إن كان في العمر بقية

بقلم: بولنوار قويدر

تسلحت بما ينبغي أن أتسلح به لحماية نفسي من عدوى (كورونا كوفيد 19) ’وحملت هاتفي الذي عقمته بدوره أن غلفته بالبلاستيك خوفا من انتقال العدوى’ وتوجهت لزيارة أقاربي’ مادام في العمر بقية قبل حدوث ما لم يكن في الحسبان وبخاصة مع هذه الجائحة التي عمت العالم ولم تميز  بين قوي و ضعيف’وعندها الكل سواسية.

عندما قررت الخروج من المنزل وزيارة أبي وأمي في الحجر الصحي

وكانت أول محطة زيارة أبي وأمي’ وجدتهما في عزلة من العالم  كل واحد في حجرة’ سياسة التباعد.  و أختي الوسطى طوافة بينهما تلبي طلباتهم القليلة.طلبت منهما أن آخذ صورة سلفي …ضحك أبي قائلا:” لعلها ذكرى بعد موتنا”’ صعقني بهذه العبارة ولم أكن أبدا أنتظر تعليق أبي رغم قصدي كان ما ذكر.بقيت معهم سويعة ثمّ غادرت المنزل وأنا كلي ندم .ولكن تغلبت على حسرتي وأقنعتها بأنها فرصة قبل حدوث الأسوأ.

كذلك زرت أصدقائي وأخذت صوراً تذكارية

تذكرت بعض من الأصدقاء وطلبت منهم لقاء عاجل. فكان لي ما طلبت وبطريقة ذكية خطفت صورة سلفي معهم ورجعت قافلا للبيت…شغلت التلفاز وطفت على عدة قنوات’ فما وجدت أنّ عناوينها واحد(كورونا كوفيد 19) .ما راعني وجمّد الدم في عروقي ازدياد عدد المصابين بالآلاف’ وعدد الموتى بالمئات’ ولم يترك بقعة إلّا وقد أصابها هذا المكروه…لم تنفع معه لا الوقاية ولا ألأدوية.

عندما عدت للمنزل شاهدت على التلفاز العدد الكبير للمصابين بفيروس كورونا

وقد وصل بفكر وتدبير الإنسان التعطيل والانكماش والجمود. وبدأ يتجه يمينا وشمالا وشرقا وغربا بحثا عن طوق النجاة فلم يفلح .وهاج بحر الجائحة وأضحى تسونا مي ’لا يعترف بقوة الجيش ولا التقدم العلمي ’ولا ابتكارات التكنولوجية الحديثة ’ولا عدد البشر’ ولا شاسعة المساحة’ بالرغم من كونه “كائن مجهري”’ لقد ضعف الإنسان أمامه’ ولم يبق له سوى أنّه رفع يداه مستسلما متضرعا سافكا دموع ساخنة أمام ضعفه وأمام هذا الكائن الضعيف بجسمه’ الفتّاك بأفعاله.

استوقفتني صورة الرجل القوي بآلته وجيوشه يذرف الدموع وهو يرى أقرب الناس إليه يموت

استوقفتني صورة الرجل القوي’ بآلته وجيوشه وعلمه يذرف دموعا ساخنة وهو يرى أقرب الناس إليه يموت دون أن يقدم له أي مساعدة’ ويدفن دون أن يطبع على جبيه قبلة الوداع’ ويرمى بحفرة أو في فرن دون أن يقترب منه’ ليس طوعا ولكن خوفا اللحاق به. بالمقابل تذكرت صورة الفلسطيني واليمني والبوسني ذات يوم ومسلمي الروهنغا والليبي والسوري والعراقي أيام غزو الأمريكان وغيرهم يموتون بالمجان ’ولم يحس بهم أحد بما أصابهم.

لكن الفرق الوحيد أنّ هؤلاء قد ودعوا أمواتهم بالزغاريد’ وتنثر الياسمين على جثامينهم ’وتكفينهم’ وقبلها يطبعون قبلات الوداع ويدفنون حسب النواميس والأعراف المعتادة…وأكيد بعد كل ضائقة فرج ’وبعد كل عسر يسر. ولكن هل إن بقى في العمر بقية؟ هل نعتبر ونراجع حساباتنا المغلوطة والخاطئة بأنّ ليس بالقوة تستمر الحياة؟ ولكن بالتآخي والتضامن تستمر …طبعا إن بقى في الحياة بقية… من لم يكن له في الموت واعظ. .فلا خير له في كل المواعظ.

بقلم: بولنوار قويدر

أضف تعليقك هنا