.
  • سن قوانين وطنية رادعة.
  • ضبط، ومراقبة المواقع الأكثر استخداما بالمقابل مراقبة، ومتابعة المواقع المشبوهة، والتي تحث على التعصب التشهير.

بقلم: سامية بن يحي

أضف تعليقك هنا