El Covid-19 وإعادة الشعور الإنساني

يبدو أن الفيروس التاجي هذا قد جعلنا نعيد التفكير في فروع البيولوجيا والكيمياء وفي دقتها ووضوحها العلمي، وبما اننا أمام آلاف الموتى والمرضى وحالات الهوس والهلع من الآخر.. هل يمكن أن نجعل العلوم التي توجناها على رأس الإنسانية متورطة في دم البشر؟ هل أصبح الآخر جحيما بالنسبة للأنا؟ هل أننا أمام أزمة ثقة؟

إلا أن الكورونا ليس بذلك الخطورة؛ إذ إن هذا الوباء حنون على الأطفال والأمهات وحاد على كبار السنّ… لماذا؟
إن الهلع الدائم من المرض قد يجعلنا أمام خرافات عديدة والهوس بانخراط منظمات عالمية ذات مآرب اقتصادية و سياسية، يبدو أن الحرب البيولوجية هذه تجعلنا أمام عديد من السيناريوهات المحتملة منها أن الكوكب لم يعد يحتمل 7 مليارات على وجهه، أو أن العرق الآري عاد مع صفقة القرن، جميع الروايات محتملة ولأننا لسنا متأكدين من أي منها فنحن في عهدتنا إنقاذ البشرية.

تذييلة: يبدو أن البشرية في غاية الإجرام لتواطئها في بؤرة الدم، وتسببها في تشظي العائلة والمجتمع… هكذا يدون العديد، ويتناسون دورهم كأفراد مجتمع عليهم المساهمة في بناء الشعور الإنساني، وقيم المعاملات، واحترام الآخر.
إن البشر كتلة من المشاعر والحب والرقة والصفاء إذا ما كان لطيفا صغيرا ودودا وحينما تكسوه الهموم يتحول لوحش كاسر لا رادع له، ويقولون من تتوفى أمه كمن فقد الناس جميعا.

1- كوفيد 19 وصيد الفوائد

طالما ربطت الإنسانية بالفلسفة وهذه الاخيرة بقيم التسامح والعرفان والايتيقا بمفهوم أخلاقي، وربط الإنسان بتنظيمه للهياكل الاجتماعية والأديان، وهو الذي شكّل مفهوم الأُمة وربطت الأوبئة بالطب..

•الإنسان والمجهول

يهاب الإنسان المجهول، ذلك الكائن ظالم تلطخ التاريخ بدمه، وأثرت الأوبئة التي اجتاحت مكانه بنسله، ولأنه على رأس السلسلة الغذائية يُعدُ المتضرر الأول بمحتجدات الأوبئة.

كيف للوباء أن يشكل ظاهرة ويجعل الناس يأتلفون؟

إن الإنسان منذ ولوج عصر العلم أصبح سيدا للطبيعة والمالك للوعي والمستفيد من الحراك التاريخي للأمراض وتُعدُ الفيروسات منذ انفصال الفلسفة عن الطب ذراتٍ ميكروفيزيائية تساهم في اختلال توازن الجسم، ويمكن أن تسهم في هلاكه، وقد أحيا العلم قدرته في تجاوز الأزمات الطبية منذ بزوغ فجر العلم الصحيح والدقيق والصارم.

•هل حُبك الكوفيد التاسع عشر داخل غرف سريّة أم أنه لعنة على الإنسانية؟

2- لمحة عن الوباء، الإنسان والثغرة الجينية.

لم عرف الإنسان الوباء منذ الأزل، منه الذي علمناه وآخر لم نُحط به خُبرا، ويبدو أن المسرحيين القدامى وتحديدا اثرا “الإلياذة” ب 270سنة مثّل “سوفوكليس اوديب ملكا” و “تاريخ توسيديدس للحرب البيلوبونيسية” عملين يصيفان حالة الناس بعد الطاعون، ومثل الطاعون في المسرحيتين محور هاما للعمل خاصة ما جسده الممثلون لوعة فراق الأحبة و شدّة المأساة، و يبدو أن الوباء مثل في كامل السيرورة التاريخية مرحلة انتقالية أرخ لها المؤرخون وذكروا مدى شدّتها على البشرية، وإن الوباء صُنف كأعظم جائحة و أكثرها ترجيحا لموت البشر،و عديدون من يصفونها المأساة او النكبة.

نقول ”Épidémie” أو “Maladie” او اكثر اجتياحا “Endémie” أو ”Pandémie” ويمكن كذلك إيرادها بالاغريقية الجديدة “επιδημία” او القديمة “Ἐπιδήμιος” و يقول اللسان الانجليزي “Virus”: عانى البشر من الأوبئة التي فتكت به على مر عصور فواجه آباءنا؛ الأنفلونزا الإسبانية والطاعون الأسود والجدري والكوليرا و اليوم الكورونا، ويبدو أن الإجراءات التي تتخذ للإحاطة بالوباء هي نفسها على عصور:                                -محاولة السيطرة عليه للحد من الانتشار
-إدماج الوعي الانساني و التنمية للوقاية
-محاولات الكشف السريع تعقبه محاولات تطبيب فاشلة
-عزل المصابين إذا لم يكتشف المرض

غالبا ما يمر الوباء ب 7 مراحل هامة نقسمها إلى 3 أقسام:

1- ينتقل البكتيريا بين الحيوانات، وثم يصبح فيروسا، وينتقل هذا الفيروس من الحيوان للإنسان وينشر العدوى بينه
2-انتقال الفيروس بين البشر داخل المجتمع، وثم بين المجتمعات الأخرى و بين المصابين بطريقة عمودية إلى اخرى أفقية.
3- مرحلة يستلزم تدخل الحكومة و الصحة العامة للحد من تفشي المرض و تأتي اخر مرحلة ما بعد الوباء و فيها يتقلص المرض و يقل انتشاره الى ان يختفي بالتمام.

ومن الجلي كذلك ان الجسد البشري حساس للاوبئة خاصة و خاصة ما نجد الانسانية دائما اذا ما اجتاحت جائحة تصيبها تقريبا نفس الأعراض التي تتسبب بنفوقها وهي: الحمى العالية التي تكسي الجسد و تجعل للناس الرغبة في التعري التام، منها كذلك آلام البطن و المعدة؛ مما يتسبب في القيء وبعد اسبوع أو أسبوعين على الأكثر من انتشار الوباء في الجسم يبدأ اكثر الأعضاء حساسية في الجسد بالاختلال منها أصابع الأقدام، وعدم القدرة على السمع وفقدان الشهية، وتصاب الأعضاء التناسلية بعدم القدرة على التحكم في افرازاتها، وبصورة عامة ينفق الناس بعد يفقدوا وتماما قدرتهم على المقاومة و تنهار قوة الكريات البيضاء انهيارا تاما.

•كيف هو الإنسان أمام اللعنة اللامرئية؟

3- أزمة القرن

لقد ولدنا في قرن علقت فيه الخرافة من أقدامها وشُظية الأسطورة، منذ الوعي البشري وولادة الأنا أفكر، لم تعد الأوبئة وجها من وجوه الخرافة بل أضحت عينة ميكروسكوبية توضع في أنابيب، ويعرف العالم منها أسماء آبائها و أجدادها ويستنطقها الطبيب ليعلم أعراضها و يُطببها.. يبدو ان علاقتنا بالفيروسات أصبحت اكثر وضوحا ودقة، لكن ما هو سرُ لتفادي الفيروسات والوقاية من عدم حدوثها؟ ماذا أخبرنا القدامى؟

4- علاقة الفيروسات بال savoir-pratique

إن أول من تفلسفوا أكدوا على عمليات تعلم العيش بغض النظر عن يوتوبيا العيش، لقد أكدوا على أن الايتيقا غاية و حسن تدبيرٍ، من سقراط وأفلاطون وارسطوا والابيقوريين والرواقيين وإخوان الصفاء و الفلاسفة العرب في صدر الإسلام هم من تدبروا و تفكروا في حسن العيش، وكيفية الوقاية أما مانراه اثر موت الفلسفة من تبجح وتردي المجتمع الاستهلاكي، لقد استنفذت الإنسانية مخزونها الإتيقي.

مؤخرا ولع الباحثون بنظرية المؤامرة وهندسة الفيروس في المخابر، وأُغرم العديد برفع آيادي الإتهام أمام بعضهم و آخرون من يغمرهم الشوق إلى تدريس هرمونيطيقا تفشي الوباء، وحتى من حظّر استراتيجية العوالم ما فوق الكورونا و ما تحتها، لكن لا أحد منا فكر في مصير الكوكب، ومن لا ولي له، و كيف لذلك الكائن الذين يقول أنا و هو الذي يفتح نوافذه لكل رياح العالم وهو نفسه الذي الذي يقطن ركنا من الكوكب.

•أين تعيش الإنسانية داخل ذاك كله؟ أين تلوذ مجتمعاتنا الصغيرة في جغرافيتها، الكبيرة في إنسانيتها؟

من الواضح أن البشر في مأزق الكورونا قد حادت عن مجراها الطبيعي الذي ألفه البشر منذ مطلع القرن من حقد و كره و عنف و تسلط و تجبر و شهوة و كأن الناس جلّهم عند التزامهم بيوتهم فهموا أن لا أنا دون الآخر، لم يستطع الأفراد كل ذاك الانعزال، ويبدو ان covid 19 قد نجح في أصعب الامور وأعقدها، و ما كان الناس عاجزين على فعله، الإنصات والتفكير و الانقياد، ولأول مرة نجح الكوكب في أن يتّحد من أقصاه إلى أدناه في ان يحصد أرواح المتمردين على قانونه و يبدو أن جل قوانين البشرية قد سقطت أمام عنفوان هذا الكائن الصغير اللطيف الذي  كأنه راقب الناس لمدّة حتى يعرف نقطة ضعفه.

لقد نجح هذا الفيروس في أن يطمس هويتنا التي طالما تبجحنا بها من شرق الأرض إلى مغربها معلنا عن بداية نهاية القوى العظمى علميا، أمام نفوق الآلاف من الناس، وبذلك نجح في أصعب المهمات وهي ان يجعل “البيوص” ”bios” الذي تفرّد به البشر “Zoe”؛ لذلك ليخف أكثر الناس قوة على وجه الكون ولتتجهز البشرية -حتى اليوم- لأن تخوض المعركة الاكثر خطورة، معركة الأنا أفكر مع الآخر الذي لا يُفكر و الذي لم يعد يفتّكُ منها الإعتراف فقط، بل أصبح مستعدا ليسلبها أنفاسها.

فيديو مقال El Covid-19 وإعادة الشعور الإنساني

 

 

 

أضف تعليقك هنا