الواقع والفن

أظن أن من أكبر الأخطاء في حياتي وفي حياة كل شخص هو محاولته أن يمضي بعكس وبضد تيار الواقع والحياة، لا أقول التغيير لأنه يجب أن يكون مرحلة لاحقة بالعلم وبالزمن معاً، عبر مصارعته للواقع وعبر وضعه أملاً زائداً له وللمستقبل بحيث عندما يسير بعكس ما أمّله يُصدَم صدمة عنيفة ويتأثر سلباً. يجب عليه أن يمضي ويسلّم مع الواقع حيث يجري ويسير في البداية العلمية والزمنية معاً، في أي اتجاه يذهب الواقع نحوه، حتى لو كان ذلك شنيعاً أو صعباً بالنسبة إليه، يجب أن يتقبل الواقع كما هو ويمضي حيث يمضي كي لا يُصدَم.

عليك أن لا تخالف الواقع لأنك لن تستطيع وسيحطمُك

عليك أن لا تخالف الواقع في البداية؛ لأنك لن تستطيع وسيحطمك، عليك أن تتقبله كما هو مهما كان قاسيا؛ حتى تعتاد عليه أولاً وكي لا يخيب ظنك وأملك. يقول سينيكا : “لو أردت نفض كل القلق، تخيل أن ما تخشى وقوعه سيقع فعلاً”. هذا القول يدل بطريقة جميلة أنه إذا أردت أن لا يخيب ظنك وأملك عليك أن لا تتأمل خيراً أو كثيراً بالواقع أكثر من اللازم لأنه قبيح وقاسٍ بطبيعته. فيجب أن تعترف وتتقبل أولاً أن الواقع قبيح وقاسٍ ومليئ بالأكاذيب وخيبات الأمل والعذابات؛ حتى لا تتأثر سلباً إن أصابك مكروه ويخيب أملك. وبعد أن تعتاد وتحكم قبضتك عليه تستطيع تغيير وجهته إلى صالحك بعد أن كنت بقبضته.

ليس الواقع فقط وإنما أيضاً عناصر الواقع

ليس الواقع فقط وإنما أيضاً عناصر الواقع. الإنسان، على سبيل المثال، بطبيعته الغريزية الهمجية وبآليته الحيوية الضرورية التي تصنع وتبني الحضارة وتدمرها في نفس الوقت، تبني وتدمر، وهكذا. وعلى ما أعتقد أن الشئ الوحيد الذي يساعدنا على تقبل قباحة وقساوة الواقع وعناصره هو الفن. الفن بما يحتويه من موسيقى، ودين، وإيمان، وجمال طبيعي أو صناعي أو مبتكر، وأقاصيص وروايات…الخ. كل ذلك مهمته مساعدة الإنسان على تحمل الواقع وعناصره.

أعتقد أن ما يجب أن نتقبله من الواقع باعتباره قبيح وقاسٍ هو ما يمثل الجانب الواقعي من الناحية الفلسفية، وأن الفن الذي يجب أن نخلقه ونسخّره لمساعدتنا يمثل الجانب المثالي من الفلسفة وهو غير حقيقي في أغلب الأحيان لأن الحقيقة تمثل الواقع وهو قبيح وقاسٍ كما سلف. لذلك، يجب أن يكون الفن مثالياً وغير حقيقي، مصطبغ بصبغة الخيال والدراما الإبداعية الخارجة عن حدود الحقيقة بالطبع، لأنها تمثل الواقع القبيح.

يُشرط أن لا تطغى مهمة الفن على الواقع

بشرط أن لا تطغى مهمة الفن على الواقع بحيث نجعل الفن حقيقة مسلمة بها تأخذ دور الواقع في ذلك، ليكون ذلك حجاباً زائفاً وتضليلاً لنا عن الواقع وحقيقته القبيحة. يجب أن يكون هناك قدراً وحدّاً معيناً للفن لا يتجاوزه كي لا يأخذ دور الواقع في احتواء الحقيقة، وكي لا يكون ذلك تزييفاً وتضليلاً لنا عبر اعتبارنا للفن حقيقة مسلمة بها، أي أن تكون حقيقة ثابتة قطعية لا يمكن تغييرها أو تجاوزها، وذلك يكون عبر رسم وإنشاء المنهج الإجتماعي الذي نكوّنه ونسير عليه والذي يجب أن يكون جزءاً من الواقعية التي تُظهر الحقيقة بغض النظر عن قباحتها وقساوتها، وليس جزءاً من الفن الذي يجب أن يكون جزءاً من المثالية التي تحتوي الخيال والإبداع حتى تساعدنا على قساوة الحياة وأعباءها.

الأدب والفن السريالي

الأدب والفن السريالي، هو أكثر إتجاه يعجبني عن بقية المناهج الفنية الأخرى، لأنه الأكثر عناية بمحاولة الخروج عن أنماط وأشكال الواقع القاسي والحقيقة المعتادة والمبتذلة، المعروفة والبسيطة لدى الجميع، إلى خلق الخيال والأنماط الخارقة والخارجة عن حدود العقل وإطاره المبتذل من القواعد والأحكام، الذي كوّناه جميعاً وفقاً لما أمْلته علينا طبيعة المجتمعات التقليدية الجافة التي نشئنا وتعلمنا بها، إلى الطريقة التي تخلق معنى الإبداع الحقيقي الخارج عن جميع الأنماط المعتادة. السريالية كلمة مُشتقة من الفرنسية (Surréalisme) وتعني “الفوق واقعيّة”. يعبّر مؤسس الحركة السريالية أندريه بريتون عن روح هذه الحركة بقوله : “السريالية هي التلقائية النفسية في أنقى أشكالها، والتي يحاول الإنسان التعبير عنها من خلال الكلمة المنطوقة والمكتوبة، دون الإهتمام بأي أحكام جمالية أو معنوية”.

فيديو مقال الواقع والفن

أضف تعليقك هنا