توفيت أميمتي – #قصة

لم يعد لي جسداً…
مات جسدي في الساعة السادسة والنصف صباحاً، من بعد أن أنهكته الحياة، نهضت أنا الروح على رؤوس أصابعها، خرجت شفافة من هدأة جسدها، كانت معركة مجهولة عند أصل البقاء دارت قبل أن تتلاشى بيني و بين الجسد، توزع نبضات قلبي عليّ.

ماتت أميمتي ماتت محاربتي الصغيرة

اقتربت من أنفها بأذنين مرتابتين، لا تتنفس، لمست يدها ،باردة، وقلت بصوت خافت:
ـ ماتت
رأيت أمي وقد جعلت الدمع يقفز من عينيها، قال لها أخي على الرغم من الأسى الذي يكبر شيئاً فشيئاً:
ـ يجب استدعاء الطبيب ليؤكد ذلك قبل ان نعلن وفاتها. اتصل بالطبيب وبأخوتي ، شعرت انهم بحاجة الى المواساة، ورغبة في البكاء، بعد عشرة دقائق بدأ الرجال والنساء يتوافدون، وكان كل من يأتي يجد نفسه محاطاً بالبكائين، فيفعل مثلهم، وأيضاً أخواتي كل واحدة تندس بين ذراعي الأخرى، وتسند رأسها على كتفها، وتبدآن بالبكاء الطويل، بعد نصف ساعة قدم الطبيب وأكد أنها متوفاة، قبل أن يهز جثتي ،وما گاد يلفظها حتى انتقلت النساء في آن واحد بدوي قوي، متحلقات حول هذا الشيء… حول جسدي الذي تركته.

لقد متُّ و هل ينفع العزاء؟

عندئذ احسست بحاجة للبكاء لأن أذرف دمعاً لكني أصبحت روحاً، فرؤية كل هذه الأشياء، ورؤية جثتي أمامي، وهي مغمضة العينين، وإحدى صديقاتي التي كانت تولول بحرقة وهي تهز رأسي…
ألا أن ذلك لم ينفعها بأي شيء، لقد متّ
عندما وصل الشيخ وواساهم معزياً: ـ العمر لكم …

أنا ما بين الروح و الجسد

قال لهم الشيخ أيضا إنها تعيش الآن في نظام آخر، ويجب أن ننهي كل شيء لنقلها إلى هناك، أسلموا أمورهم له واتبعوه إلى داخل البيت، كان الصالون مزدحم بالنساء، كلف إحداهن بغسلي وتكفيني، بينما وقف هو خارجاً، يقدس بالأدعية، ثم وضعوني في تابوت، ونقلوني إلى غرفة التسجية، بينما كنت أتابع أسرتي انتبهت إلى أنة قاسية قادمة من الصالون، لا بد أنها إحدى أخواتي، توقف الكل عن الهمهمة عندما بدأ الشيخ بقراءة الصلوات علي

وراسي جهة القبلة، ووجهي مغطى بالكامل، كانت تفوح مني رائحة طيبة، خليط من الآس والخل، من المؤسف أنني لا أستطيع وصف شعوري، كنت شرد أحياناً وأنا اتفحص جثتي ملقاه أمامي، و لوهلة شعرت أنها تتابعني هي الأخرى و عليها ابتسامة مرتسمة وتتخيلني أطفو على غيمة من النور، أصعد إلى أعلى، مستسلمة إلى السعادة الأبدية، ثم وعلى صوت أنة قوية أعود وإتابع دعوات الشيخ النموذجية، خلط وتشويش، بين نظامين، نظامي الروحي الذي أصبحت انجذب إليه و أتطلع له بشغف و نظامي الجسدي الملقى أمامي ومن الصعب أن تكون فيه متوازناً

ودعت الأحبة و فاضت روحي إلى بارئها…

طلب الشيخ من أحد أقاربي أن يحملوا التابوت إلى المقبرة، في هذه اللحظة شعرت أن الحزن يبدل صوته بشكل فظيع ، بدأت جلبة العويل، لا أعرف كيف أعبر عن حزني عندما شاهدت جنازتي تسير إلى المقبرة، لكني رأيت وجهاً آخراً لجسدي أكثر صفاء، كما لو كان في فسحة ولادة، تنفست بعمق كأنني اندمج مع ولادتي الجديدة، تخيلت نفسي في حضن أميمتي أعانقها بقوة وهي تحتفظ بأوج جمالها وحنانها وعظمتها، قبل أن يواري الثرى جثماني الطاهر… و قبل طلوعي إلى عالمي الجديد تحدثت مع كل قلب قد احتوى قلبي يوماً ما وقلت لهم :
ـ لن تجدوني بعد اليوم إلا في قلوبكم.

فيديو مقال توفيت أميمتي

 

 

 

أضف تعليقك هنا