كورونا وحساب الأولويات

نواجه اليوم مرضاً فيروسيا استعصى على السيطرة في كل أنحاء العالم، ورغم التقدم العلمي والرعاية الصحية الملموسة إلا أنه جال العالم بلا جواز سفر واخترق الحدود بلا اعتبار لأي حاجز أو معبر، ولا زال طليقا بلا علاج أو دواء شافي بل ولا تطعيم يقي من الإصابة وبالرغم من الرعب الذي يملأ العالم شعوبا وحكومات إلا أننا واجهنا قبله الكثير ولا زالت البشرية صامدة؛ اجتاحت الكوليرا عالمنا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين حاصدة ملايين البشر بدأت من الهند وانتشرت في كافة أرجاء العالم دون أن نستطيع السيطرة عليها حتى الآن، وهاجم الجدري القارة الأمريكية وانتصر على أكثر من 20 مليون إنسان، وأهلكت الانفلونزا الاسبانية 50 مليون إنسان، أما ملك الأوبئة المبجل فقد قتل نصف سكان العالم ومنهم من كبار الصحابة والتابعين في عمواس.

سبب شهرة مرض كورونا

لم يكن لهذا المرض أن يحصل على هذا الاهتمام والشهرة لولا أربعة ونصف مليار إنسان يستعملون الانترنت، ووسائل الإعلام التي عرّت المرض وفضحت سوءته، فهو سريع الانتقال عبر رذاذ الأنف المتطاير بالهواء أو السطوح التي يتربص بنا عليها ما يزيد على بضع ساعات، ومن الدناءة بأن يستهدف كبار السن وضعاف الأجسام ثم أصحاب الأمراض المزمنة، وبالرغم من تمرده على الدواء وتمنعه عن الانحسار إلا أن الحرب مستمرة ودول العالم رصدت كافة إمكانياتها العلمية والإعلامية واللوجستية في محاربته، وتدخلت الجيوش والشرطة والمؤسسات الرسمية والخاصة حتى يتم السيطرة عليه، واتحدت معظم شعوب العالم مع بعضها البعض للدفاع عن الجنس البشري في سابقة لا نعلم لها شبيه، فتم إغلاق الحدود ووقف المعابر ونشر التوعية عبر المنصات العالمية ووضع عداد يجمع العالم أجمع في إحصائية واحدة وكأنه قرية صغيرة.

يقف العالم اليوم مكبلا أمام خطر يهدد أكثر من 2%

يقف العالم اليوم مكبلا أمام خطر يهدد أكثر من 2% ممن يصاب بمرض ينتشر انتشار النار بالهشيم ، والمصيبة أنه يهدد المسنين وأصحاب سوابق المرض، ولعل اختلاف نسبة المسنين بين دول العالم سيرفع نسبة الوفيات في الدول التي يزيد فيها نسبة كبار السن مثل أوروبا، والخسارة في هذه الحالة أكثر من أن نحتملها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، فهم الأعز على قلوبنا صغارا وكبارا، ولهم من التجربة والحكمة ما يؤثرون به على مجريات الأمور ويحولون مسار المستقبل، ونظرة إلى أعمار القادة السياسيين والعسكريين في العالم بالشرق والغرب توضح الفكرة، وهذا لا يعني أنه لا يستدرج الشباب ولا ينتصر عليهم، فالنار لا تترك إلا العصا المنعزلة والبعيدة عن اللهب، ولا تنطفئ إلا إذا وجدت حكيما يحسن محاصرتها وكتم الهواء عنها.

ضاقت الأرض على البشر بما رحبت

ضاقت الأرض على البشر بما رحبت وأصبحنا لأول مرة نواجه خطرا مشتركاً يهدد إنسانيتنا قبل وجودنا، فقد أصبحنا لا نملك بذخ الأنانية وحب الذات، فالمرض لا يعترف بحدودٍ سياسية ولا أيديولوجية أو قومية أو حتى عرقية، ويهاجم دون رحمة ولكنه لن ينتصر إلا إذا أذعنّا لرغبتنا بالنجاة دون الناس، وتركنا البعض يموت ونحن نقرأ عدّاد المصابين والمتوفين ولم نتحرك ساكنا، أو نتجاهل الخطر خوفا من التبعات الاقتصادية على دولنا، واستهانة الحكومات بحياة شعوبها وصحتهم أو احتمالية ظهور عجز الأنظمة أمام الكارثة وعدم أهليتهم للاستمرار في الحكم.

وهي في رأيي جريمة حرب أشد من جرائم بشار الأسد ضد شعبه، فعلى الحكومة التي تعجز عن مواجهة المرض أن تعلن ذلك رسميا، وأن تعلن تلك الدولة كمنطقة كوارث أو منطقة موبوءة، ومن ثم تتشكل هيئة دولية لتنظيم المساعدات الطبية والغذائية لهذه الدولة.

أليس هذا هو الوقت لإنقاذ العالم من الوباء!

أليس هذا هو الوقت الذي تتخلى فيه جميع الحكومات ومؤسسات البحث العلمي عن أبحاثها العسكرية والمدنية في سبيل إنقاذ العالم من الوباء، ألا يجب أن يقف تمويل كافة المشاريع الفضائية والأسلحة النووية والبيولوجية وحتى الخدماتية وتحويلها لدعم إنشاء هيئة دولية تتبع للأمم المتحدة تعنى بمحاربة هذا الوباء في كافة أنحاء العالم وعلى كافة المستويات،

ألا يجب أن تنعقد جامعة الدول العربية ولو عبر وسائل التواصل الاجتماعي للخروج بقرار عربي موحد يوحد الجهد ويوجه الدعم نحو الدول الفقيرة والمعدمة، ألا يحق لنا أن نسأل ما هو دور منظمة العمل الإسلامي في دعم البحث العلمي وتعزيز صمود أعضائها، أين نجد الاتحاد الإفريقي في رصد العدد الحقيقي للإصابات وتنظيم الجهود لمواجهة المرض والتغلب عليه.

لابد أن نتغلب على هذا المرض وتنقضي أيامه العصيبة

لابد أن نتغلب على هذا المرض وتنقضي أيامه العصيبة، وستشرق شمس الحقيقة حول من تسبب في ظهور المرض وانتشاره، وسيثبت صحة أو خطأ النظريات التي ظهرت حوله، سنعلم إن كان سلاحا بيولوجيا صنعته أمريكا أو طورته الصين أو هو نتيجة تسرب لغاز السارين إثر اختبار في أفغانستان، وسيظهر إن كان تطورا طبيعياً للسارس والفيروسات الحيوانية،

وسينجلي للعالم من ساهم بإهماله بنشر المرض أو تهاون في مكافحته حتى زادت نسبة الإصابة وتوفي منه الكثير من الناس، وعليه وجب على نقابات المحامين والمؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني جمع الأدلة لتقديمها أمام المحاكم الدولية لإدانة المجرمين كمجرمي حرب وتعريتهم أمام البشرية والأجيال القادمة.

فيديو مقال كورونا وحساب الأولويات

 

 

 

أضف تعليقك هنا