كورونا أو أزمة نظام

بقلم: وليد بالحاج

تأثرت الدّولُ عامةً والناسُ خاصّةً بعدَ الأزمةِ الاقتصاديةِ التي عصفت بالعالمِ عام ٢٠٠٨، وأدّت هذه الأزمةُ إلى إفلاسِ العديدِ من الدولِ والشركاتِ وتعطيلِ العالمِ من الناحيتين الاقتصاديةِ و الاجتماعية.

ما مدى الرضى عن الأنظمة الرأسمالية في العالم؟

لقد ظهرت أصواتٌ في العالمِ تنادي بتغييرِ النّظامِ العالميِّ الرأسماليِّ الربويّ الذي يحكمُ العالمَ كلَّه منذُ قرابهِ ١٥٠ عاماً أو أكثر. فمنذُ أن جاءَ هذا النظامُ الرأسماليُّ بدأت تتوالى الأزماتُ والويلاتُ على الناسِ إلى أن جاءت أزمةُ ٢٠٠٨ فدقّ ناقوسُ الخطرِ عند صُنّاعِ القرارِ في الغربِ، معلناً أنّ أيَّ أزمةٍ أخرى ستقضي على كلِّ النظامِ العالميِّ (وستكونُ بمثابةِ آخرِ مسمارٍ في نعشِ هذا النظامِ). أُصيبت هذه الدولُ بالهلعِ و خصوصاً أمريكا، فاتخذت كلّ الاحتياطاتِ لمنعِ حصولِ هذا الانهيارِ مرّةً ثانيةً أو لتأجيلِه قدرَ الإمكان، وكان منها إنشاءُ (war rooms) لمراقبةِ الاقتصادِ العالميِّ عامةً؛ وبطاقاتِ الإئتمانِ في العالمِ خاصّةً.

ماهي انعكاسات الكساد الكبير في عام ١٩٣٠ على الاقتصاد العالمي؟

ولكنّ ماحصل في السنوات القليلة الماضية من شحٍّ بالمالِ والسيولةِ وارتفاعِ الأسعارِ جعلَ العالمَ يتحدثُ عن اقترابِ حدوثِ الانهيارِ الاقتصادي وليس عن إمكانيةِ حدوثِهِ فقط، حتى أنّ بعضَ المفكّرين سمَّوهُ بالكسادِ العظيمِ نسبةً إلى الكسادِ الاقتصاديّ الكبير الذي حصلَ في القرنِ الماضي عام ١٩٣٠ واستمرّ تقريباً ٦ سنوات.
ولكنّ تأثيرَ هذا الكسادِ سيكونُ أعظمَ بكثير وذلكَ بحُكمِ العولمةِ وربطِ كلِّ اقتصاداتِ العالمِ بالدولار وباقتصادِ أمريكا، ومن ناحيةٍ أخرى سيكونُ له تأثيرٌ على النظامِ الدَّوليِّ كما كان للكسادِ الكبيرِ تأثيرٌ في إيجادِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والاتحادِ السوفيتيِّ من بعدِها كقُوىً عُظمى.

كيف دافعت الغرب عن فكرة النظام الرأسمالي في ظل كورونا؟

وبتاريخ ١٢/٢٠١٩ ظهرَ فيروسُ الكورونا في الصين وانتشرَ بعدَها في العالمِ أجمع، حتى وصلَ الحالُ إلى منعِ التجولِ في كلِّ المعمورةِ تقريباً في محاولةٍ للحدِّ من انتشارِ هذا الوباء. وأصبحت أكثرُ الأماكنِ تضرراً هي أمريكا وأوروبا من حيثُ الإصاباتُ والوفيّاتُ على حدٍّ سواء. فبدأت هذه الدولُ بأخذِ الإجراءاتِ اللازمة لمحاربَةِ انتشارِ الوباءِ في بلادِهم و باقي الدول.ولكن إن تمعنتَ في تلك الإجراءاتِ، ستجدُ أنّ أمريكا تسرّعُ قدومَ الانهيار الاقتصادي، وأنّ صناعَ السياسةِ في الغرب يُلقونَ اللومَ على فيروس الكورونا كي يمنعوا الشعوبَ من التذمرِ أو إلقاءِ اللومِ في ذلكَ على النظامِ الرأسماليِّ والمطالبةِ بتغييرِه (باستبدالِه بنظامٍ آخر).

فقد أصبحَ حديثُ الناسِ الآنَ عنِ الفيروسِ وليسَ عن الانهيارِ الاقتصاديِّ وما سيتسببُ به من موتٍ و تجويعٍ، وهذا ما هدفَ إليه ترامب في أحدِ المؤتمراتِ الصَّحفيةِ حينَ زعمَ أنّ الاقتصادَ كان في قمّةِ عطائِه حتى قدومِ الفيروسِ الشّرير.وبدلاً من المطالبةِ بزوالِ الرأسماليةِ تطالبُ الشعوبُ الآن بإيجادِ حلٍّ لمشكلةِ الفيروسِ أولاً ومن ثم التفرغِ إلى النظامِ الاقتصاديِّ وحلِّ مشكلةِ الكسادِ ثانياً.

هل كان الحجر الصحي من مصلحة الحكومة الأمريكية؟

نرى أنّ الحكومةَ الأمريكيةَ قد قامت بوضعِ خطواتٍ مدروسةٍ كي تقضيَ على أيِّ محاولةٍ لثورةٍ، أو لعملٍ مسلحٍ يفقدُ السيطرةَ داخلَ أمريكا من جرّاءِ هذا الانهيارِ الكبير، قد تبدو هذه الخطواتُ عشوائيةً وفيها عدمُ السيطرةِ ولكنها خُطواتٌ مدروسةٌ بعنايةٍ و قد أوعَزت لكلّ العالمِ من أجلِ اتباعِ هذه الخطواتِ لتقليلِ هذا الخطرِ الذي اسمُهُ كورونا.

ولهذا فإن قرار الحجر الصحي من الفيروس جاء من مصلحة الحكومة الأمريكية على المستوى القريب حتى لا يفقدوا السيطرة على الشعب ويخرج على الحكومة الأمريكية (ونحن نعلم أن معظم الشعب الأمريكي مسلح) .
وكانت الحكومة الأمريكية قبل الأزمة الفيروسية قد قامت بتقليل أسعار النفط للحد من تبعيات الأزمة الاقتصادية والحد من inflation عند طباعة الأموال، وهذا ما حصل الآن فعلاً حيث تم طباعة حوالي ٢ تريليون دولار من قبل أمريكا، ولكن انخفاض اسعار النفط سيقلّل من الاسعار وبالتالي يقلل من معدل inflation الذي حصل جراء طباعة الاموال.

كيف أثرت كورونا على أسعار النفط حسب تصريح ترامب؟

ما أكده ترامب حينما قال: إن إسعار النفط الآن هي بحكم خصم ضريبي من الحكومة للشعب الأمريكي حيث أصبح سعر الغالون الأمريكي ب دولار واحد فقط، وبهذا يكون البنك المركزي والدولي قد سيطر ولو مؤقتا على الوضع الاقتصادي في امريكا أولا وفي العالم ثانيا، ومن ناخية أُخرى تبقى روسيا تحت المطرقة الأمريكية ولا تستطيع اتخاذ أية قرارات إلا بعد الرجوع لأمريكا، لأن الاقتصاد الروسي المتعلق باسعار النفط قد ينهار اذا لم يرجع النفط إلى سعره القديم.

وأما في أوروبا فقد أصبحت قدرة الاتحاد الاأروبي على مواجهة التحديات المستقبلية موضع شك وخاصة بعد ما حصل في صربيا وإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية بوجود هذا الفيروس فما بالك بوجود مشاكل أخرى…!!
و يبدو أن الأمر قد حسم و ستبقى اوروبا جالسة في مكانها لا تستطيع منافسة الأميركيين على قيادة العالم من الناحية العملية.

كيف تأثرت حرب الزعامة الأمريكية الصينية بكورونا؟

المشكلة الرئيسية هي الصين، فحسب زعم الحكومات الغربية يقع اللوم على الصين لتأخرها في الإعلان عن هذا الفايروس و قوته وسرعة انتشاره عند بدء ظهوره، وقد يصل الحال إلى تهديد عسكري من قبل أمريكا للحد من توسع الصين عالميا وابقائها على الصعيد الإقليمي فقط، وهذا يبرر ظهور نافاروا من جديد في آخر مؤتمر صحفي مع ترامب للتحدث أن أمريكا ما زالت تعتمد على الصناعة الصينية حتى في أهم السلع الإستراتيجية كالادوات الطبية وغيرها، نافاروا كان وما زال يقرع طبول الحرب مع الصين وها هو يظهر على الساحة من جديد، لأجل إحباط أي احتمال يزعم ان الصين قادرة على منازعة امريكا على زعامة العالم. وانه يجب القضاء على الفيروس الصيني بأي شكل كان.

من سوف يقود العالم بعد انتهاء كورونا؟

أظن أن كل الدلائل تشير أن هذا الفيروس جاء لإنقاذ النظام العالمي الرأسمالي عامة وإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية خاصة من أي قوة تزعم أنها قادرة على إنهاء التربع الأمريكي على العالم، تعتقد أمريكا أنها قادرة على العودة مرة أخرى لتسيطر على العالم بعد انتهاء الكساد الكبير القادم الذي سينتج عنه الفقر المدقع، وانها ستكون قد نجحت في جعل الحديث عن الفيروس وليس عن المبدأ الذي تحكم فيه الشعوب. ذلك المبدأ الذي يفيد الأقلية فقط من الناس بينما يأتي بالويلات على الأكثرية، إن الكساد الكبير سوف يولّد فراغاً سياسياً لمدة معينة وهذا معلوم عند كل الناس لهذا كثر الحديث عنه في الآونة الاخيرة ولكن من سياتى لقيادة العالم؟؟

بقلم: وليد بالحاج

 

أضف تعليقك هنا