نحو العالم الآخر أو عالم آخر

بقلم: فاروق بن عبود

خطب عظيم زلزل كيان المجتمع البشري في الآونة الأخيرة، وباء غامض وفتاك، اصطلح على تسميته علميا  ب”  covid19″..

العديد من الروايات والقصص والخرافات، حيكت ونسجت حول ظروف نشأته، وأيا كانت أسباب ظهوره فليست هي محل حديثي هنا… بكونه فيروسا صنع في  الصين، كما نعته أحد الرؤساء “بالفيروس الصيني” قصد به إلصاق التهمة ببلد المنشأ، أو كما جاء على لسان الزعيم الصيني ردا على التهمة المغرضة: أن الوباء هو عبارة عن غاز سام مسرب من أقوى دولة في العالم، أيا كانت الحقيقة فإن الأمر جلل، والخطب عظيم كما أسلفنا.. فكورونا قد أبهر العالم بأسره، بسرعة انتقاله، وخطورة أفعاله.. وغرابة انتشاره، وكشف عن ضحالة هذا العالم وفرط ضعفه رغم التطور الكبير الذي حازته البشرية في جميع المجالات.

العالم الهش والإنسان الضعيف

شبح مجهري ضئيل ..أرعب الكبير قبل الصغير، والعلماء والمثقفين وعوام الناس، من ووهان كانت الشرارة الاولى، والتسجيل لأولى ضحايا كورونا  عالميا.. سارعت السلطات الصينية حين استفحل المرض في ووهان لمواجهة هذا الوباء بإعلان  النفير العام، ووضع المدينة الموبوءة داخل الحجر الصحي، وعزلها عن مقاطعات البلاد، وكلما تصاعدت حدة الخطر قابله تصعيد كله حزم لا هوادة فيه، أو قل إبداع صيني منقطع النظير لوأد الفيروس.

والشيء بالشيء يذكر… كورونا أربكت العالم، والصين أدهشت الخلائق بفن إدارة الأزمات وتطويق المحن، وقتها استقبل العالم تلك الأخبار بالكثير من السخرية واللغط واللامبالاة والتنكيت.. نعم اللامبالاة خاصة من البلدان التي قدرت أن البعد الجغرافي سيحول بينها وبين وصول الجائحة العالمية إلى أراضيها بله إيذاء مواطنيها!

كان عدم استشعار الخطر الداهم على المستويين الرسمي والشعبي بابا مفتوحا على مصراعيه.. لإطلالة الوباء اللعين وأنا هنا أتحدث عن بلدي الجزائر للأسف الشديد التي لم تسلم هي وشقيقاتها من الدول العربية والمجاورة، من عدوى الوباء الخبيث..واشدد على التاسف لأن الإمكانات لدى بلادنا ليست بمستوى مطمئن على الإطلاق! وهذا أمر مخيف جدا!

مع مرور الزمن  خطر الفيروس المستجد بدأ في التعاظم شيئا فشيئا .. وبدأت وسائل الإعلام تنتبه للخطر القادم من الصين ..الأحداث تتوالى والصورة النمطية تسقط وواقع مغاير يفرض نفسه.. ولا مجال إلا أن تفرد المحطات الإعلامية ووكالات الأنباء  مساحات للأخبار، وأخرى للنقاشات ومواكبة التطورات.

ما لبث هذا المجهول المجهري العاشق للعدوى.. أن يقفز من نقطة لأخرى وكله طموح جامح لزرع أحفاد قتلة له في جميع بقاع الدنيا.. وبالفعل بدأت التصريحات من الشخصيات المسؤولة في الدول التي اقتحم الوباء عافيتها ودخل عنوة إلى أراضيها مقبلا غير مدبر مهاجما كل صنوف البشر.

كورونا في ايران و إيطاليا ..مهلا مهلا إنها في المانيا ثم اسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا والشرق الأوسط، خرج الساسة والزعماء بوجوه متجهمة من فرط التقارير المخيفة التي توضع فوق مكاتبهم تباعا والتي تفيد بأن الوضع متأزم وسيء وكل ساعة يزداد تأزما وسوء..

كورونا 2020 هو من يرسم  للأفراد والجماعات والدول طريقة الحياة الجديدة! ويلجم الكائن المتحرك ويرغمه على السكون فالمقامرة حياة أو موت!

العالم أضحى سجنا كبيرا والحدود الجوية و البرية والبحرية أغلقت فلا تنقلات، ولا مبادلات، ولا سياحة، مدن العالم الكبرى أفرغت شوارعها من نبض الأحياء، وتسكع الرجال والنساء، حتى دور العبادة لم تسلم، وأكبر الأماكن المقدسة التي يحج إليها الناس، فمكة المكرمة..محظورة عن الحجيج المسلمين.. والفاتيكان عن المسيحين.. ودور الأوبرا عن مريدي الفنون.. والملاهي عن أهل اللهو ورواد المجون.

أصبحت الحياة العادية المألوفة شيئا من الماضي ..ولا تذكر إلا في سياق الحنين، والشوق إلى شيء جميل رحل عنا .. الهلع والإحباط والترقب، والألسن لا تغتاب أحدا غير كورونا، فقد وحد طريقة التفكير عند جل البشر، وحجزهم في غرفة واحدة، وأبقى لهم نافذة واحده يطلون منها، إنها نافذة الحجر المنزلي ..

التصريحات المسائية من طرف المسؤولين لا تحمل أسماء ولا مسميات، بل أرقاما ونسبا وتوقعات، نعم فكورونا حول الإنسان هذا المخلوق العجيب إلى مجرد رقم قد يذكر في عداد المصابين أو المشكوك فيهم أو رقما تماثل للشفاء .

عدالة covid 19

كل البشر مهما كانت مستوياتهم مهما كانت مناصبهم رؤساء أو مرؤوسين، أيا كانت ألوانهم أو دياناتهم ..نساء أو رجالا أطفالا او شيوخا ..فهي جائحة تجتاح كل الأجساد ولا تبالي!

انا أهوى الكتابة لذلك ارتأيت الكتابة عن كورونا في زمن كورونا.. فقد دفعني احساس جم وغريب بأن الوضع العالمي سيتغير لا محالة بالكلية في كل الحالات.. وهذا التغيير سيطرأ على الخارطة السياسية والتحالفات الدولية وعلاقة الشعوب بحكوماتها هذا في أحسن التقديرات “بعد إنتصار البشرية على هذا الفناء المترصد بإذن الله”، أما إن كانت الأقدار تحمل أمرا اخر فلا يسعنا إلا أن نسلم ونستسلم فلله الأمر من قبل ومن بعد.

ختاما

وبالنظر إلى تضارب الأنباء من هنا وهناك أعتقد  أنها حرب من نوع آخر كما يسميها البعض”الحرب البيولوجية”، وأنا اميل لهذا التصور لان اعداء الانسانية يستثمرون في كل شيء ولا اعتبار لديهم للجوانب الاخلاقية ومدى تضرر الأخرين فهم  يصنعون الدواء قبل صناعة المرض والدول الكبرى هذا أحد ساحات معاركها وسعيها نحو الزعامة والسيادة !

..نحن ضمن مخطاطاتهم مجرد أرقام وضحايا؛ لذا لا علينا أن نحمل هم ظهور اللقاح فهو موجود على الأرجح، وسيظهر حين تنتهي مهمة الفيروس.

بقلم: فاروق بن عبود

 

أضف تعليقك هنا