الجرثومة الصديقة للبيئة

نعم إن لكل فعل ردة فعل، هذا ما تُعلّمه مادة الفيزياء. هل تعلم أن المادة تفكّر، أن لها ذكاء وإن كان محدود. فن تعرضت المادة لخطر ما، فسوف تجابهه بخطر معاكس. إنها تقاوم، نعم، المادة تقاوم وتجابه. فها هي الأرض تقاوم منذ آلاف السنين أعمال الإنسان المدمرة.

هذه الأعمال التي لوثت الماء، الهواء، التربة وكل مكونات الأرض، دون حسيب أو رقيب. إن الإنسان لم يأبه بالأرض وبكائناتها الحيوانية والنباتية، بل إنه تصرف بطرق خاطئة عبر السنين مما أدت أعماله الى انهيار التركيبة البيولوجية، الكيميائية، الفيزيائية، الجيولوجية، … للأرض ومكوناتها.

لقد كلّم الله موسى في جبل سيناء فقال: “ست سنين تزرعون حقولكم، وست سنين تقضبون كرومكم وتجمعون غلالها، وفي السنة السابعة يكون للأرض سبت عطلة مكّرس للرب فلا تزرعوا حقولكم ولا تقضبوا كرومكم” (اللاويين 25: 3-4). لم يكن هذا القول عبرة نأخذها ونعبر دون أن ندرك معناها.

هل تحتاج الأرض للراحة؟

من المعلوم أن الأرض بحاجة للراحة لكي تستعيد تركيباتها الكيميائية والبيولوجية لأن الزرع فيها قد استنفد كل مكوناتها الغذائية. لذلك، من الحكمة أن تستريح الأرض في السنة السابعة لكي تعدّل نسبة الأملاح الموجودة فيها لتنتج لاحقا المحاصيل الجيدة.

كيف أساء الإنسان للبيئة؟

فأين الانسان من هذا المثل، اذ أهلك كاهل الأرض، بتلويثه المياه الجارية والجوفية والأنهر والبرك والبحيرات وجميع المحيطات، وغيّر تركيبة الهواء ولوث بجهله، بكثرة طمعه وأنانيته كل شيء. كما أنه دمّر مكونات التربة الخصبة فأصبح يزرع ولا يحصد لكثرة تماديه في استعمال الأدوية الزراعية السامة غير المرخصة. فادى ذلك الى تعاظم قدرة الميكروبات والفيروسات على مجابهة الأدوية المضادة لها. فما كان من الأرض الا أن تجابه هذا الفعل بردة فعل عكسية لحماية استمراريتها وكينونتها.

هل غضب الطبيعة على الإنسان هي سبب سجنه المنزلي؟

عبر التاريخ، جابهت الارض الانسان بالزلازل والبراكين والتغيّر المناخي وأخيرا بالجراثيم. ان التجاذب بين الأرض والانسان كان ظاهراً منذ مئات السنين وأصبح واضحاً في أيامنا هذه. ان غضب الطبيعة وضع الانسان في سجنه المنزلي في كل دول العالم. وها هي نتيجة أعماله، تضرّ بشكل مباشر على حياته اليومية، الادارية، الاقتصادية، الصحية والنفسية. أما بيئياً فكانت النتيجة ايجابية، فتوقف المواصلات البرية، البحرية والجوية، واقفال المعامل والمصانع الكبرى في أغلب الدول ولا سيما في الصين، أدى الى انخفاض ملحوظ في الانبعاثات الكربونية الملوثة للبيئة.

لقد كانت مدن الصين تعتبر من الاكثر تلوثا في العالم وحاليا انخفض التلوث فيها بنسبة 25%. اما مياه مدينة البندقية الايطالية فقد أعادت شفافيتها ولونها البراق بحيث أننا نستطيع رؤية قاع المياه فيها وان كانت لا تزال ملوثة. كذلك هي الحال في أغلبية دول العالم التي حجرت سكانها في منازلهم مما ترك للطبيعة وقتاً ولو قليلاً لتعيد تركيب مكوناتها من أجل استمراريتها. فكما أن الماء قد رفست ملوثاتها والهواء تنفس الصعداء كذلك التربة التي تمتص الماء وتتنشق الهواء قد أزالت شوائبها وأعادت ترتيب مكوناتها. فان عدم استطاعة الأرض على الاستمرار أدى الى انتفاضة أرضية على الانسان في كل مكان، ليس كرهاً له بل خدمة لاستمرار الحياة البشرية والكائنات الحية.

ما هي إيجابيات فيروس كورونا على البيئة؟

ان حسنات فيروس كورونا كثيرة وان كانت على حساب بعض الفئات العمرية أو بعض المرضى ذوي الحالات الدقيقة. فها هي أوروبا الهرمة التي كانت على شفير كارثة اقتصادية، أدركها فيروس كورونا ليقضي على أغلبية مسنيها، فيجعلها شابة من جديد. هذا الفيروس يمكن ان يطلق عليه الفيروس “المجدد والصديق للبيئة” اذ جدد الانسان، الهواء، المياه والتربة وغيّر طبيعة الحياة البشرية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية. انها التضحية الكبرى، التضحية بالمسنين من أجل البقاء على طبقة شابة نشيطة ذات مناعة قوية وذات مردودية عالية، تستطيع النهوض باقتصاد الدول.

لماذا سيصبح بعد كورونا أفضل مما قبلها؟

وها هي العائلة التي قدسها الله منذ آلاف السنين وقام بحمايتها، وبعد تفككها في أغلبية البلدان، عادت لتجتمع من جديد مستمدة قوة اضافية وترابط متين. فان وجود العائلة هو ركن أساسي لنهضة الأمم واستمرارها وتطورها.ان ما قبل كورونا ليس كما بعده، كل شيء سيصبح جديداً. الانسان جديد، الدول شابة، الطبيعة نظيفة. ان التكنولوجيا المعتمدة ستكون مختلفة، معاصرة ومواكبة للتغيّر الجذري.

اختراعات جديدة ستظهر وتكنولوجية متطورة ان من ناحية التعليم وان من ناحية الصناعة والطبابة ستستخدم… الروبوتات ستصبح بمتناول الجميع وستكون البديل للانسان في جميع الميادين، لا بل ستضاهي الانسان في بعض المجالات.ان الخالق والمخلوق هما دائماً على تواصل مستمر ومتكامل، فان صرخ المخلوق متوجعاً أتاه الخالق لنجدته وها هي الأرض قد صرخت فأخرجت ما فيها فتوقف الزمن فجأةً لصراخها وبدأت تداوي نفسها بنفسها بسرعة فائقة لربما داهمها الانسان من جديد.

فيديو مقال الجرثومة الصديقة للبيئة

أضف تعليقك هنا