صراع الحب والأنانية

إذا ما أردنا أن نفهمَ فِطرةً شُوّهَتْ، فإننا نلجأ إلى مراقبة أجدادِنا البشر الأوائل، هناك حيث الطبيعة الإنسانيّة الخالِصة بلا تكلُّفَ أو حذف مشاهد.

صراع الحب والأنانية أيهما الغالبُ؟

قد يكون حب الإنسان لعائلته عظيمٌ، ولكن إذا استدعى الأمر أن يقتلَ الإنسان أحدًا منهم -خشية الموتِ جوعًا مثلًا-، فإنّه ببساطة سيقتله ويأكله، تمامًا كما فعل البشر لمّا اقتضت ضرورة البقاء أن يفعل ذلك، وفي كتب التاريخ من الأمثلة الشيءُ الكثير، والجوع ليس المثال الوحيد، بل إن أول حادثة بشرية من هذا القبيل، كانت لابنيْ آدم، حين قتل الأخُ أخاه، حسدًا؛ لأنّ الله تعالى تقبَّل القربانَ من الآخر ولم يتقبل منه، و رغم رابط الأخوة المحكومة، إلا أن الأنانية طغَت في هذا الموقف، ممّا أدى إلى ارتكاب أول حادثةِ قتلٍ عرفتها البشرية.

ماهي صور ذاك الصراع؟

من جهةٍ أخرى، حين يجتمع الحب والأنانيّة بالشخص ويتعادلان فيه، فإن ذلك يؤدي إلى علوّ الرغبة في التملُّك والتفرّدِ بما يملك، حبًّا بما فيه يده، وأنانيةً عظيمة تسود عقله، والسؤال الآن.. ماذا إذا طغت الأنانية؟
إذا سمع شخصٌ في مجلسٍ، قصةَ نجاحٍ لآخرَ، أو سمعَهم يمتدحونه، فإنه إما:
-سيشعرُ بالفرح ويدعو له بمزيد من النجاح
-أو قد يشعُر بالغضب الشديد لسماعه هذا.
فلماذا يحدث هذا الانقسام؟…

لماذا يختلف الناس في تعاطيهم مع نجاح غيرهم؟

بعض الناس عندما يسمعون أو يرون نجاح شخصٍ آخر، يغضبون، فهم يرون أن القدَر ظالمٌ، وأن ميزان الحياة قد رجح لغيرهم، لا لهم، رغم عدم وجود سبب ظاهري لهذا، فيزعمون أنّهم مظلومون ومحرومون من كثيرة من النعم، والتي لو كانت عندهم، لكان حالهم أفضل بكثير رغم معاناتهم في الحياة، -هذه الحياة التي لا تُدني منهم إلا المصائبَ والويلات-، ومعاناتهم كيْ يحصلون على ما في يد الآخرين، إلا أنهم لا يدركون ما تتمنّاه أنفسهم، فنجاحهم يأتي بعد تعبٍ طويل، أما نجاح غيرهم -بنظرهم- فقد أتى لهم سائرًا بلا حولٍ منهم ولا قوة،

و بتخمينٍ آخر؛ إنهم يرون أنّ الآخر يستحق فعلًا الوصول إلى ما رامَ إليه، لكن ذلك سيحجب الأنظار عنهم، وهذا ما لا يريدونه، فبطيعة الإنسان أنّه يحب الظهور، ويحب أن يراه النّاس ويلحظون وجوده، بل إن الأمر قد يصل إلى أن لا يبالي إن كان هذا الظهور سلبيًا أم إيجابيًا، المهم أن يكون له فسحة مضاءَة في هذا العالَم، فتجده يفتعل القول والفعل لينتبه له الناس، وهنا ظهر مفهومٌ آخر وهو (الحسد).

ما دور الدين بصراع الأنانية والحب؟

دَوْرُ الدِّين في هذا الموضوع يكمن في تعميق معاني الرِّضا، فاكتساب الرِّضا، ليس أمرًا هيّنًا، ولا بسيطًا، لذا، فأحد أركان الإيمان، هو الإيمان بالقدَر، ليس خيره فقط، ولكنْ خيره وشرّه، وإذا ما انزاح هذا الركن، فسيميل الإيمان، ويضعفُ ويبهتُ، ومعه تضعف النفس وتبهت، و تخرج فطرةُ الإنسانِ عن القيودِ، فلا يطمَئِنُّ على رزقه، وتصل به إلى أن يرى غيرَه من البشرِ أسبابًا في منع وصول رزقِهِ إليه، فيكفّ عن حسن ظنه بهم، وفي هذا الوقت، تكون الأنانية قد آتت أكلها، فلا يستتبّ شره، ولا يهدأ حاله إلا بزوال النعم عن غيره.

فيديو مقال صراع الحب والأنانية

 

 

 

أضف تعليقك هنا