لمحة إبستيمولوجي

إننا نمضي في حيّاتنا اليومية، و نحن نكادُ لا نفهم شيئاً عن العالم، فنحن لا نفكر في آليات النظام الذي يولد ضوء الشمس الذي يجعل الحياة ممكنة  أو في ” الجاذبية ” التي تُلصقنا بالأرض، و التي لولا ذلك كانت ستُرسلنا لندور مُلتفين في الفضاء.

يوجد الكثير من التساؤلات التي يجب أن يطرحها الإنسان 

إن عدداً قليلاً منا هم الذين ينفقون وقتاً كثيراً في التساؤل عن السبب في أن الطبيعة هي ماهي عليه، و من أين أتى الكون؟ أو هل كان دائماً هنا؟ كذلك  هل ثمة حدود قصوى لما يستطيع البشر أن يعرفوه ؟ إن أصعب سؤالٍ يمكن للعالم أن يُسأل عنهُ من قبل الأطفال هو: لماذا نتذكر الماضي و ليس المستقبل ؟ و إذا كانت هناك فوضى في أول الأمر ، فكيف نجد الآن كوناً يُعرفه ” نيوتن ” بأنه بمثابة الساعة الميكانيكية العملاقة، حيث نجد فيه النتيجة ترتبط دائماً بالسبب.

إن كل هذه المسائل العويصة مازال الأباء و المدرسون في مجتمعنا متعودين على الإجابة عنها بهزة كتف، و بإستدعاء مفاهيم مُطلقة و غامضة تقترب للخيال أكثر فأكثر ، لهذا دعونا نُخلص الفهم البشري من القصور و نُلقي نظرة جدية عن مختلف العلوم التي ترعرعت داخل كوننا هذا ، فلئن كان الإنسان منذ القدم نرجسي إلى أبعد حدود، فأنه أراد تقصي ذلك الحدود الذي يرسم لنا أسوار العظمة و يكشف للكل أسوار الفجوة التي أصبحنا نتحدث عنها اليوم من خلال ما يعرف بالتقسيم القهري بين جنة الغرب و جحيم الشرق.

لقد تمكن الإنسان الغربي من الدخول في صراعات عميقة و مسائل أقل ما يقال عنها بأنها عويصة، فهو منذ القدم أراد تقصي أسرار الحياة في الأرض و كذلك في السماء عن قرب، و أراد معرفة السبب وراء غموض الطبيعة و بياضها ثم سوادها في اليوم نفسه.

لنتساءل من الذي نسج لنا كوناً مثل هذا؟

إن أول سؤال يطرحه الإنسان العاقل على نفسه هو : من الذي نسج لنا كوناً مثل هذا؟ كون يحمل في جوهره إتقان مبدع و دقة لا تُخطئ ، هذا السؤال سيترعرع ليكبر على يد كبار العلماء الذين تساءلوا عن أسئلة أروع و أصعب  ، و تكاد تقترب إلى الخيال: من أين تأتي الحياة؟ هل من عدم ؟ و نحن نعلم في العلم بأنه لا يوجد شئ يأتي من لا شئ ،  ما مصدر هيجان الشمس بأشعتها؟ هل تلك هي الطاقة؟ و إذا كانت طاقة فمتى تنتهي مادتها  ؟ .

كذلك و نحن نكمل الطريق نحو تقصي الحدود، سنجد أنفسنا في متاهة ضيقة، متاهة لا يمكن الخروج منها إلا بالذهاب إلى الفلسفة و الإرتماء في أحضان مسائلها التي دائماً ما يقال بأنها ستخرجنا من حال الحيرة التي تقبع في عقولنا ، فإذا ما أردنا أن نتعرف على ” النفس ” و مشاكلها، عن الروح و محتواها سندخل في أفق ” الميتافزيقا “.

لدينا الكثير من التساؤلات حول الطبيعة

و إذا أردنا أن نغوص في صراعٍ مع الطبيعة و أسرارها كالطقس و الضوء و الألوان، الليل  و النهار  ، الزمان و المكان، فإننا سنجد ” علم الفيزياء ” أمامنا ، و إلى هذه اللحظة لن نقف هنا، سنكمل هذه الرحلة التي تبدو شيقة ، و نتساءل عن الحياة في السماء ، حياة الكواكب و النجوم، المريخ و زحل ، المشتري و الزهرة ، دون أن ننسى ” نبتون ” و الأرض.

و بهذا يرحب بنا ” علم الفلك ” و كل علماءه لنلاحظ معهم جمال القمر و كبر المُذنبات بواسطة التلسكوب الذي إخترعه لنا” غاليلي ” و طوره سنة 1609 , أيضاً عندنا نُريد أن نحدق في أنفسنا لنكتشف أعضاءنا و كل الذي منّا فإننا نفتح باب ” علم البيولوجيا ” بخفاياه و كل إلغازاته، علماً بأن نفسيتنا الآن متعبة تريد الراحة التي سيوفرها لنا ” علم النفس التحليلي ” فنحن عندما نتأكد من روعة الفلسفة فإننا سنحييها و ننحني إحتراماً لها من باب أخلاقنا الذي يتحدث عنها ” الإيتيقا ” دون أن ننسى ” علم الإستيطيقا ” المهتم بالإحساس و الجمال من أجل الكمال .

الفلسفة هي حقاً أمٌ للعلوم

تأكدنا الآن بأن الفلسفة هي حقاً أمٌ للعلوم، فهي التي من خلالها تتضح لنا الرؤية و ينقشع من أمامنا الضباب الذي كان في بداية طريقنا ، لكن لم نتعرف عن الأبطال و العلماء أي أذكياء البشرية المكونين لحلقاتها، لذلك وجب علينا معرفتهم و معرفة أفكارهم التي دون أدنى شك غيرت من نظرتنا لهذا العالم

  • علم الفلك :

    • عندما نتحدث عن هذا العلم، فإن أول الأسماء التي تأتي ببالنّأ ، هو العالم البولوني ” نيكولاس كوبرنيكوس ” و فكرته العظيمة _ الشمس مركز النظام و الأرض مجرد كوكب مثل الكواكب الأخرى _ ليتخطى هنا خطأ ” بطليموس ” ( أعظم فلكي يوناني ) العلمي، حيث أكد مع ” أرسطو ” بأن الأرض هي محور الكون، و قد كانت أفكار كوبرنيك ثورة في علم الفلك الحديث، بالإضافة إلى هذا العالم نجد أسماء أخرى تكون هذا العلم مثل : ” فلامستيد ، تيكو براهي ، روبرت هوك ، و الفلكي العربي ” إبن شاطر ” الذي تؤكد الأبحاث المعاصرة بأنه كان سباق في معرفة فكرة مركزية الشمس.
  • علم الفيزياء

    • ونحن نطصفحَ صفحات تاريخ هذا العلم ، نجد إسمٍ يكاد يشتعل من شدة نوره و نحن ننظر لهُ من بعيد ، إنه من دون أدنى شك البريطاني ” إسحاق نيوتن ” مُكتشف الجاذبية الكونية، التي تمتد من التفاحة إلى القمر ، هذا العالم الذي وصفة ” هالي ” بأنهُ يدنو من الألهة، و قال عنه أيضاً “ألكسندر بوب “شاعر بريطانيا الكبير _ هذا الكلام _ :” لقد كانت الطبيعة و قوانينها غارقة في الظلام، فقال الله فليكن نيوتن وأصبح كل شئ نوراً “.
    • طبعاً لا يمكن مقاومة جمال هذه الكلمات إلا في حالة واحدة ، عندما يأتي إسم كإسم ” ألبرت أينشتاين ” صاحب النظرية النسبية: الخاصة و العامة ، الذي ساعدنا في فهم أكثر المسائل الكونية صعوبة ، و مكتب براءات الإختراع ببرن في سويسرا يشهد للكل على ذلك ، و في هذا العلم ، نجد أيضاً” ماكس بلانك ” ، ” فرنر هايزنبرغ ” ، ” نيلز بور ” ، ” أروين شرودينغر ” ، ” ماكس بورن ” و كل رواد نظرية الكم التي رحبنا معها بأفكار جديدة ، و إختراعات جديدة ، كالتلفاز، الجيبياس GPS الأقمار الإصطناعية و غيرها من وسائل مثلت للإنسان مصدر للرفاهية ، بالأضافة إلى أسماء أخرى كاللورد كيلفن ، فارادي، جيمس كلارك ماكسويل و القائمة لا تحصى و لا تُعد و لا تقف عند إسم ” ستيفن هوكينغ ” .
  • علم الفيزياء الفلكية :

    •  العالم الإيطالي ” غاليليو غاليلي ” مخترع التلسكوب سنة 1609 ، و صاحب أول الأفكار حول حركة الأجسام ، التي كان يسقطها من برج ” بيزا ” المائل في إيطاليا ، بالإضافة إلى ” إدوين هابل ” مُكتشف المقراب الذي يقرب لنا الأحداث في السماء ، و علم الفيزياء الفلكية يحتوي أيضاً على أسماء كل من ” هالي ” و ” السير أرثر أدينغتون ” ” جون بيكوك ” و غيرهم من الأسماء .
  • الرياضيات :

    • إذا أخبرنا غاليلي و أكد بأن هذا العلم هو الذي كُتبت به الطبيعة، فإننا يجب أن ندقق النظر عن قرب في علماءه و نظرياتهم المهمة.
      ” فيتاغوراس ساموس ” صاحب العديد من الأفكار الجيدة في الهندسة ، ” إقليدس ” و كتابه ” العناصر ” ، ” فيلهم لايبنيتز ” الألماني الذي بدء حياته كمحامي في مدينة برلين ، لكنه لم يدافع عن موكليه، بل دافع عن علم ” التفاضل و التكامل ” و أكد بأنه هو الذي إخترعه و ليس نيوتن ، و أخيراً ” برتراند راسل ” صاحب ثورة الرياضيات في بريطانيا .
  • علم البيولوجيا :

    • نجد هنا كتاب ” داروين ” الذي عنون ” أصل الأنواع ” الذي أثار جدلاً واسعاً في الساحة العلمية ، طالما أن الإنسان مع أفكار هذا الكتاب تزعزع من المرتبة الجليلة التي كان فيها ، و أصبح من فصيلة القردة ، و نعني هنا يالقرود الرئيسية التي نجدها في أرجاء الأمازون ، أيضاً لا ننسى إسهامات ” كلود برنارد ” في هذا المجال و الذي أكد بأن التجربة هي التي تخلصنا من عديد الأوهام التي تقبع في قاع الفكر البشري ، فكلود برنارد في كتابه ” مدخل لدراسة الطب التجريبي ” يستنتج من خلال التجارب التي قام بها على الأرانب و الخيول بأن هذه الحيوانات عندما تُمسك ( تصوم ) عن الطعام فإنها تنتج حموضة مفاجئة و تزيد في مادة ” الأوريا ” .
    • بالإضافة إلى كل هذه الإنجازات مثلت الثورة النفسية لفرويد منعرش خطير لكل تلك الأراء العلمية و الفلسفية التي تُعطي صفة الكمال للكائن البشري، فبعد أن علمنا بأن الإنسان يمتلك الوعي و الذي به يبتعد في المرتبة عن كل ماهو حيواني، هاهو ” سيغموند فرويد ” يضرب فكرنا بكل ما لديه من قوة ليخبرنا أن الإنسان واعي و يتداخل في سلوكه اللاوعي، و من بين الأشياء الدالة على ذلك : أحلامنا، هفوات القلم و زلات اللسان، فكلها تعبر عن الجانب اللاواعي فينا، و في هذا العلم ( علم النفس ) نجد أيضاً كل من ” وليام فونت ” ” وليام جيمس ” و الدنماركي ” كياركغارد ” .
  • علم الإجتماع :

    • _ كان علم العمران الذي أتى به ” إبن خلدون ” من خلال مقدمته التي كان لها أثر كبير في كل المجتمعات تقريباً ، و قد طُور هذا العلم على يد ” أوغست كونت ” ” أميل دور كايم ” و ” جون بياجي ” ، و القائمة تطول ، حيث أصبح الإنسان من خلال أفكار السوسيولوجيين قادر على العيش مع الأخر تحت سقفٍ واحد يسمى المجتمع .

_ هكذا هو العلم عبارة عن ثورة نُهلل بأفكارها، التي تمثل للبعض إنتصاراً عضيماً ، في حين أنها تكون للبعض الأخر إنكساراً مميتاً لا يمكن الخروج منه إلا بالتأكد بأن العلم مثل الطفل الصغير الذي لا ينضج أبداً ، و هنا كان على حق ” هيدغر ” عندما أكد بأن ” العلم لا يفكر بذاته ” طبعاً لا يفكر بذاته ، فنحن الذين نفكر فيه و نحن الذي إخترنا أن ننحى منحى الإبستيمولوجيين الذين مازالوا يبحثون عن تلك النظرية التي تجيب عن كل الأسئلة ، التي سألها الأطفال في أول رحلتنا عن تقصي أسرار الكون .

فيديو مقال لمحة إبستيمولوجي

 

 

 

أضف تعليقك هنا