السجون الوهمية

الاستسلام لسجون الاستبداد 

عشت يوما لأرى جمعا من الناس قد انساقوا مع الأحداث، وقد أنساهم البعد عن الحق الحق طعمه، وإني لا ألومهم فمن لم يعرف الله قط ظن أن الشمس إله، ومن لم يذق كأس النعيم أطاع كل من جاد عليه ونسى الماضي أو بالأحرى تناساه، فصار من كان ظالما بطلا يشاد به بين الناس، وإني لا ألومهم، فهم كالسجناء أمضوا حياتهم في الظلام وقد اعتادوا على الانحناء، حتى صار الكيس منهم من بلغ اعوجاج ظهره مداه، جحظت أعينهم لأقدامهم فقد تعودوا النظر للأسفل لا للأعلى.

يردد جميعهم نفس العبارات حتى احمرت شفاههم وجفت حناجرهم، ليظهر آمر السجن بزيه الرسمي المنير فيحتشد السجناء حوله كالقطيع، وقد بلغ لعابهم نعالهم وانتفخت جفونهم وسالت دموعهم، فيبتسم الآمر، ويمد يده العارية كالمسيح ليطعمهم من طعامه وهو طعامهم، فتتعالى بعدها الهتافات ويعود الحال كما كان عليه، وإني لا ألومهم فلم أذق يوما طعم السجون الوهمية التي تكبل العقول، ولست أدري ما حل بهم غير أني أكتب ما أراه وأظنه واقعا، وليعذرني بعضهم إن بالغت في وصفهم.

التحرر من قيود الاستبداد يتطلب المقاومة 

المهم فلنكمل… إن دور السجون الحقيقية التي يعرفها الجميع هي حماية عامة الناس من مصائب السجناء، غير أن للسجن دورا آخر هو تخويف الناس، إن القضبان الحديدية الفعالة هي التي تراها من الخارج، يحبسون من لم يخف ليخاف من لم يحبسوه، غير أن السجون الوهمية عكس ذلك تماما فهي تستهدف الضعفاء والجبناء، فيحيى الشجاع ويوصد على الخائف، إن استسلام السجين لوضعه وتسليم أمره لآمره يحتم مصيره وينهي أمله، فكيف لسجين أو اثنين أن يغيروا واقعا بناه التاريخ ورسمت معالمه أحداث ليس لهم في تغييرها حول ولا قوة؟!.

لا بقاء لظالم..   

وإنه يقال “فليكن ما يكون” كناية على حتمية الوضع واستحالة تغييره، وإني أقول فليكن ما يجب؛ فليس ما تظنه واقعا يجب أن يكون، وليس ما هو كائن أفضل ما يمكن أن يكون، فكل واحد منا هو سجين لفكرة، ومن استطاع التحرر فقد فاز، وإن التغيير ممكن بل وسيكون، ولنتعلم من التاريخ، فكم من طاغية أسقطه طغيانه للهاوية! وكم من آمر سجن باحتقاره أسراه، ظن أن دوام الحال أكيد ولم يعتبر من الماضي!.

لا حرية مع الاستسلام

قد عشت يوما لأرى ما رويت، وقد أعيش غدا إن شاء ربي وكان في العمر بقية لأرى سجينا حارب بشجاعته سنوات من الاستعباد، وإنه يقال: الكثرة تغلب الشجاعة، وإني أقول: سيأتي يوم يغير فيه رأي شخص واحد حياة آلاف السجناء ممن رددوا ما يردده غيرهم دون مقاومة، فمن قال قولا غير قوله انحاز عن فعله. فمن لم يصدق كل ما يقال وسعى للتحرر من أصفاد البشر، صار من عباد الخالق وليس من عبيد الخلق، ومن أبى فليس مني سوى أن أقول له ما قال تميم: “وقل لكل سامع وطائع، للضفدع المنفوخ كالمصارع، تجله بقية الضفادع، الخائف المحروس في المخادع، ما أقرب الماضي من المضارع”.

فيديو مقال السجون الوهمية

 

 

 

أضف تعليقك هنا