فيروس كورونا: أنطولوجيا الرعب وعولمةُ الموت

بقلم: د. سمير الزغبي/ جامعة منوبة

ممّا لا ريْبَ فيه أنّ تاريخ البشر، بقدر ما حفل بإنجازات السيطرة على الطبيعة وتحقيق حلم الفيلسوف ديكارت” الإنسان سيّدا و مالكا للطبيعة “. بقدر ما شهد هذا التاريخ مأسويات متعدّدة و متكرّرة من الحروب الهدّامة و الأوبئة الفتاّكة.إن الموقف ضمن هذه المقاربة لا يتعلّق بالتوصيف أو استكشاف هذا التاريخ من جديد، و إنّ ما يدفعا للتفكير هو ما يحدث اليوم و منذ مدة و تقريبا بشكل كوكبي/ عالمي.

لقد جمع فيروس كورونا العالم أكثر من أيّ وقت مضى

لقد جمع فيروس كورونا العالم أكثر من أيّ وقت مضى. فالرعب كوني والموت معولَم. هذا الفيروس انطلق من أعظم دولة يشهد العالم بإنجازاتها العلميّة والتكنولوجيّة. إنّها الصين الشعبيّة الني أنجزت أعظم ثورة في التاريخ بزعامة ماوتسي تونغ. فتحوّلت من مجتاح إقطاعي فلاحي  إلى مجتمع  صناعي /تكنولوجي. لكنّها في هذه المرّة تصاب بوباء كّلفها عددا هامّا من الأرواح، ومراجعات كبيرة في مستوى الإستراتيجيات  و السياسات التي ترسمها الدولة والقرارات التي يتّخذها الحزب الشيوعي.

إنهارت روما العظيمة عاصمة الفاتيكان بفعل فيروس كورونا

“إنهارت” روما العظيمة  عاصمة الفاتيكان  بفعل فيروس كرونا. و أصبحت ترزح تحت وطأة شبح الموت المنتشر في كلّ مكان. مسارح روما العظيمة أصبحت تإنّ حزنا على الفقدان. يخيّم الصمت في كل مكان و لاصوت إلاّ أنين المرضى و سكرات الاحتضار.   عاصمة الفاتيكان تنزف  و شرفاء العالم من حولها يتألّمون. تواجه روما حربا لا أسلحة و لا جنود فيها ،عدوّ يلتهم الأجساد بدون هوادة ، و لا أسلحة تردعه.لماذا “أوهان” ثم “روما الفاتيكان”. هل هو قدر موحّد؟ ميتافيزيقا الموت أم هو  النسيان؟

فيروس كورونا ليس مجرّد وباء أصاب البشر

فيروس كورونا ليس مجرّد وباء أصاب البشر، إنما هو ظاهرة وحدث تاريخي سيدفع بالفكر إلى العديد من المراجعات، وبالخصوص مراجعات في مستوى مفهوم الدولة و مهامها وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية و العسكريّة. ومراجعة المشروع الاقتصادي الليبرالي برمّته.

يدفع هذا الفيروس لاستعادة مفهوم الإنسان كمركز و كيان لا بدّ من المحافظة عليه.و إلى إعادة الاعتبار لمسألة العناية بالجسد و المنظومات الصحيّة و إعادة إحياء فكرة إيتيقا البيئة.  لا بدّ من التخلّي عن أطروحة الاقتصاد الرأسمالي التي تجعل من الإنسان مجرّد فرد أو هو بالأحرى رقم ضمن معاملات الإنتاج والاستهلاك.

انتشر الرعب بين الكائنات البشريّة و أصبح أمرا أنطولوجيا

انتشر الرعب بين الكائنات البشريّة و أصبح أمرا أنطولوجيا. و توقّف الفعل الإنساني بشكل أنطولوجي لأوّل مرّة في التاريخ لتتحوّل إلى أكبر المدن والعواصم إلى أشباح.  إنكمش العالم الفعلي ليفسح المجال للعالم الافتراضي. تحويل نمط الديمغرافيا، تهافت فكرة الهجرة إلى أفضل العوالم. و ضياع المواطن العربي ضمن بحثه عن مستقر يطيب فيه العيش. لا مستقبل لنا إلاّ في أوطاننا  و لا مستقبل لوطن إلا بأبنائه. فكرة الهروب هي فكرة من أصلها مغتربة، لأنّ الوطن عجز عن إحتواء مواطنيه.تغيّر كل شيء في الحياة، و تغيّر الموت، دفائن بلا جنائز و لا طقوس، و زفاف بلا مدعويين. تلك هي الموازين الجديدة التي فرضها فيروس الكورونا.

خلخل فيروس كورونا شلّ حركة الطيران وغيّر حركة الهجرة

خلخل فيروس كورونا أكبر بورصات  و شلّ حركة الطيران. حركة الهجرة أصبحت في الإتّجاه المعاكس، و انهيار منظومات السياحة  و العودة إلى مفهوم الإقليم و مراحعة مفهوم ” الإنسان العالمي” و” إيتيقا التواصل” لتنتعش   “ايتيقا المسؤلية”ودفع العلماء في الدول العظمى للتسابق حول إيجاد الدواء الناجع.

بقلم: د. سمير الزغبي/ جامعة منوبة

 

أضف تعليقك هنا