الكنز الذي لا يفنى

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأسرة هي المكان الدافئ الذي نسعى إليه

مما لا شك فيه أن الأسرة هي ذلك المكان الآمن والدافئ الذي نسعى إليه ونلجأ إليه عندما تكدر الحياة وتضيق، فنجد في الأسرة السعادة والسيادة، الفرح والمرح، وهذا الجوى من السلوى لا يتم ولا يكتمل إلا بوجود الوالدين اللذان يشكلان عماد الأسرة.إذن فإذا كانت الأسرة تكتسي هذه الأهمية، فما معنى مفهوم الأسرة ؟ وما هي مميزاتها ؟ وباعتبار الوالدين هما الزوجان اللذان يحققا هذا التناغم والانسجام، فما هي سبل تحقيق مقاصد الزواج الذي نص عليه القرآن الكريم؟

الأسرة أصل بقاء النوع البشري:

مميزات الأسرة:

تعني الأسرة لغة : الدرع الحصين، أي أهل الرجل وعشيرته، واصطلاحا: هي الرابطة التي تربط الرجل والمرأة بعقد شرعي عن طريق الزواج يثمر علاقة الأبوة والبنوة والأمومة… والمصاهرة وعلاقة المجتمع. تلعب الأسرة دورا مهما في تشكيل المجتمع.

وتعتبر أصل النوع البشري وسبيل للبقاء الإنساني،و الإيماني:حيث تشكل نواة لاستمرار النوع البشري وبقائه، وهي السبيل الوحيد في الشرع الحنيف للتناسل والحفاظ على النوع الإنساني، لذا جعل الله تعالى المودة والرحمة بين الزوجين ضمانا لعمق العلاقة بينهما، وجعل عاطفة الأبوين غريزة تدفعهما إلى رحمة أولادهما.

وتضمن الأسرة الاستقرار النفسي والتكافل الاجتماعي للإنسان: لأن الله تعالى قدر للإنسان سعادته بين أهله وأفراد أسرته، فالأم والأب أرحم الخلق به، يرعيانه ويحوطانه حتى يشتد عوده، والأسرة توفر له نظاما من القرابات المتنوعة، فينشأ الطفل في جو من التكافل والتراحم، ويتمتع بعلاقات متنوعة توفر له سندا نفسيا وماديا واجتماعيا،وإذا فقدت الأسرة، فإن الدين الحنيف يدعو إلى كفالة اليتيم، ويترتب عليها أجرا عظيما. كما أن الأسرة سبيل لحفظ الدين والنسب والعرض:

الأسرة سبيل لحفظ الدين:

تعتبر الأسرة وسيلة لاستمرار الموروث الثقافي وحفظ الدين، فالطفل يتعلم اللغة ويتلقى القيم والأخلاق التي تغرسها الأسرة في نفوسهم، لذا أرشد الإسلام إلى التربية الإيمانية، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: << كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه>>.

الأسرة ثورة للمجتمع ووسيلة لحفظ النسب:

لا يتحقق مقصد حفظ العرض والنسب إلا في إطار علاقة زوجية صادقة، تلزم الزوجين بواجبات الوفاء والمودة، وهو ما يجعل من الأسرة سر قوة الأمم، لذا أولى الإسلام اهتماما كبيرا بالزواج وإنشاء الأسرة، من خلال منهج رباني يمثل منظومة أسرية ناجحة. ولإنجاح هذه العلاقة لابد من الزوجين أن يتخلقا ويتحلى ويلتزما بسبل  تحقيق مقاصد الزواج الذي نص عليها الدين الحنيف ومنها:

سبل تحقيق مقاصد  الزواج:

  •  الوفاء بالأمانة

والأمانة لغة: مشتقة من الأمن وهي الثقة، وقد تكون هذه الثقة إما مادية أو معنوية، واصطلاحا: حفظ الوديعة، حكمها وجوب الوفاء وهو دليل على صدق الإيمان. أما الوفاء في اللغة: يقال وفى أي أثم وأكمل، واصطلاحا: حفظ العهد بتأدية الأمانة وعدم تضيعها.  فمن مظاهر الوفاء بالأمانة: حفظ الدين و اجتناب المحارم والقيام بالوجبات  و  حفظ النفس وعدم تعريضها للضرر… لأنه حق من حقوق الله تعالى، والمقصود بحق الله تعالى؛ أداء الوجبات التي أوكلها الله جل وعلا في ذمة عباده وتتمثل أولها في العبادة بالامتثال لأوامر الله سبحانه واجتناب نواهيه.

وميزة الحقوق في الإسلام: أنها تتوزع إلى: حق الله وحق النفس وحق الغير، والميزة الإضافية لهذا التقسيم: أن حق النفس وحق الغير يعتبران حقا لله، لأنه هو الحق ومنشئ الحق والضامن له، يقول صلى الله عليه وسلم: <<إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه>>. ولذا يجب الوفاء بحق الله وبحفظ الأمانة: لأن ذلك من الإيمان…ويوجب لصاحبه المحبة من الله ومن الناس، ويعتبر شرطا أساسيا لإتقان المهام والإحسان في أدائهما مما يؤدي إلى استقرار المعاملات بين الناس واستقامتها وبالتالي إلى نماء المجتمع وصلاحه ماديا ومعنويا.

  • التحلي بالصبر

من بين الأخلاق التي يجب على الزوجين التحلي بها الصبر لأنه أعظم حق من حقوق النفس، فمن أراد أن يأخذ نصيبه من الدنيا حلالا طيبا فلابد أن يصبر ويرضى بما قسم الله تعالى له، وذلك بالحرص على اجتناب المحرمات والمنهيات أي الصبر عن معصية الله. والصبر لغة: التجلد والتحمل، واصطلاحا: القدرة على تحمل الابتلاءات والشدائد بيقين دون جزع أو شكوى. لذا تثمتل قيمة التحلي بالصبر: في أن الحياة الدنيا دار اختبار وابتلاء من الله جل وعلا، فلابد من المؤمن أن يتحلى بقيمة الصبر والحلم والثبات واليقين. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: << إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع . والصبر وفاء بالأمانة والمسؤولية: وذلك بالصبر على طاعة الله أي الحرص على أداء العبادات قال تعالى:<< واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه>>.

  • التحلي بخلق العفة

كما أن عل الزوجين أن يتحلوا بخلق العفة والمقصود بالعفة لغة: الترك والامتناع والكف، واصطلاحا: هي حصول حالة من الترفع والتسامي عن الاستجابة لشهوات النفس. وحقيقتها، القدرة على التحكم في انفعالات النفس، وسببها الاستحضار الدائم لمراقبة الله تعالى  بالامتثال لأوامر الله سبحانه واجتناب نواهيه جل وعلا. وهي ثمرة لمجاهدة النفس وهواها، والانتقال من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس المطمئنة المتعلقة بالله، قال تعالى: << وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى(39) فإن الجنة هي المأوى(40)>>.

  • التحلي بشيمة الحياء

والمقصود بالحياء انقباض النفس عن القبائح والفزع منها، خوفا من الله ومحبة وتعظيما له جل جلاله. هنا يجب أن نفرق بين ما هو الحياء وما هو الخجل: الخجل إذن، انقباض النفس ينتج عجزا وخوفا من مواجهة الناس. بتعبير آخر، الخجل خوف وعجز وضعف أمام الخلق، أما الحياء فهو شجاعة وقوة وعزة النفس وانكسار أمام الخالق. وينقسم الحياء إلى قسمين:

  • حياء فطري: يولد الحياء الفطري مع الإنسان، وهو شعبة من شعب الإيمان.
  • حياء مكتسب: يكتسبه الإنسان بفضل معرفته لربه، فيمتنع عن فعل المحرمات تعظيما له.

وحقيقته: قوة الإيمان والاستحضار الدائم لمراقبة الله تعالى بالامتثال لأوامر الله سبحانه واجتناب نواهيه جل وعلا مع محبته وتعظيمه. أما مكانته في الدين: فالحياء خلق الإسلام، يحمل صاحبه إلى مقام المتقين، فإذا كانت الأخلاق هي أساس بناء الحضارات وتقدم الأمم وتماسكها، فإن الحياء عماد الأخلاق، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:<<لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء>>.

  • العفو صفة رب العالمين وخلق الأنبياء والمرسلين عليهم السلام والمؤمنين الصالحين:

مفهوم العفو لغة:المحو والطمس اصطلاحاإسقاط العقوبة عن المذنب المستحق لها مع القدرة على معاقبته. إن العفو صفة من صفات الله تعالى: فهو الذي يصبر على عبده وهو يذنب، كما أن الله تعالى اسمه العفو الدال على عفوه، قال تعالى: << وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون>>. والعفو أيضا  خلق الأنبياء والرسل: إذ أن أكرم الناس خلقا الرسل والأنبياء، لأن الله جل وعلا أيدهم بالكمال البشري. والعفو خلق الصالحين: يقول الله جل وعلا في حقهم:<< والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين>>.

  •  خلق التسامح

والتسامح لغة: سمح: سهل ولان، واصطلاحا: اليسر في المعاملة النابع من خلق الجود والكرم واحترام إنسانية الآخر. ومن بين فضل التسامح وأثره، نذكر:

  •  التسامح سبيل لنيل العزة والشرف.
  •  التسامح سبب في انقلاب العداوة إلى صداقة ومحبة.
  •  التسامح من علامات الصحة النفسية، فالذي يقدر على التسامح هو الذي قد تمكن من نفسه فأمها نحو الطمأنينة.

ولنا في سيدنا يوسف عليه السلام عبرة، فهو المتسامح الكريم: وخير مثال على ذلك، أنه لم يعامل إخوته بنفس المثل لكن باذل إذلالهم بالإكرام: << ولما جهزهم بجهازهم قال أتوني بأخ لكم من أبيكم آلا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين>>.

وأختم بقول توماس جيفرسون الذي قال: ” اللحضات الأسعد في حياتنا هي تلك القليلة التي أقضيتها في المنزل في أحضان عائلتي “فاللهم احمي عائلاتنا ياالله من كل شعور يخلق عبوسا لملامحنا، ويؤلم قلوبنا، ويذبذب تفكيرنا، احمنا يا رب من كل سوء ومن كل مكروه.

فيديو مقال الكنز الذي لا يفنى

 

 

 

أضف تعليقك هنا