فيروس كورونا بين جدلية الحداثة والدين

بقلم: د. رحماني محمد

جدلية الدين والعلم

اعتبر فلاسفة ما بعد عصر ظلمات أوروبا أو ما نسميه ما بعد التفكير الكنسي أن العلم لا يمكن مخالطته بالدين بأي صورة من أشكال صوره، وبدأ الدفاع عن هذا في أوروبا وغيرها من البلدان العربية الاسلامية.. لا لشيء إلا لإسقاط الدين من حسابات التطور والتقدم بزعمهم، فهنا تجلت هاته الجدلية وقت ظهور الأمراض والفيروسات بالأخص التي توقف العالم بسببها، وفيروس كورونا أسقط كل ما توصل إليه الطب الحديث، بل أكد على أن الدين الإسلامي بتعاليمه يمكن للبشرية تفادي العلاج بالوقاية من الوقوع في المرض بنص أحاديث دينية متواتر، وهذا مايثبت للعلماء والمفكرين ان الدين والعلم لا يمكن الفصل بينهما.

اهتمام الكنيسة بالدين ومحاربتها للعلم

يعد مصطلح الحداثة مصطلحا تناولت عليه الأقلام والآراء بالكتابة والنقد، وبعيد عن جدليات النقاش الاصطلاحي فيمكن اعتباره سيرورة زمنية تاريخية مرت بالمجتمعات الغربية بشكل أعم، فمن خلالها حاولت الانعتاق من براثين الجهل والخرافة والتقليد الذي لا يخلو من تراهات العلم الكنسي بما كان من كبحه للعلم وأعمال العقل، بالمعنى هذا ومن خلال ما كان موجودا فللغرب وفلاسفته مبررات وحجج استندوا عليها للتخلص من وثنية الكنيسة.

إن استخدام مصطلح الحداثة هي بداية تفكيك المنظومة التاريخية أو الإرث التاريخي تستدعيه كل أمة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، بل هو انقلاب في باطنه على المقدس الذي يرسم لنا طريقا نسلكه في غياب للعقل المغربل، وهذا ما انطوى على الحضارة الغربية التي اعتمدت بعد عصر الأنوار على إعمال العقل والعلم في مجالات حياتها.

إن التفكير الكنسي أو سلطة الكنيسية حجرت ما هو واسع، لكن وفي الوقت نفسه الإنسان يحتاج إلى بوصلة ترشده إلى هدفه وتحقيق غاياته الدينية والدنيوية، وإلا ضل طريقه وتعرض إلى عوائق لا يمكنه تجاوزها بسهولة. فالتقليد المطلق لا ينطوي على تفاهات وتراهات وخزعبلات لطالما حاول الأنبياء والرسل والمصلحون من بعدهم التخلص من كدرها، والرجوع إلى بيان الوحي والحق الحقيق الذي ينير طريق البشرية.

اهتمام الفلاسفة بالعلم ومحاربتهم للدين

والحداثة على مطلق التصديق بها والسير على مقتضيات مفكريها وفلاسفتها ظلمة سوداء في طريق مريديها واتباعها، وهذا الاصطلاح جاء بعد عصر التنوير أخذت بين الناس لتعطي الإيمان الأكبر للعقل بل راح فلاسفة هاته الحقبة، وخاصة الفلاسفة الفرنسيون عن نقد الدين والمجتمع، وضرورة فصل الدين عن العلم.

إن هذه المرحلة أعلت من شان العقل وبطلان النقل المنصوص بكتاب الله وسنة رسوله، فالدين عندهم شل الحركة العلمية المتحررة وأبطال العقل ومالاته المخذية. لكن هذا لاينطبق على ماجاء به الاسلام فالعقل يصدق النقل ولايخالفه.

العلم يأخذ تعاليمه من الدين ولا يمكن الفصل بينهما

الحالة اليوم توقف العالم لحظة انتشار فيروس كورونا، لا شيء وقف يصده عن البشرية، في لحظة الصدمة العالمية توجه الأطباء والمختصين الى إجراءات بسيطة تعود إلى أربعة عشر قرنا من زمن بعثت النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين تحري النظافة والحجر الصحي لتفادي نقل الفيروس من شخص إلى آخر.

فالتطور العلمي المزهل يتوقف اليوم أمام أسانيد أحاديث توضح بالادلة والبراهين التربية الصحية لمواجهة الأوبئة والأمراض الخطيرة، فالدين الإسلامي لابد للبشرية أن تنهل من تعاليمه، واتباع نصوصه التي فيها خلاص البشرية، أما إننا جدلا ندعوا إلى الحداثة بصورها المفزعة ومبادئها المشوهة للحقائق والبراهين فهذا يعدوا عبثا، وأخذ بالبشرية إلى حتفها.

تعاليم الدين الإسلامي هي منهج متكامل للحياة

وفي هذه الأسطر حاولنا ان نعطي تقييم مآلات الحداثة السائلة، ففيروس كورونا تحدى العالم الحديث والحداثي، بل في لحظة واحدة توقف فيها العالم يبحث عن علاجات ولقاحات تقف جدار صد لإنهائه أو التقليل من خطورته، وفي لحظة أغلقت جميع المنافذ والحدود وتركت دول تصارع المرض بمفردها وبامكاناتها، أظهر هذا شجع الدول الامبريالية التي كذبت على العالم برهة من الزمن على أنها سيدت العالم ومحور توجيهه إلى السلام والحماية من الأخطار، لكن في لحظة التهيه هذه كان على البشرية أن ترجع الى تعاليم الدين الاسلامي، والتي ضربت تعاليمه عرض حائط برلين أو سور الصين العظيم بعد القرن الثامن عشر، وأصبح الدين عند الغرب هو المعيق في الحركة العلمية الحديثة، هذا صحيح لو انطبق على تعاليم الكنيسة، أما الإسلام فهو دين البشرية وهو منهج حياتها.

بقلم: د. رحماني محمد

أضف تعليقك هنا