الشيطانوية Saranism محاولة لتحديد مفهومها وتداعياتها

في محاضرة متواضعة دارت في إحدى دور الثقافة بالعاصمة التونسية، ألقى رجل دين مسيحي ينتمي إلى المذهب الانجيلي خطبة تمحورت حول صراع الرب مع الشيطان، محاولاً تنظيم الفكرة على أساس التفكير المدني الحديث، فكان يعود إلى الكتاب المقدس ويعيد تحديد المصطلحات حيث أصبح الشيطان عدواً خارجياص لكل الأديان فهو ذاك الذي يبث الفتنة بينهم و يزرع الحروب بين الطوائف ويحصد أرواح الكثيرين.

ماهو الغموض الذي يكتنف نظرية المؤامرة الشيطانية؟

و رغم ما تنطوي عليه الفكرة من تلق واضح لنظرية المؤامرة الشيطانية إلا أن معقوليتها قد تستجيب للواقع، و في هذا الإطار شغلني مذاك مفهوم غريب يعتبره الكثيرون مفهوماً بسيطاً واضحاً، ” الشيطان”؟ كنت أركز في كلمات المحاضر علني أسعف نفسي بما يسعدها من وضوح لهذا المفهوم ولكنه كان كلما تلفظ هذه الكلمة ازدادت غموضاً، فمضيت في بحثي أتقفى أثر المفهوم وقد وجدته شاملاً لمجالات عديدة منها الايثولوجيا والسياسة وخاصة الدين، وهنا أقف على أطلال الوازع الديني مسترجياً فهما لما تمثله هذه الكلمة.

تعدد الأسماء وتلابس في المفهوم

“شاط يشيط فهو شيطان” المعنى اللغوي للكلمة يحيل على الانحراف و الخروج بشكل سلبي، ولذلك فإننا نجد قول القائل: لقد “شطت علينا يا فلان” بمعنى أنك قد أكثرت من الغريب وانحرفت عن جادة الطريق، و قد وظف هذا الاسم ” شيطان” في كتاب القرآن ليصف حالة الملاك المنحرف عن إرادة الله و المسمى من قبل ” إبليس” و في الثقافة الغربية lucifer، نفهم من هذا إذن أن إبليس بإجماع الديانات السماوية الكبرى هو ملاك صالح في الأصل، ولكنه شاط وانحرف عن إرادة الرب/الله فلعن وصار اسمه ” شيطان” أو satan،  إن النظرة الدينية المفرقة بين المصطلحين لا نجد لها صدى في تفكير العامة من المتدينيين و خاصة في ربط هذين المسميين بال” شر” او devil كما يراه البعض. فهل بقي هذا المفهوم جامداً متحجراً في أصوله الدينية الأولى؟

الشيطانوية (satanism) الحديثة وآفاق اصطلاح حديث

عند البحث الدقيق لا نجد في العصور القديمة تمثلاً جديداً لهذا المفهوم فقد بقي في قوالب ميتافيزيقية غير محسوسة ولا ملموسة إلى حدود النصف الثاني من القرن العشرين الذي فجر معلبات التفكير القديم وصار الشك في اللامرئي منهجا لعدم قبوله من هنا جاءت فكرة Anton Lavey وهو رجل دين أمريكي كان عازفاً في كنيسة أنجيلية وكذلك في كرنفالات متعددة في أمريكا. لاحظ أن الغالبية من متديني كنيسته من ” المنافقين” إذ يقول ” كنت أعزف أيام السبت في الكرنفال فأرى أغلب الناس يتطلعون إلى الفتيات نصف العاريات وبعدها يأتون صباح الأحد ليطلبوا من الرب الغفران لهم و لأولادهم وأزواجهم.

كشف ذلك عن نفاق الكنيسة بالنسبة إلي” قرر الرجل بذلك الوقوف موقف الضد من الكنيسة وحدث أن أسس لأول مرة بعد زمن بعيد ما يسمى ب” كنيسة الشيطان” church of satan، و كان ذلك متناسباً مع ليلة يعتبرها الشيطانيون القدامى مقدسة بدأت الكنيسة في النشاط وظهرت الحاجة إلى تأليف كتاب يمثل ركيزة للدين الجديد فتولى Lavey هذه المهمة و توج عمله بكتاب أسماه Satanic bible. هذا الكتاب اعتبر فيما بعد مرجعا لأتباعه وخلاصة لأهم الركائز التي يجب على كل شيطاني اتباعها.

ماهو التمثيل اللامرئي للشيطان

و عند التأمل في هذا الكتاب نجده يحاور الكتاب المقدس في طريقته ويحتوي على خطب الشيطان للإنسان وتمجيده لاتباعه ولعنه لخصومه من أتباع الرب، وبالرغم من هذا التمثيل اللامرئي فإن Lavey كان قد أكد أنه لا وجود لقوة خفية اسمها الشيطان بل إن الإنسان كحيوان على هذه الأرض هو الشيطان نفسه و لنفسه وحده يجب أن ترضخ الإرادة بمعنى أن الشيطانيين يرون في أنفسهم أربابا لأنفسهم و لا طاعة إلا لما تعطيك نفسك من غرائز و حاجات لا بد من تلبيتها.

يقر كاتب Satanic bible كذلك بأنه يجب أن يحافظ الأتباع على تسع وصايا و من أهمها ما يخالف وصايا الكنيسة من قبيل الانتقام بدل أن تدير وجهك الأيسر لمن صفعك على الأيمن والاحتفال بالجسد بدلا من الروح والشعور بالفخر و الغرور بدلا من الضعة والاتزان، مثلت هذه الوصايا منهجا لحياة الشيطانيين وطريقة في العيش فهم يمقتون الضعف وأهله وبذلك لا يعترفون بقيم الرحمة و الأخوة بل بقيم الذات والفردانية، و السؤال في هذا المستوى يلقي بظلاله على انعكاسات هذا التفكير المادي الجديد على الفرد و الجماعة.

عملية تدمير للذات والآخر بسبب الإغراق في التخييل

بالرغم من كتابات الشيطانيين التي تدعو إلى مادية عميقة تكفر بكل ما هو غير مرئي فإن الجانب التخييلي ظل عالقاً بتلابيب هذا النهج الجديد، فقد يترآى للقارئ في أدبياتهم أو المشاهد لأفلامهم وفي هذا المستوى نسوق مثالاً من كتاب Veronica decides to die للكاتب Paul Coelho حيث صور الانتحار إرادة قوية تغزو النفس والمتمكن منها يمثل أقوى ما وصله الإنسان من إرادة حيث هزم الموت و حطم الخوف.

ولكن ماذا تبقى لغريزة حب الحياة التي تسكن كل إنسان، ألا يجب على الشيطاني بما هو رب نفسه أن يجعل من الحياة قوة ومن الموت ضعفاً وهواناً.؟ هذه النزعة الداعية للانتحار تجد ركائزها في الجانب المتخيل الذي يرى ” ملك الظلام” الشيطان باعتباره ذاتا موجودة، كائنا مقبورا لا يقوم إلى إذا ضحى الأتباع بأرواحهم. وتتراكم قصص التخييل من بيع النفس وشراء الانتقام المناسب للخصوم، ليست الكتب وحدها التي أثثت هذه الصور التخييلية بل نجد كثيراًمن الفرق الموسيقية والتي يحسبها الكثيرون على ” عبدة الشياطين” التسمية التي أتجنبها حالياً لعدم اتفاقها والبحث الدقيق.

Metal_headed أو محبي موسيقي الميتال يمثلون ترجمة لأفكار الشيطانيين في فن الموسيقى و ليس المعنى من ذلك كما ذهب الكثيرون أن كل محب لهذا النوع من الموسيقى شيطاني بل العكس صحيح كل شيطاني هو محب لهذا النوع من الموسيقى، وبالرغم مما يدعيه الشيطانيون من حرية فهم يعتبرون المستمع إلى الأوبيرا وموسيقى العشق و الغرام نازقاً عن العقائد الشيطانية الصحيحة وخللاً في البناء الجديد المتكون.

ماهي موسيقى الشيطانيين وماهي ارتباطاتها؟

لا يمكن أن نذكر موسيقى الشيطانيين دون التتريج على علم من أهم أتباع كنيسة الشيطان المؤسسة في أمريكا و التي قد أشرنا إليها سابقاً باسمها الفعلي بالانجليزية ” church of satan ». يسمى هذا العلمMarlyn Manson وهو اسم شهرته وقد استوحاه من أيقونة الجنس Marlyn Monroe و زعيم فرقة القتل المشهورة Charles Manson. هذا الجمع يمثل تحديداً متطرفاً ومنه جاءت نزعات الجنس التي تنتهي بالقتل أو التعذيب، أغاني Marlyn مشبعة بحب القتل أثناء ممارسة الجنس، ما يقطع الشك أمام ميل الشيطانوية إلى الإجرام، يؤكد ذلك إنطلاقاً من تجربة من سبق ذكره Charles Manson فكيف جسد هذا الرجل قيم الشيطانوية في أمريكا؟…

من هو “Charles Manson” و ماهي تداعيات الشيطانوية ومخلفاتها؟

ظهر Charles Manson كعازف و كاتب معزوفات في Ohio مقاطعة أمريكية وقد تطور في مراحل حياته متشبعاً بقيم الشيطانوية الجديدة إلى حد تأسيسه لما يطلق عليه family of Manson أو عائلة مانسن وهي عبارة عن جماعة تعتنق الشيطانوية الجديدة وتملك كنيستها الذاتية انتمى الكثيرون لهذه العائلة وتربوا على تعليمات Manson التي دعتهم إلى ارتكاب سلسلة من جرائم القتل. مما سمي serial killer في مختبرات البحث الأمريكي. كانت فكرة Manson أن القتل يجعل من الإنسان يتغلب على الخوف الداخلي و يمنحه القوة اللازمة التي تحميه من الانهيار النفسي و الشعور باليأس و الحطة من النفس.

لذلك ارتكب أتباعه جرائم بحق سبعة أو تسعة أشخاص على الأقل بتحديدهم الذاتي لمن يجب قتله، هذه الفكرة جعلت Manson الذي لم يقتل أحداً أكبر مجرم عرفته أمريكا في ذلك الوقت وأصبح اسمه منوطاً بمعنى القتل و الجرائم، ولكن الشيطانويين قد سارعوا لتزكية هذه الأفعال ونصبوا سجلات للدفاع عن الرجل والدعوة إلى منهجه. انتهيت من هذا البحث القصير إلى نتيجة مفادها أن الباحث في مفهوم الشيطان وإن تحلى بأسلحة الثقافة والانفتاح يقف على خطورة ما تدعو إليه هذه الكلمة ليس على الجانب الديني ولكن أساساً على الجانب الإنساني وقيم التسامح والحوار والتعاون التي تدعو الشيطانوية إلى دثرها وتعويضها بقيم التعذيب وكره الضعفاء والمرضى وقتل الأبرياء.

وجهة نظر 

نهايةً ومن وجهة نظر ذاتية فإني كإنسان أرفض التفكير المتعصب والاستقصائي لهذا المذهب الجديد ولا أدعو إلى نصب العداوة ضد الشيطانويين لأن ذلك يعني تطبيقا مباشرا لما ينظرون و يعملون عليه، وأرى إعادة هيكلة للشيطانوية على أسس إنسانية حقيقية، و من هذا المنبر فإني أشير إلى أن الشيطانوية بما هي حرية للتفكير و الضمير أساساً تحتاج إلى كبح جماح دعاة القتل والتدمير ومراجعة ما تفرضه على أتباعها من تعاليم لا تبعد عن تعاليم الكنيسة والمساجد المتعصبة في أقطار أخرى، هذا كان رأيي في معالجة هذه المشكلة المتنامية في أقطارنا العربية ولئن كان حجمها ضئيلاً الآن إلا أن نسق تسارعها ينبؤ بالخطر فكيف ترى أنت الحل حتى لا ندرك تهديدا مماثلا عند Charles Manson في مجتمعاتنا العربية التي عانت من التعصب و القتل

فيديو مقال الشيطانوية Saranism محاولة لتحديد مفهومها وتداعياتها

أضف تعليقك هنا