نقطة حقيرة

الطائفية وباء قاتل

الطائفية هي أخطر أنواع الفايروسات التي تصيب الإنسان على الإطلاق، وخاصة عندما تكون بين أبناء البلد الواحد, عندما يتحول ساسة البلد إلى طوائف متناحرة، إن اتفقوا جاع الشعب، وإن اختلفوا فالمصير حروب دموية قائمة على أسس مذهبية، وقد يؤدي إلى انفجار لا تحمد عقباه، ولا يسلم من هذا الوباء القاتل إلا القادة، وعندما تنتهي حرب الأخوة يعودوا من جديد ليتقاسمون الغنيمة من دم الشعب.

ليس هناك مسوغات لوجود الطائفية بين البشر

الكرة الأرضية عبارة عن نقطة صغيرة في بحر الكون، والشمس أكبر من الأرض بقرابة مليون وثلاث مئة ألف مرة ، عمر كوكب الأرض حوالي خمسة مليار سنة، مساحة الأرض قرابة خمسمئة وعشر مليون كيلو متر، حسب الدراسات بدأت الحياة على الأرض من أكثر من نصف مليار سنة، يوجد على الأرض سبع محيطات، وسبع قارات، يضم كوكب الأرض 8,7 مليون كائن حي، ويبلغ عدد سكان الأرض قرابة 7,359 مليار نسمة، وهذا العدد بتزايد مستمر.

ويوجد على الأرض 10,000 دين ومعتقد، فيما الأديان السماوية ثلاثة (المسيحي، المسلم، واليهودي) ومن الأديان غير سماوية (الهندوسية، البوذية، السيخية، الزردشتية وغيرها…)، فيما اللادينيين أكبر فئة بعد المسحية والإسلام.
جميع التابعين للأديان، والمعتقدات السماوية، وغير السماوية واللادينية، يعتبر أن دينه هو الصح، ويكفر الأديان الأخرى، والكثير من يعتقد أن الانسان جاء نتيجة عوامل طبيعية، والأطراف الأخرى تعتقد أننا أبناء (آدم وحواء)، وكل دين يدافع عن دينه حسب قناعاته، والصراعات مستمرة منذ ولد أول بشري على وجه الأرض إلى يومنا هذا.

ورغم ضخامة الكرة الأرضية، وما تحمل عليها من بشر، وحجر، وكائنات حية، يقول (امسترنغ) -أول وأشهر رائد فضاء صعد على سطح القمر- “وضعت إصبعي الإبهام أمام الأرض، ورأيت أنه غطى عليها بالكامل”، والكرة الأرضية كرة زرقاء، كنقطة حقيرة بلا لون.. بلا حدود.. بلا قوميات.. بلا جنسيات.. لماذا نتحارب نحن البشر، ونقضي على بعضنا البعض؟

إذا بحثنا عن عدد الأبرياء الذين كانوا ضحية الحروب الطائفية عبر التاريخ، فإن أول صراع ديني تشهده أوروبا الذي امتد لأكثر من مئة عام، وخلف وراءه 11 مليون ضحية هو نموذج من الصراعات الطائفية في العالم، وهذا الصراع حصل من حوالي 500 سنة تقريبا، وكم من الحروب التي حدثت في التاريخ بسبب الطائفية.

الإنسان بطبيعته، أو حتى الحيوان يكون منتميا إلى مجموعة بغض النظر إذا كانت دينية، أو لا دينية، وهذا شيء فطري، وطبيعة الإنسان البشري يخشى الوحدة، ولكن الخطا بإلغاء الآخر، فنحن لم نختر ديننا، ولا مذهبنا، ولا طائفتنا وكل إنسان فينا يتأقلم بالبيئة التي نشأ فيها، أليس من الجنون أن نكره بعضنا البعض، أو نقتل بعضنا بحجة دفاعنا عن الله؟ أليس الله هو الرحمن الرحيم؟ هل هو بحاجة للدفاع عنه؟ نحن لا ذنب لنا إذا أخذنا ديننا، ومعتقداتنا، وطقوسنا بالوراثة، فإذا كان هدفك إرضاء الله، وأنا هدفي إرضاء الله، فما شانك بأي وسيلة أصل إليه، فالطائفية إذا انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية ولكن ليست عرقية، فمن الممكن أن يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف أوطانهم أو لغاتهم.

ولطالما يعيش الناس من مختلف الأديان على مقربة من بعضهم البعض، فبإمكان الطائفية الدينية أن تتواجد بينهم في كثير من الأحيان بأشكال ودرجات مختلفة، في بعض المناطق، تتعايش الطوائف الدينية المختلفة (مثل المسيحيين البروتستانت والكاثوليكيين) بشكل سلمي، بالرغم من ترافق هذه الاختلافات مع العنف والموت والحرب الصريحة في التسعينات، قد يكون المثال الأشهر في الآونة الأخيرة هو النزاع المدعى بـ “المشاكل” (The Troubles).

مخاطر الطائفية

والطائفية ظاهرةٌ مرضية لا شك في ذلك؛ لأنها قد تجاوزت الحدود الصحية للاختلاف الذي يندرج تحت مفهوم التنوع ودخلت في اختلاف التضاد ومحاولة نفي الآخر، فما يجري في العراق، وما يجري في سوريا، وما جرى في إيران، وما جرى في أفغانستان، وما جرى في باكستان، وما جرى في بلدانٍ مختلفة، مما يحمل مبدأ أو فكرة أو سياسة نفي الآخر، وعدم قبوله والقضاء على المغاير أو المفارق طائفياً هذه الأمور كلها جعلت من هذه الظاهرة ظاهرةً مرضية على علماء الأمة ومفكريها وساستها أن يتنبهوا إلى أنها لا سمح الله لو تجاوزت هذه الحدود ربما تؤدي إلى انتهاء مفهوم الأمة والقضاء على جميع الروابط التي تربط بين أجزاء الأمة المسلمة، ويصبح الناس مجرد طوائف يلعن بعضها بعضا، ويرجم بعضها بعضا كما هو الحال في كثيرٍ من البلدان.

لقد أضعفت الرابطة الدينية بشكلٍ كبير منذ تغيير برامج تعليمنا وفقاً لتوجيهات مستعمرينا ومحتلينا منذ القرن الماضي، وضعفت علاقتنا بديننا، وتشوهت صور كثيرٍ من الأمور الدينية؛ مما جعل البعض يتحول عن الدين ليبحث عن الأمن، وعن الخلاص، وعن الحقيقة خارج المصدر الديني، وخارج إطار الدين، يبحث عنها في مجالات مختلفة، هذا الضعف بيننا وبين ديننا في العلاقة الذي ورثناه من أجهزة إعلام، وأجهزة تعليم، فشلت في أن تنظم العلاقة بيننا وبين ديننا بشكلٍ سليم، أدت إلى إضعاف العلاقة بين المسلم وإسلامه.. بين صاحب الدين ودينه.. وبالتالي فلم يعد للدين سلطانٌ على تصرفاته إلا داخل المسجد، أما خارج المسجد فهو يتصرف بطريقةٍ أخرى.

فيديو مقال نقطة حقيرة

 

 

 

أضف تعليقك هنا