تحقيق حالة من الرفاه النفسي والمرونة خلال فترة الحجر الصحي المنزلي

مع انتشار جائحة كورونا COVID-19، وتكثيف الجهود من أجل تسطيح المنحنى عبر أخذ مسافة مادية بين الأشخاص، وجد الكثيرون منا أنفسهم في الحجر الصحي المنزلي، حيث العزلة الجسدية والتغير المفاجىء الصادم في جدولنا اليومي مما سبب لنا إرباكاً وإزعاجاً وتطلب منا ممارسة الكثير من مهارات التأقلم والتكيف التي تختلف من شخص لآخر، أدى هذا الأمر أيضاً إلى ظهور مكونات ثقافية جديدة (سلوكيات وأفكار) بشكل عفوي للتعامل مع مخاوف الجمهور والتكيف مع القيود المفروضة على الحياة اليومية بما يتضمنه ذلك من عملية تراكمية تطورية عميقة لضمان بقاء النوع البشري في زمن انتشار الأوبئة.

كيف نساعد أنفسنا على التأقلم مع الحجر المنزلي؟

يتطلب التكيف مع فترة التواجد في الحجر الصحي عملاً فريقياً من قبل الأشخاص المتواجدين معاً في الحيز المكاني نفسه، إنه ليس بالأمر السهل ويتطلب جهداً كي يخرج الأشخاص من هذه التجربة أصحاء محافظين على علاقاتهم مع من يقيمون. الأمر لا يتعلق فقط بإدارة قلقنا واحتياجاتنا، إنه يتعلق أيضاً مع شخص/ أشخاص آخرين مع ما لديهم من هواجس ومخاوف وحاجات، في كل دقيقة من كل يوم في مكان ضيق محدد ولفترة زمنية غير معلومة.

قد تكون التجربة مرهقة للبعض وضريبية إن لم يتم التعامل معها بشكل جيد وناضج، وقد تكون أسهل للبعض الآخر تبعاً للمهارات الحياتية التي يتحلون بها ولانفتاحهم على التعبير عن ذواتهم بشكل أكثر أريحية، إلا أن تجربة الحجر الصحي شئنا أم أبينا تعبث برؤوس الجميع، مشاعر متعددة تطفو على السطح من آنٍ لآخر خلال هذه الفترة كمشاعر الملل، الإحباط، الوحدة، الغضب، التوتر وقد يكون بعض الاشخاص أكثر عرضة لمشاعر القلق، الاكتئاب والاجهاد اللاحق للصدمة.

ما هي الأمور التي تساعدنا على تحقيق حالة المرونة النفسية؟ ما هي المرونة النفسية؟ وما هي الممارسات التي تساعدنا على تحقيق هذا الأمر؟ هي أمور سأقوم بمناقشتها عبر هذا المقال.

ماهو تعريف المرونة من نظرة علم النفس؟

المرونة Resilience هي العملية التي تتيح للأفراد التكيف مع الظروف المعاكسة والتعافي منها، وتعرف الجمعية الأميركية للطب النفسي The American Psychological Association (APA) المرونة بأنها ” عملية التكيف بشكل جيد مع الشدائد، الصدمة، المآسي، التهديدات أو مصادر الضغط الكبيرة مثل مشاكل الأسرة والعلاقة أو المشاكل الصحية الخطيرة أو مكان العمل والضغوط المالية” المرونة عادية وليست أمراً استثنائياً  حيث توضح APA أن المرونة جزء من المسار الطبيعي للفرد الذي يواجه الشدائد مع الاعتراف في الوقت نفسه بأن هذه العملية يمكن أن ترتبط بضائقة عاطفية كبيرة Emotional distress، وهناك عدة عوامل تساهم في إعلاء هذه العملية وتحقيقها: الضبط الذاتي، التأثير الايجابي، التفاؤل والدعم الاجتماعي، وعلى كل حال، فإن المرونة ليست سمة يمتلكها الأشخاص أو لا يمتلكونها إنها تنطوي على سلوكيات، أفكار وأفعال يمكن تعلمها وتطويرها من قبل أي شخص.

ماهي المماراسات والطقوس اليومية التي تقلل من حدة الملل؟

الوعي الذاتي والنظر إلى الداخل: حيث من الضروري ان يعرف الشخص نفسه جيداً ويشخص وضعه بشكل واضح، أن يعرف فعلياً ما يريد وخاصة عند الاختلاف على أمر ما: أن يحدد مشاعره، ما الذي يريده بالضبط وأن يقول ذلك بدلاً من إبداء ملاحظات غريبة لأمور تطفو على السطح ولا تعبر عن الحقيقة.

على سبيل المثال: قد تغضب لعدم إخراج فلان للقمامة، إلا أن المشكلة الحقيقية هي الشعور بالتجاهل وعدم الأهمية وهو ما لا تجرؤ على التعبير عنه وتظهر انفعالاً مبالغاً به لا يتناسب وموضوع إخراج القمامة بدلاً من التعبير عن الموضوع الأساسي ووضعه في عبارات واضحة، بمعنى آخر كلما كنا أنضج وتصرفنا كبالغين، كلما كان ذلك أفضل

إعادة ترتيب المكان: رغم أننا معتادون على مشاركة المكان، إلا أن فترة الحجر لا تشبه قضاء عطلة نهاية الأسبوع، فمن المهم التفاوض حول كيفية تقسيم المكان والزمان، فالحصول على وقت منظم يخفف من الشعور بأن الشخص تحت المجهر والمراقبة باستمرار، أو بأن الآخرين قد يقتحمون مكانه بشكل مباشر، يمكن ان يتم الاجتماع العائلي أو بين رفاق السكن في فترات معينة لقضاء وقت مشترك: مشاهدة فيلم، مشاهدة نشرة الأخبار، اللعب معاً لبعض الألعاب، إن ذلك يعطي للأشخاص فرصة للتفاعل اجتماعياً لفترة منظمة ويعطيهم المساحة للعودة والتراجع إلى مساحاتهم العملية و/أو الخاصة.

إيجاد تحديات جديدة: تعلم لغة جديدة، قراءة مجموعة من الكتب، تعلم لعبة جديدة جماعية وممارستها مع قاطني المنزل، على أن لا تكون التحديات خارجة عن الإطار المعقول كي لا نشعر بالذنب بشأن إضاعة الوقت.

الإيجابية وأثرها على ردم الملل

شحن الجو بالايجابية : حتى لو كان ذلك يعني البحث عن الايجابيات عن عمد وترك الأشياء الصغيرة تمر، حيث أن الملاحظات السلبية قد يكون لها تأثير يستمر لفترة طويلة ويحتاج الى الكثير من الجهد كي يتم التغلب عليه. قد نجد أحياناً أن خزان الايجابية لدينا قد بدأ يخف وخاصةً في بعض لحظات الضغط الكبير، وربما نكون بداخلنا قد اتخذنا قراراً بعدم جدوى العلاقة مع شخص ما او بصعوبة التعامل مع شخص ما، الا ان القرارات المصيرية يجب أن تؤجل الى ما بعد زوال مرحلة الضغوطات النفسية لاجراء تقييم واضح لما نريده حقاً وما اذا كان الشريك / الصديق / …. قادر على تقديمه لك فالحبس المشترك هو اختبار لمدى التوافق والقدرة على تلبية الاحتياجات النفسية لبعضنا البعض.

كيف يؤثر التواصل مع الخارج في ظل الحجر المنزلي؟

التواصل مع الخارج: إن المطلوب هو مسافة مادية آمنة وليس مسافة اجتماعية آمنة، فنحن نحتاج للحفاظ على التضامن الاجتماعي بينما نحافظ على المسافة المادية، يمكننا التواصل مع الأهل، الأصدقاء، الجيران عبر الوسائل التي تضمن أماننا وهي متاحة كتطبيقات الواتس آب و الفايس بوك وغيرها.

خفض سقف التوقعات: نحن في ظروف غير عادية التعطل عن العمل، العمل من المنزل مع فريق عمل قد يتضمن أشخاصاً لا يجيدون هذه الطريقة بالعمل، فمن الممكن أن لا نصل في نهاية اليوم الى بريد صفر أو ننجز كل المهام اليومية أو أن نقوم بتعليم الأطفال في المنزل جميع الواجبات اليومية إلا أننا بصحة جيدة، والأطفال ما زالوا محبوبين وحيويين قبل موعد النوم، ما يهم فعلاً هو ما هي أولوياتنا في هذه اللحظات وما الذي ينبغي التركيز عليه.

التمتع ببعض الهواء النقي وأشعة الشمس: الطبيعة والهواء النقي وأشعة الشمس جيدة لأنظمتنا العصبية والجلوس في ضوء الشمس لمدة 10 د.، مشاهدة القمر وهو يرتفع، حتى ولو لم يمكننا الخروج جسدياً يمكن فتح النافذة للهواء النقي، الجلوس على الشرفة ووضع بعض الزهور لاستنشاق عطر جميل.

الرياضة وأثرها على الطاقة الإيجابية

تحريك الجسد والتعامل معه بألفة: هناك علاقة كبيرة ما بين الخوف والقلق وما بين الجسد وما يختزنه من تشنجات، يمكن لممارسة بعض الرياضة أو تمارين اللياقة أو الرقص أو التدليك اليومي أن يحسن من حالتنا المزاجية، كذلك فإن الحفاظ على الصحة الجسدية عبر الغذاء الصحي المتوازن يمكن أن يمنحنا الصورة الجسدية التي نحب مما ينعكس على حالتنا المزاجية أيضاً وإبداع الجمال والاستمتاع به حيث الجمال ترياق قوي لليأس، إن إدراك الجمال وإدخاله في حياتنا هو تأكيد للحياة التي لا تزال موجودة وتستحق القتال من أجلها، يمكننا خلق ثقافة البقاء في الأوقات الصعبة أينما وكيفما اتفق، الكتابة عن تجربتنا، عن آرائنا، عن حياتنا لمن لديه موهبة الكتابة، الرسم، الغناء، الزراعة، الطبخ،…

تقديم يد العون والعطاء وذكر الله من أسباب السعادة

العطاء ولو كان قليلاً: يمكننا العطاء بأشكال مختلفة منها المادي ومنها المعنوي ومنها الثقافي ومنها التطوعي، حيث يمكننا تقديم وقتنا عبر الإنترنت للعمل على موضوع معين بشكل طوعي، أو تقديم الدعم المعنوي والعاطفي لاصدقائنا وخلق شبكات اجتماعية أو تقديم صدقات ومعونات لمن نعلم حاجتهم لها، في العطاء لذة حيث تنتقل فرحة الإنجاز وفرحة الآخر الذي أعطي إلينا بشكل تلقائي.

الدعاء والصلاة: إن التواصل الروحي والشعور بوجود قوة كبرى مطلعة على مشاكلنا وقادرة على فهمنا ومساندتنا، قوة عظمى قادرة على تغيير أحوالنا يمنحنا الإحساس بالطمأنينة والسلام النفسي وكل ما ذكرت هو بعض لممارسات يمكنها أن تساعدنا على التأقلم مع الظروف الغير اعتيادية التي نعيشها، كما تمنحنا القدرة على إعادة بعض التوازن والإحساس بالسيطرة على الأمور إلى حياتنا مما يساعدنا على تحقيق المرونة وتحسين حالة الرفاه النفسي لدينا.

فيديو مقال تحقيق حالة من الرفاه النفسي والمرونة خلال فترة الحجر الصحي المنزلي

أضف تعليقك هنا