اللبيب بالإشارة يفهم

لازلت أستمتع كثيراً كلما قرأت حكايات الأديب الفرنسي “جان لافونتين ” التي حكاها على ألسنة الحيوانات والطيور في الغابة، وهو في كتاباته يكاد يكون متأثراً بكتاب كليلة ودمنة الذي كتبه الفيلسوف الهندي ” بيدبا ”  وترجمه للعربيه الأديب الكبير “عبدالله ابن المقفع ”

من أين استقى “جان لافونتين ” رواياته؟

في الواقع ظهر هذا النوع من الكتابات في ظل تعتيم الأفواه، وفي ظل قمع الحريات لنقل أنه ظهر في دولة قمعستان التي ليست لها حدود ولا زمان فهي موجودة في كل زمان ومكان، حقاً ما أردأ الأحوال في دولة قمعستان ( هي قصيدة شهيرة للشاعر نذار قباني) على كل حال في ظل الظروف والأزمة التي نمر بها عزيزي القارئ أعلم أن الملل تمكن منك، وأنك اشتقت لمن يحكي لك حكايات الطفولة، ويقوم بتسليتك حتي يذهب عنك الملل وتغادرك الكآبه، لذلك سأتبرع أو لنقل سأساهم في تسليتك بعض الشيء ولكن أريدك أن تعلم أن خلف كل حكاية مغزي وفائدة كبيرة بالطبع كما كانت القصص التي ترويها جدتك أو أمك وأنت طفل صغير.

قصص الروايات تحمل في طياتها عِبر فهل لمستها؟

الأغنام التي فتحت الباب للذئب فأكلها، والأرنب الذي لم يستمع لكلام أمه، وصاحبة الرداء الأحمر هكذا الأمر، سأبدأ في السرد الآن من كتاب حكايات لافونتين والذي ترجمه للعربيه الأستاذ ” جبرا ابراهيم جبرا ” واللبيب بالأشارة يفهم :
الغراب والثعلب: تحكي القصة عن غراب جثم علي غصن شجرة وبمنقاره قطعة من الجبن، اشتم الثعلب الرائحة الزكية، فوجه إليه معسول الكلام بقوله : ” يا أمير الغربان، في هذه الأصقاع، لم نر قط وجها أجمل من محياك، فإن كان صوتك في التغريد يضاهي حسن وجهك، ولو بعضه لقلت إنك العنقاء في غابنا هذا ! سر الغراب لذلك القول قرر الكشف عن روعة صوته وفتح منقاره  فسقطت الجبنة منه والتقطها الثعلب علي الفور.

هل يكون المديح أحياناً فخ نقع به حسب الحكاية؟

قال له : ” إعلم يا سيدي إن المنافقين يعيشون علي الذين يبلعون مديحهم، وليست قطعة الجبن بالثمن الباهظ لقاء نصيحة قيمة كهذه” وخجل الغراب من وقوعه فريسة سهلة للثعلب وأقسم، ولو متأخر أنه لن يلدغ منه مرتين أتمنى حقاٍ أن يكون الغراب فهم الدرس جيداً، واللبيب بالأشارة يفهم، اقلب الصفحة وتحت عنوان الذئب والكلب يحكي ل”افونتين” أن الذئب ضمر حتى بات جلداً علي عظم لبراعة الكلاب في إبعاده عن الغنم.

قصة الكلب والذئب

التقى يوماً كلباً سميناً نظيفاً بادي السمنة والعافية فقال الذئب في نفسه: ” جاءني الحظ ! فلأمزقه عضوا عضوا ! ” ولكنه حين أعاد فيه النظر خشي بأسه وأنيابه الماضيه، فابتسم له وتقرب منه، وامتدح شكله وقوامه، فأجاب الكلب لك يا سيدي أن تكون في العافية التي أنا فيها، اترك هذه الأحواش التي تتضور فيها جوعاً عبثاً، تصور لا وجبات منتظمة فيها، ولا نار تأنس إليها، ولا كوخ يقيك الحر والبرد، حيث الصراع لا ينتهي من أجل خبزك اليومي، تعالي معي أضعك في مكان تحصل فيه على نصيبك من طيبات الدنيا وملذاتها.

ماذا دار بين الكلب والذئب من حديث؟

سأله الذئب وماذا تكون واجباتي؟ قال الكلب بسيطة تنهر المتسولين، وتداري أشياء صاحبك وتؤنس أفراد العائلة، أما الأجور فبقايا ألذ الأطعمة وعظام الدجاج والحمام وطبطبة على الظهر باستمرار، ورأي الذئب مستقبله مليئاً بالنعم، حتي امتلأت عيناه بدموع التوق إليه، ولما سارا معاً لاحظ الذئب أثر حك حول عنق الكلب، فسأله ما هذا ؟؟ قال الكلب لا شيئ يذكر !! ولكن ما هذا قال الكلب : ” ياقة الجلد التي تربط بها سلسلتي، تركت هذا الأثر البسيط على عنقي “الذئب مذهولا سلسلتك، إذن أنت لست حراً في الرواح والمجيء؟ قال الكلب أحيانا ولكنه ليس هما صحيح!! قال الذئب الذي هدده الجوع إني اأفض ذلك، قد تكون أسمن مني، ولكني أؤثر حرية إرادتي الحلوة على لذائذ أطباقك كلها، وانطلق راكضاًول عله مازال يركض مؤكداً على حريته ترى ماذا كان يقصد “لافونتين” بقصته تلك؟

اللبيب بالإشارة يفهم

في النهاية أحب ان أختم بهذه القصة الجميلة القصيرة، الذئب واللقلق مضرب الأمثال بالشراهة، هي الذئاب وفي إحدي ليالي اللهو والمأدب، التهم ذئب قطعة كبيرة من اللحم، كاد أن يلفظ بها أنفاسه الأخيرة، فقد حشرت في بلعومه عظمة منعت عنه حتي الصياحومن حسن الصدف أن مر لقلق في الجو رآه يؤشر له، فهبط إليه على عجل، وببراعة الجراح  راح بمنقاره ينزع العظمة من أعماق حلقه، ولما فرغ من مهمته، وأراح الذئب من عذابه طلب منه أجره، فقال الذئب < أتطلب أجرا > ؟! أتمزح ؟
تضع منقارك وعنقك بين حلقي، ثم تخرجهما سالمين وتريد المزيد من الأجر ؟! يا ناكر الجميل…! أطلق جناحيك للريح، قبل أن تحط عليك مخالبي، وأيضاً اللبيب بالأشارة يفهم في الواقع أنت لا تشبع من كتابات لافونتين وأسلوبه الساخر، والمبكي وأعتقد أنك ستبحث عن المزيد من “لافونتين” فور قرأتك لهذا المقال ولسوف تسأل نفسك بعد قرأة كل قصة ما تقصد يا لافونتين؟ أجيبك أنا كعادتي اللبيب بالإشارة يفهم.

فيديو مقال اللبيب بالإشارة يفهم 

أضف تعليقك هنا