ضئيلُ الحجم متعاظم الأثر

بقلم: علي السبيعي

خَفيٌ من ضآلة حجمه لا يُرى، ليس لصاً يحاول أن يسرق منزلك أو مجرماً يريد قتلك لنهب ما معك، أو جندياً يحمل بندقيته ليطلق النار عليك أو طائرةً تحوم في السماء لتقصفك أو دبابةً تهتز في مشيتها لتقذفك، قد تظن أنه أحد الأسلحة الحديثة والمتطورة في تخفيها كطائرات الدرونز مثلاً.

مازال هذا الفيروس يملؤ الدنيا ويشغل الناس

أو كبسولات صغيرة حائمة تخترق رأسك أو أقماراً صناعية ترسل موقعك لمن ينهيك، أو تقنيات ليزرٍ حديثة تقضي عليك بأشعتها أو أحد الأسلحة البيولوجية أو نوعا من السموم التي قد توضع في أكلك، حتى هذه اللحظة قتل هذا الضئيل الذي لا يكاد يُرى أكثر من 100 ألف شخص على مستوى العالم ولازال يصرع ضحاياه.

متجاوزاً ضحايا قنبلة ذرية كانت سقطت على اليابان، تكاثَر حتى غصت بضحاياه ثلاجات الموتى وخشيت المستشفيات من استيعاب مرضاه، ليس له حيز أو حجم يتناغم مع قدرة يديك للامساك به، أو لحُراسك للفتك به أو أسوارك العالية لمنعه من اعتلائها أو خطوط الليزر الحديثة التي تدوي بإنذاراتها للقبض عليه أو الكاميرات الحرارية التي تصور دبيب النمل للكشف عن وصوله، فشلت أعتى الأنظمة الأمنية والعسكرية في مواجهة انتشاره لا أساطيل بحرية ولا طائرات أو صواريخ تنفع لإيقافه، خفيٌ يتسلل داخل جسمك من ممر تنفسك، من مجاري الحياة لجسدك فهل تستطيع ايقافها حتى تسلم منه؟

ما إن خرجنا من كورونا ماهي الآثار التي خلفتها الجائحة؟

ان تمكن منك لا يريد سوا أن تكون رقماً جديداً من ضحاياه، لا يتوقف إذا وصلك فلو كان سيقف ما كان ليصلك من غيرك، خطره في التخفي والانتشار، لا بل قد ينقله أقرب الناس إليك وأحبهم لقلبك، للعلم قام أحد الممرضين في إيطاليا بقتل زوجته الطبيبة لأنه اعتقد انها أوصلته له!!جعل الناس تهاب أهلها وأحبابها تمشي وتنظر فيمن حولها هل لديها من أعراضه شيء، الكل يخاف من الكل لا اقتراب لا أحضان لا مصافحة لا تجمعات، هدأت الدنيا وسكن البشر فيها، هوت لقوة هذا الضئيل ميزانيات دول توقفت مطارات

ألغيت اجتماعات دولية، أوقفت المساجد عن الصلوات، توقفت العمرة في مكة، توقف المصلين في المدينة، ألغيت صلاة الجمعة وخطبتها في جوامع المسلمين، أغلقت الكنائس ودور العبادة، توقفت المدارس والجامعات، أُوقفت عجلة الاقتصاد وشُلت أركانه قامت الدول بإيقاف التنقل والتسوق والوظائف والأعمال والاحتفالات والملاعب والأندية والملاهي والمناسبات، كل هذا وهو خفي لا يمكن أن تراه، فقط تشاهد ضحاياه صرعى أمامك وأعدادهم تتزايد كل يوم،

تقول منظمة التجارة العالمية أن التجارة في العالم سجلت تراجعاً حاداً خلال هذه الأيام وتوقعت ركوداً يعقبه انكماش في اقتصادات الدول يتراوح ما بين 13-32% خلال هذا العام ولازالت التوقعات اكثر، يعني هذا تراجعا يشابه ما حدث قبل ما يقارب 90 عام أثناء الكساد العظيم.

ماهو تأثير كورونا على صعيد ميزانية الدول؟

أرغم الدول على نثر ميزانياتها ليس لمكافحته فقط بل لمواجهة آثاره العميقة، سجلت أمريكا حتى الآن 6.6 مليون طلب اعانة بسبب التوقف عن العمل بسبب مواجهة هذا الضئيل الخفي، الدول تتهافت لإصدار سندات للحصول على دعم مادي لمواجهته، يهرب منه مواجهته الأثرياء بعد أن كانوا في بروجهم العالية ليلجئوا إلى يخوتهم الفارهة ولجزر نائيه بعيده عن كل هذا العالم لخوفهم من وصوله إليهم ولو أراد الله لوصل إليهم، بالمناسبة يحاول الفرنسيون هذه الأيام حل لغز وصول هذا الفايروس الخفي لحاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديجول” وكيف أنه أصاب 50 من البحارة على متنها علماً أنها تجوب البحار ولم تقترب من اليابسة منذ عدة أشهر ولم يدخل أو يخرج منها أحد ولم تستلم أي شحنة!!

ما الذي فعله كورونا بجبابرة العصر؟

جعل رئيس أكبر دولة في العالم يخاف من أقرب أعضاء جسمه فلا يلمس وجهه بيديه، أصاب وزير دفاعه وتمكن من عدد كبير من جنوده، أخرج ملكة بريطانيا لتتحدث للمرة الرابعة في تاريخ حكمها الممتد إلى 65 عام، أصاب ولي عهدها حتى أخفاه عن الأنظار، أردى رئيس وزرائها طريحاً في العناية الفائقة بعد أن حذر مواطنية من أنهم يخسرون أحبائهم.

أجبر مستشارة ألمانيا للبقاء في العزل خوفا من العدوى والقول اننا لم نمر بتحدٍ كهذا منذ الحرب العالمية الثانية، أوقف مصنع العالم الصين عن العمل وحاصر مدنها جفف منابع التجارة في العالم ، ضرب عاصمة الأناقة والأزياء إيطاليا وجعل الجثث تتناثر في كل مكان، أنهى حياة 100 طبيب في شهر واحد كانوا يواجهون هذا العدو الخفي، في اسبانيا صرعاه تجاوزوا الآلف ولازالوا في ازدياد توقفت فيها الملاعب والملاهي والحدائق.

ما يقارب 19 ألف من طواقمها الطبية أصابها هذا العدو الخفي، العاهل السعودي يخرج ليتحدث ويطمئن مواطنيه، وهذا الرئيس المصري والتونسي والبحريني و والإيراني والكويتي والأردني، كلهم على وجلٍ وخوف منه، كل الدول الآن تحت وطأته، الهند وكوريا واليابان التشيك وفنزويلا والبرازيل والمكسيك الكل مستنفر لهذا الزائر الخفي الكل بلا استثناء تعج القنوات الإخبارية بأحداثه ومستجداته هز الدول بمجتمعاتها واقتصاداتها وأنظمتها وكل هذا وهو لا يُرى بالعين المجردة.

هل كانت كورونا رسالة ربانية؟

“كورونا المستجد”  covid-19 أو الجائحة كما يسمونه وهو أدق وصفٍ له فهو يجتاح الدول و المجتمعات والأنظمة بلا استئذان ويقلبها رأساً على عقب، هذا الخَفي فعل كل هذا ولايزال، لم تستطع أعتى الدول بقدراتها العسكرية أو العلمية أن توقف زحفه، ولا الأقمار الصناعية في تتبع حركته ومعرفتها، بل برحمة الله وقدرته يمكن إيقافه وإيجاد دواء له والسيطرة عليه، هذا الضئيل تعملق علينا بقدرة الله عز وجل، ليقول لنا “مهما عظمت قوتكم أو توسعت فهي سحيقة ولا تساوي شيء أمام قدرة العظيم في تدبير كونه عز وجل”

مهما اختلفنا في منشئه إلا أنه لم يكن ليحدث إلا بمشيئة الله تبارك وتعالى ولنا في ذلك معتقد وان فيه ألف عبرة وعبرة، فهو من أقدار الله المؤلمة التي ابتليت فيها البشرية فكما قال سبحانه (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)، كنا نعتقد بوقوع حروبٍ عسكرية أو نووية أو اقتصادية بين الدول ولكن كانت حربنا مع هذا الضئيل من حيث لم نحتسب جاء في صميم حياتنا ليصيب مكان تنفسنا، فسبحان من تجلت لنا قدرته المتصرف في عظيم كونه، يقول أحدهم” عدوٌ يدخلك بيتك آمناً خيرٌ من عدو يخرجك من بيتك تبحث عن الأمان”، نسألك يا رب اللطف بعبادك والغفران.

بقلم: علي السبيعي

أضف تعليقك هنا