سلوك منظمات الرعاية الصحية في ظل وباء كورونا

من الصعوبة بمكان أن نطرح أسئلة ترتكز على تشخيص الجوانب المشرقة في تفشي هذا الفيروس التاجي، في ظل سوداوية المشهد والهجوم الشرس لفيروس كورونا على غالبية دول العالم والخسائر البشرية والمادية والفنية التي شكلت مشهدا بائسا يجمع بين الجائحة البيولوجية وضعف القدرات البشرية أمام هذا التحدي، ففي الوقت الذي اعتدنا أن نعيش بمنطقة الراحة والأمان وحرية التنقل وقضاء الحوائج في حرية مطلقة من دون تقييد أصبح الأمر معكوسا حيث سلبت منا بسبب هذه الأزمة حريتنا مما عكر صفو الحياة، الأمر الذي فرض علينا تكييف قدراتنا للتعايش مع الأزمات حتى نجعل فرص نجاحنا أكبر مما يحتم علينا تقبل الواقع والعمل وفق ظروف وشروط مقيدة لحريتنا ولكن ضابطة لها في أغلب الأحيان.

التحديات التي واجهتها منظمة الصحة العالمية في ظل انتشار وباء كورونا

ففي مقدمة المنظمات التي تواجه التحدي غير المرغوب فيه صحيا واجتماعيا واقتصاديا منظمات الرعاية الصحية وراسمو السياسات الصحية ومهني الصحة بمختلف تشكيلاتهم وتخصصاتهم، في الوقت الذي تم تسريح أغلب موظفي الهيئات الأخرى عمومية أو خاصة حفاظا على أرواحهم ومنعا لإعطاء الضوء الأخضر لهذا الوباء الذي يفضل الانتشار وسط التجمعات البشرية وانعدام وسائل الوقاية، تصدر مهنيو الصحة مشهد المواجهة وتم تجنيدهم طوعا أو قانونا – حياتهم على المحك من أجل إنقاذ وصون حياة المواطن- تلك مهنتهم وأحد أنبل الأهداف التي يعيشون لها ضمن نسيجهم المجتمعي الذي هم جزء ذو قيمة فاصلة فيه.

بطبيعة الحال لا يمكن أن تكون مجهودات وتضحيات مهني الصحة محل نقاش أو نسيان مدى الحياة نتيجة ما يقدمه هؤلاء للبشرية جمعاء إن على المستوى الطبي المرتبط بإنقاذ حياة الناس، أو على المستوى التقني والوقائي بتعليم الناس أسس الوقاية وزرع الثقة والطمأنينة في صفوف العامة من الناس وحتى من جيل المثقفين الذين أقعدهم الفيروس المستجد عن ممارسة حياتهم الطبيعية والخاصة في أن واحد.

تتصدر منظمات الرعاية الصحية المشهد العالمي اليوم رغم التعقيدات التي تميز عمل هؤلاء الطاقم الطبية وشبه الطبية والتنظيمية وطواقم الدعم والمساندة والخصوصيات الفنية والتقنية وما يصاحبها من ضغط نفسي واجتماعي ضمن دائرة الاهتمام الكبير من مختلف فئات المجتمع حول مخرجات ونتائج عمل هذه الطواقم، التي لا يمكن إغفالها حيث نتائج عملهم محط أنظار الهيئات المسئولة والسلطة المجتمعية التي تعاني الخوف والقلق.

المهم هنا، أن هذه الجائحة العالمية في غضون بضعة أسابيع ستعيد رسم ملامح عالم جديد يتشكل على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والبيئية والصحية والثقافية، فمن الواضح أنّ وباء كوفيد-19، بمدى اتساعه وخطورته، يرقى إلى مستوى تهديد للصحة العامة ويمكن أن يبرّر فرض قيود على بعض الحقوق، مثل تلك التي تنجم عن فرض الحجر الصحي أو العزل الذي يحدّ من حرية التنقل ،فالإجراءات البسيطة للوقاية التي أصبحت ضرورية حتمية كممارسة وصولا إلى إعادة ترتيب أولويات منظمات الرعاية الصحية وإعطاء الأولوية للإنفاق على الوقاية وتوطين الإجراءات الاستباقية لحماية النفس البشرية من الهلاك بمثل هذه الجائحة وصولا إلى تركيز العمل على البحث العلمي في إدارة وتسيير هذه المنظمات.

ما الأساليب التي كان على منظمات الرعاية الصحية اتباعها لتدارك خطر انتشار فيروس كورونا؟  

وضع خطط مسبقة لمواجهة الأزمات المتوقعة 

كيف يمكن للسياسة أن  تقتنع بالفعل الوقائي وبدور الهيئات الصحية -متصدرة المشهد- في الحفاظ على أمننا الصحي؟ سؤال يجب أن نعيد طرحه على المستوى الفكري والتقني البحت، حيث يجب أن يعاد النظر جذريا في تصميم وهندسة منظومة صحية تضطلع بطموحات- أمال وألام المجتمع- وتستجيب للظروف الطارئة حين الأزمات، فما أحوجنا لقراءة علمية متأنية من ذوي الاختصاص وذوي الخبرات فنية قانونية أو تقنية كانت لقدرة المنظومة الصحية على تخطي ومواجهة هكذا أزمات، حيث لا شيء يبدو مجانيا والمقصود الحرب الخفية بل والمعلنة التي وصلت حتى سرقة وسائل الوقاية والقرصنة المعلنة التي تداولتها بعض وسائل الإعلام، مع ذلك فإن قراءة  الأمر سياسيا يحيلنا إلى مركز اتخاذ القرار الذي يجب أن يصدر عن السلطة السياسية يقينا منها بضرورة إشراك السلطة الصحية في رسم المعالم الجديدة للأمن الصحي للبلد.

ضرورة صناعة أدوات قادرة على مواجهة الأزمات

الحرب ليست ميدان للعسكرية فقط واستعمال أفتك أنواع الأسلحة لتدمير البنى التحتية وتقتيل البشر، فالأمن المرتبط بحياة الناس وحمايتهم وهم في منأى عن استعمال السلاح بالمفهوم الكلاسيكي يحيلنا إلى مفهوم جديد قديم الأمن الصحي بالمعنى الواسع ضمن سيرورة إثبات الوجود وفرض سطوة الأمم وفاعلية وجودها، نحن بأمس الحاجة إلى إعادة صناعة أدوات تفوقنا الأمني صحيا واقتصاديا وسياسيا.

اتخاذ قرارات مرتكزة على أسس علمية وقراءة صحيحية للوضع القائم

فتخطيط سلوك منظمات الرعاية الصحية وقت الأزمة لم يكن استباقيا كما يجب بل نحن أمام المدخل الارتكاسي الذي يكون معاكسا لمدخل الاستباقي لإدارة الازمات فهو يتفاعل مع الأحداث ويستجيب للمبادرات من منطلق رد الفعل وغير منظم ولا يستبق الأحداث وهو يشبه إلى حد كبير المدخل التراكمي الأمر الذي يجعل سلطة الحلول مفروضة بدل المبادرة وهو ما يعطل القدرة على توجيه الجهود.

فالتنبؤ بسلوك هذه المنظمات يسعى لتحديد النواتج المترتبة على تصرف معين، واعتمادا على المعلومات وتحليل البيانات، يمكن  أن نتعرف على المداخل التي يكون تجعلنا قادرين على القراءة الصحيحة للوضع القائم -في ظل هذه الجائحة- ما يمكننا من اتخاذ قرارات صائبة ترتكز على أسس علمية وليست شعبوية ويمكننا حينها الاعتماد على نظرية حد الأمان ما بفرض علينا معرفة المناطق الضعيفة التي يمكن للأزمة أن تخترقها ومن ثم احتياطيا تعبئة كل الإمكانيات الوقائية لمواجهة الأزمة.

المحصلة أن قدرة منظمات الرعاية الصحية على اكتساب عادات جديدة تمكنها من مواجهة الأزمات الصحية الطارئة تعتمد على سلوكها ضمن محيطها الداخلي التي ترتكز على مقومات علمية ومالية ومهارات تقنية لمقدمي الرعاية الصحية، الأمر الذي يحتم عليها القراءة الفاحصة لمكونات محيطها الخارجي والاستفادة من التهديدات وتحويلها لفرص نجاح ومكاسب بالمعنى الاقتصادي للصحة.

المراجع:

فيديو مقال سلوك منظمات الرعاية الصحية في ظل وباء كورون

أضف تعليقك هنا