الحرية المطلقة

بقلم: نهى أحمد بزقراري

ما يجعل العبد يحن إلى سيده، هو “منطقة الأمان” التي تمنحه إياها عبوديته، رغم قسوة العبودية إلا أن الإنسان في أعماقه – و إن كان لايعترف بذلك – يفضل العيش بشكل رتيب مستقر لا يضطر فيه إلى إجهاد عقله لتوجيه مسار حياته، و لا إلى مواجهة مشاكل تتطلب منه إمعاناً في التفكير، لهذا يرتاح بكونه عبداً، فهو آنذاك غير مسؤول عن قراراته، يعيش في كنف شخص آخر يفكر عنه، ويتبع أوامر جاهزة دون الحاجة إلى التفكير…

هل من يحب العبودية هو شخص اتّكالي يحب أن يرمي حمله على غيره؟

إن العقل البشري رغم أنه يوهم الإنسان بتوقه للحرية، إلا أنه بسبب كسله الفطري يرتاح أكثر لفكرة العبودية الحرية المطلقة    (و أعني هنا التحرر من كل القوانين و الشرائع ) تعني بالضرورة أن الشخص مسؤول عن تقرير مصيره، وأنه قد يفعل أي شيء دون أن يحاسبه أحد، و هذا ما يجعله يشعر بـ ” الهلع ” كما يصفه الوجوديون و يشبهون الأمر بنموذج إنسان يقف على حافة جرف عالٍ، فهو في حالة الحرية المطلقة لا يهلع من فكرة السقوط بقدر ما يهلع من فكرة إمكانية رمي نفسه دون أن يمنعه أحد من فعل ذلك…

ما الرابط  بين الحرية و المحاسبة على الخطأ الصادر من الشخص؟

الإنسان تعود على أن يُجلد كلما قام بخطأ ما، سواء من الدين أو الضغط الاجتماعي، لكنه يتفاجأ – حين يحصل على حريته- أن لا شيء يحصل حين يرتكب خطأ، فيدعوه هذا – إن لم يكن واعياً بذلك- أن يتمادى في الخطايا إلى أن يسير إلى هلاكه فهل حصول الإنسان على الحرية المطلقة التي ينشدها يحقق له الخلاص ؟ ربما نعم، لكن يبقى منح الحرية لمن لا يعي ماهيتها، و من لا يدرك خطورتها، هو في الواقع حكم عليه بالهلاك… وهذا ما يراه جان بول سارتر إذ يقول أن منح الحرية المطلقة للأفراد يعتبر أمراً خطيراً قد يؤدي بهم إلى الفهم الخاطئ للحرية.

متى تبدأ حريتك؟

لكي يكون الفرد حراً عليه أن يعيش بين الأحرار، و تعديه على حريات الآخرين باسم الحرية، يجعل منه ظالماً مما يدخله في دوامة الاستعباد من جديد، و في هذا يقول هيجل : ” ما من أحد يستطيع أن يكون حرا إن كان جميع الناس غير أحرار ” ولعل المسألة كلها تدور حول الفهم الصحيح للحرية، إذ أن القيام بأعمال مهدمة لذات المجتمع باسم الحرية، و افتعال الفوضى باسم الحرية، يعني أن الخطأ في المفهوم الذي يحمله الناس عن الحرية و ليس في الحرية ذاتها، لأنها كانت و لازالت غاية الإنسان التي ينشدها في كل شيء لذا ربما فقط يجدر بالإنسان أن يعي ما إذا كان ما يبحث عنه هو الحرية بمفهومها الصحيح، أم شيئاً آخر ليلبسه لباس الحرية…

بقلم: نهى أحمد بزقراري

أضف تعليقك هنا