“الغباء الجمعي” أعظم وباء قاتل للبشرية – #كورونا

بقلم: هاشم بوزيان

يقول الإقتصادي الإيطالي كارلو سيبولا في كتابه الموسوم بالقوانين الجوهرية للغباء البشري: “الغباء- ببساطة – هو أن تخسر وتجعل الآخرين يخسرون فى نفس الوقت”

من هو الشخص الغبي؟

الشخص الغبي هو ذلك الشخص الذي يتسبب في خسائر لشخص آخر أو مجموعة من الأشخاص، في حين أنه لا يعود عليه أي استفادة من ذلك بل ربما تجعله يتكبد خسائر فادحة كارلو م سيبولا.

هذا بالضبط ما يحدث اليوم في كل دول العالم بسبب الذعر أو الإستهتار واللامبالاة الذان سببهما فيروس كورونا، لكن المخيف هو كون هذه السلوكيات المنمة عن غباء طافح ليست حالات منفردة، بل ممارسات جماعية تجعل المطلع عليها في حالة ذهول، إنه غباء جمعي وقد يكون معدٍ!

الخجل من التصريح بالإصابة بفيروس كورونا

الغباء الجمعي ليس ممارسة سلوك خاطئ من عدة أشخاص في وقت واحد إنما هو التصرف وفق السائد والخوف من كسر المتعارف عليه تفاديا للنفور المجتمعي الذي قد يعانيه الفرد بسبب مخالفة ما يتوقعه الناس وما يتلاءم مع نمط حياتهم وتفكيرهم، وقد سجلت حالات كثيرة وأحيانا جماعية للفرار من الحجر الصحي أو التصريح الكاذب أمام المحققين الطبيين من طرف المشتبه في تواصلهم مع مرضى تأكدت إصابتهم بالفيروس، يحدث هذا لأن قوانين القبيلة والمجتمع رسمت منذ دهر طويل نمطا محددا لردات الفعل التي يحدثها خبر إصابة شخص ما بمرض معد أو حتى بمشكلة نفسية بسيطة، لذلك كثيرا ما نسمع في مجتمعاتنا أن العائلة الفولانية أخفت مرض أحد أفرادها بالسل، أو أن شخصا ما أخفى زيارته لطبيب نفسي مثلا…المجتمع محكمة ليس في قائمة أحكامها براءة أو عفو.

حالات هروب من الحجر الصحي لكورونا

جميعنا نلقي اللوم على الشخص الذي رفض الفحص وهرب من الحجر الصحي لأننا نصاب بالذهول من تصرفه اللامسؤول وحتى عندما نتساءل لماذا فعل ذلك، لا نمنح أنفسنا أجوبة عقلانية بل نعزي ذلك مباشرة لطريقة تفكير الشخص نفسه ونحكم عليه منفردا بأحكام قاسية… هو يستحقها بالفعل لكن ليس وحده، بل يجب أن نحاكم المجتمع كله بما فيه نحن “الذين نصبنا أنفسنا قضاة”

الحلول بطيئة والأزمة لا تنتظر:

إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”عثمان رضي الله عنه”

لا يمكن معالجة مسألة فكرية أو تربوية بمقص الجراحة، فالإنتشار المرعب والسريع لفيروس كورونا لا يعالج لحظيا بإعادة صياغة المناهج المجتمعية وتطبيقها سياسيا وتربويا وفكريا لأن هذا هو مشروع المشاريع وغاية الغايات التي جاءت من أجلها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية أيضا، وهو مشروع لا يتوقف والأزمات العارضة بالنسبة له هي وضعيات متوقعة من المفروض أنه رسم حلولها مسبقا، لكن للأسف هذا لا يحدث في معظم دول العالم لذلك نعمد دائما للبحث عن الأمثلة الناجحة في تسيير الأزمات، لكننا نتناسى أنه لا يمكن إسقاط حلولها على حالاتنا، لأنها ببساطة نابعة من نماذج مجتمعية إستبقت الأزمة بعقود من التحضير القانوني والتربوي فصنعت مناعة جماعية تراكمية مكونة من عنصرين هما “وازع الأخلاق ورادع القانون”

 يقول أحدهم :حل الأزمة يكمن في أمرين، وازع الدين ورادع القانون

من الصعب أن تخلق في الناس وازعا دينيا أو أخلاقيا أو بلغة علم الإجتماع “الضمير الحي” بجرة قلم، لكن من الممكن حماية الناس من أنفسهم بزواجر القانون الذي وضع أساسا لتقويم من حاد عن وازعه الذاتي، لكن هذا ليس بالأمر السهل أيضا فكلما زاد نفور الناس من الإلتزام الطوعي بالدين والأخلاق وإحترام حياة وحرية الأخرين كلما صعب إنقيادهم لسلطة القانون التي لا يمكنها أن تكون كاملة من ناحية تطبيقها على وجه مطلق، فكلما رفعت السلطة من سطوتها كلما زادت مخالفة الناس لها، وهذه جدلية أزلية مرتبطة بتكوين الإنسان وخِلقته، لكن لا مفر من إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالقوة في نفس الوقت الذي يجب أن تباشر فيه عملية صادقة وحقيقية لصياغة وتطبيق مشروع مجتمعي يعيد للناس وازع الدين وفطرة التعايش وتحقيق المصلحة الفردية من خلال المحافظة على المكاسب الجماعية، فسقوط الجماعة التي ينتمي لها الفرد يسقط معها الفرد نفسه سواء كان مدركا لذلك ومتسببا فيه أم لا.

البشرية بين علقمٍ وصمغ بسبب كورونا

حتى الأن لا يوجد علاج أو لقاح مؤكد لفيروس كورونا المستجد، وقد تعددت طرق معالجة الأزمة من دولة إلى أخرى، وتعددت النظريات المطبقة كذلك، وإحتلت الدعوة للوقاية أولوية الإجراءات، لكن لا يمكن إهمال حاجة الناس والدول أيضا لممارسة أنشطتهم الضرورية، فالوقاية بمعناها المتشدد تعني لزوم البيوت، وتوقيف الأشغال وهذا لا يستقيم مع ذاك، وفي أقل صور الوقاية حزما لابد من الإبقاء فقط على النشاطات التي توفر الخدمة والسلعة الأساسية لكن هذا أيضا يحطم إقتصاديات الدول، ويفلس جيوب الناس، وبالتالي تسقط علة تطبيقها! لكن هل يمكن الموازنة بين منع إنتقال العدوى والحفاظ على أساسيات المعيشة وإقتصاد الدولة؟

عود على بدء، إذ يحتاج الأمر إلى مقاربة أمنية وإجتماعية صحيحة ودقيقة، وموازنة حكيمة بين حاجة الأفراد والدول للنشاط وبين الخطر الذي يسببه نشاطهم هذا، ولأن تشخيص طرق إنتقال هذا الفيروس لازالت تثير الجدل بسبب سرعة ونسبة إنتشاره فمن الصعب توفير سبل الوقاية الصحيحة في أماكن التواصل والإختلاط البشري، لكن يمكن قدر الإمكان العمل على التضامن العالمي بصورة جدية لتقليل الخسائر وحصر الأضرار.

لا مفر للبشرية من التضامن لمواجهة كورونا

يعلم الذئب الذي يعيش في البراري أن بقاءه وحيدا يعني الهلاك المحتوم، لذلك تعيش الذئاب وتعمل في زمرٍ تحكمها تراتبية إجتماعية صارمة، وروح تضامنية عالية، لا حبا في الأخرين إنما رغبة في البقاء الذي يستحيل دونهم، طبعا ليس المقصود أن الذئاب أو غيرها من الكائنات الإجتماعية حيوانات مفكرة بالمفهوم البشري، وبغض النظر عن جدلية الغريزة والإدراك، فلا خلاف على حاجة الفرد للجماعة وحاجة الجماعة للفرد، فقد قررت هذه القاعدة الكتب السماوية، والفلسفة الوضعية، و وافقها كل ذو عقل.

مَثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى “محمد صلى الله عليه وسلم”

تدرك الدول والحكومات وكثير من الأفراد ذلك، لكنهم لا يحكِّمون هذا المُدرك في سلوكهم وممارساتهم ما لم تكن هناك أزمة تهدد وجودهم الشخصي مباشرة، وها قد جاءت الفرصة للبشرية في هذا الإمتحان الصعب الذي يهدد كل الكيانات والأفراد، فهل من الممكن أن نرى “عصبية” جامعة لكل البشر ضد هذا العدو ؟ هذا صعب المنال… خاصة بعد الصدمة الدراماتيكية التي فاجأتنا بها دول أوروبا التي بنت إتحادها أساسا على مبدأ “التضامن البيني” واَستنبطت أدبيات ميثاقها من مأثورة “الواحد للكل، والكل للواحد” لكن للأسف يبدو أن أمواج كورونا العاتية أغرقت مبنى بروكسل وفرّقت جمعه، وساوت أركانه بالقاع.

فتحول الناجون منها إلى قراصنة من أجل البقاء يسلب القوي منهم كل حبل نجاة مُدَّ لأخيه! وبعد أن كشفت أمريكا عن جشعها وهي تحاول الإستئثار بسوق أجهزة التنفس، والكمامات والألبسة الواقية، وكذلك بعد أن إستثمرت الصين في الأزمة لتحرك قطع العلاقات الدولية بأصابع من مساعدات دافعة أوروبا للتفكك أكثر وحاثَّة دول جنوب المتوسط للولاء لها بنفس الأصابع.

هل الأمل موجود بعن أن شاهدنا النكسة الأوروبية والأمريكية بمواجهة كورونا؟

لا يجب أن نفقد الأمل بسبب النكسة الأوروبية، والجشع الأمريكي، ولا أن نسلم عقولنا لمكر الصينيين، لكن لا مفر لنا -كبشر- من تقديم درء المفسدة على جلب المصالح الخاصة والضيقة والآنية، ولابد أن في هذا العالم بعض من العُقَّال والحكماء الذين يستطيعون التأثير في دفة السفينة قبل أن نغرق جميعا في براثين الأنانية والتفكير في المصلحة الآنية التي سريعا ما تنتهي إذا إستمر غول كورونا في حصد الأرواح وإجهاد الجيوب.

بقلم: هاشم بوزيان

أضف تعليقك هنا