حربُ الذكريات

بقلم: مها الطيب

الماضي ما بين ذكريات مؤلمة وذكريات سعيدة 

إن الذكريات كبوقةِ صائغ يُسيل منها الذهب، الذكريات كَبائع ورد تائه لا يعرف أين يذهب، الذكريات كَـطفلٍ رضيع إذا بكىٰ لا يسيل منه الدمع، الذكريات كـَ النار الموقدة فإذا اطفِئت لم يتبقَ منها سِوى رماداً لتبقىٰ أنت جالساً في المكان نفسه تتطاير مع الأوراق الذكريات، وتقلب صفحات الماضي وتتذكر أشخاصاً ذهبوا مُنذ سنين، ولم يتبقَ منهم إلا الذكريات الجميلة والذكريات المؤلمة، نعم جميعاً ذهبوا لكن لم تذهب ذكرياتهم، ذاكرتنا متمسكةً جداً وبإصرار شديد في تلك الذكريات متمسكةً في ذكريات الماضي كريهة المنظرة المؤلمة الموجِعة.

أما الذكريات الجميلة سوف نكتب عنها في مفكرتنا كي لا ننساها، عندما نريد أن نتذكر لا يأتي في ذاكرتنا سِوى الذكريات المؤلمة التي لا نريدها، لكن الذكريات صامته بين القلب والعقل هناك صراع شديد بين القلب والعقل، القلب يُريد والعقل لا يُريد، فجأة يعمُ الهدوء والسكون بين القلب والعقل، ويدقّ ناقوس الحزن المرير والاشتياق الضرير، لأن الاشتياق كُتب عليه أن لا يرى الأحبة يالها من دُنيا، دُنيا تختصر ذاتها لتكون عبارة عن محطات الألم، تقف فيها وتنتظر عودتهم، وهم أيضًا يقفون فيها وينتظرون عودتنا، وبين محطات الألم ومحطات الحياة تتلاشى الحياة لتبقى مجرد حروف في ورقة ممزقه، ومن ثمّ يأخذنا الشوق والحنين، وتأخذنا الذكريات لنرحل مع أرواحهم بالحُب وحِلم اللقاء.

كنا يوماً معاً

كان هذا الحُب والتسامح والرقه، كل هذا من أجل أرواحاً احتضنونا يوماً فشاركونا الأحزان والأفراح والدمعات والضحكات، شاركونا كل تلك الأحاسيس، كم قضينا السنين معاً! هل هي سنة أم اثنين أم ثلاثُ سنوات؟ لقد تشاركنا جميع تفاصيلنا معاً، كنا نتشارك احزاننا معاً نتفق، ونختلف، نغضب، ونرضى، نتبادل أطراف الحديث، نبكي معاً ،ونضحك معاً نتبادل الذكريات الجميلة، وثمّ أتت ذلك الغيمة السوداء أمطرت علينا بألم الرحيل والفراق ضاق بنا هذا الكون.

الموت يفرق الأحبة ولا يبقي إلا الذكريات والآلام

كُنتِ خائفه جداً بأن يأتي ذلك الشبح المُخيف، دائماً كُنتِ أخشى أن يحدث ذلك، إنه شبح الرحيل الذي يأخذ منا أعزَ ما نملِك يأتي فجأة لينزع فرحتنا ويذيقنا الألم ليخطف منا ضحكتنا ويكسر ما بداخِلنا، يذهب ويترك مساحة مؤلمة اسمها الذكريات، مساحة من الذكرى الدامعة، ويعلن القلب لباسهُ الأسود، ثمّ تتذكر جميع تفاصيلهم تتذكر التفاصل المخبأة التي تضيع في زحام الذكرى، وتتذكر الأماكن القديمة التي كُنتم تمروها معاً حين تطبع صوراً واضحة وصغيرة جداً تطبعها في مخيلتك، هم حقاً رحلوا ولم يتركوا شيئاً سِوى الذكريات، لم يتركوا سِوى بقايا ماضي.

لم يتركوا سِوى رائحة عطر لا تُنسى وصوتاً نتمنى سماعه وحضن نفتقده، حُب يكبر كل يوم ويقتل مافي داخلك، وصور تُبكي، وشوق لا يرحم، دموع لا تجف، وأوراق مُمزقة، وألم لا ينتهي، هناك منزل خالٍ مليء بالذكريات المؤلمة.. مليء بالصور تقتلنا بين الحين والآخر، لم يعد النسيان ممكناً لقد هَزمنا الشوق هَزمنا الحنين، وعندما نريد أن نذهب من هذه الذكريات أن نهرب إلى مكاناً ما لا يذكرنا بشيء،وفجأة تُذكرك اغنيةً او مكاناً، وفي بعض الأحيان تأخذنا زحمة الحياة وتشغلنا، وتأخذنا الظروف إلى حين لا ندري وكل منا يبحث عن الأستقرار والعيش بسلام ،ومنهم من يشغله عمله، لكن رغم هذا وذاك لن تنسى وعندما تأتي أن تغفوا قليلاً تحدث حرباً في رأسك اسمه ”حربُ اذكريات”

بقلم: مها الطيب

أضف تعليقك هنا