كورونا حجر الجسد وإطلاق الوعي

مقدمة

تغير وجه العالم فجأة ، لم يكن زلزالا ولا طوفانا ، ولا حربا عالمية ثالثة ! بل كان حدثا صغيرا في بلد بعيد ظننا أن الأمر مقتصر على بضعة أشخاص يعيشون على بعد آلاف الميال ولكن ؛وبعد عدة أسابيع بدأنا نتحسس رؤوسنا ونترقب الأخبار ساعة بساعة عن هذا الوحش الخفي (كورونا) الصغير حجما والكبير تأثيرا لقد وضعنا أمام أنفسنا وهناك أسئلة كثيرة حول جائحة انتشاره ولكن الإجابات إلى الآن ما تزال إما منكرة أو مشككة أو قاصرة عن الإدراك ؛ولا بد هنا من طرحها ومحاولة إطلاق العنان للفهم والوعي والتدبر أصبحت حتمية ولا بد من إمعان النظر فيها.

أسئلة وجودية

مع انتشار هذه الجائحة والتي لم تترك بلدا في العالم إلا واجتاحته وغيرت مساره هناك أسئلة تطفو على السطح مثل أين نحن ؟ وما موقعنا على هذه الأرض ؟ وهل بعد يمكن أن يكون موقعنا الذي وضعناه لأنفسنا كسادة على العالم والمخلوقات الأكثر ذكاء والمسيطرة هو مجرد وهم في نفوسنا وأننا اليوم نقف عاجزين أمام مخلوق صغير نعده مكروبا لا يمكن رؤيته إلا مكبرا آلاف المرات.
هنا أجد التفكير المنطقي عاجزا عن الجواب ، حيث أصبحت التفسيرات المادية لا معنى لها ؛فنحن أمام صدمة كبيرة لفكر المادة المجردة ،ربما نحن فعليا الجنس العاقل ولكن ليس الجنس المسيطر وهناك فرق كبير بينها ؛فالعاقل يعرف القوانين الكونية ويسخرها أما المسيطر فيصنعها.

من نحن ولماذا نمتلك ذلك العقل؟

وقد ثبت بالوجه القاطع أننا عاجزون عن ذلك عجراً لا يمكن إنكاره وهنا يتوجب العودة إلى السؤال الوجودي الأهم وهو من نحن ؟ ولماذا نحن نمتلك ذلك العقل ؟ وإذا رجعنا قليلا إلى انفسنا وإلى خالقنا سنجد الجواب واضحا لا لبس فيه نحن هنا لأمرين ؛ تحقيق العبودية وتحقيق الاستخلاف ، فالعبودية لا تعني فقط الشعائر وإنما تعني التحرر من كل شيء سوى الخالق من العبودية للمادة والعقل والنفس والذات التجرد الذي يجعلنا نخرج من ذواتنا الضيفة إلى سعة الوجود ورب أعظم من كل موجود.

وأما الاستخلاف الذي هو مهمتنا ومقتضاه عمارة الأرض وفق منهج الله وقوانينه التي أبدعها وهنا لا بد من الإقرار أننا في قمة التقنية ولكننا في حضيض العمارة الحقة لماذا ؟ لان العمارة ليست في المادة والرفاهية ولا حتى في النمو الاقتصادي ؛ إنها عمارة أخلاقية إنسانية وبناء حضارة عالمية ،وليست انتقاء لتطور محتكر لجنس وعرق ولون وفئة في مقابل حرمان شرير لغيرها حتى أبسط الحقوق والمقدرات التي تعد من حقوق البشر التي نصت كل الأفكار والمعتقدات عليها.

حجر الجسد وإطلاق الوعي

وهنا يجدر بنا أن نتأمل ردود الأفعال حولنا فهي تخبرنا بصورة لا غبار فيها أن البشرية كانت تحتاج إلى مثل هذه الصدمة لتنفض غبار الجهل عن أجيال سبقت ونحن نشهد آثاره في ردود الأفعال ، فمن نظرية المؤامرة بشتى أشكالها من السموم والحرب البيولوجية إلى الغازات السامة إلى الاقتصاد وغيرها ، إلى الذين بدأوا ينشرون الحلول والوصفات كأنهم من سحرة فرعون! أو أن الفيروس قد أعطاهم سره في ساعة صفا! وهنا ندرك حجم الضياع الذي نمر في حلقة مفرغة منه.

وهنا يجب في الوقت الذي نحجر فيه أبداننا عن الخروج من بيوتنا لتجنب العدوى يجب أن ندرك تماما أننا أمام جائحة عالمية ونحن نحجر أجسادنا ونحن نعلم علم اليقين أنها ستمر بنا ولكن نحن نفعل ذلك حتى تستطيع الجهات الطبية في كل بلد تحمل العبء الملقى على عاتقها ريثما يتم إعمال العقل للوصول إلى علاج هذا الفيروس وبعيدا عن العاطفة فإن أي تقصير في الالتزام بالحجر هو تقصير في الوعي الذي نتحدث عنه وتقصير في فهم غايات الوجود كما ذكرنا ومن أهم هذه الغايات ثقافة أخلاقية وإنسانية يلزم كل منا بما له وما عليه كجزء من بنا نفسي وأخلاقي وإنساني ومتجرد من الأهواء والمادية والذاتية وحتى الوطنية والعنصرية.

تناغم المادة والروح

وفي هذا الوقت بالذات أصبح الحديث عن ثنائية الروح والمادة حديثا في غير موضعه فالمادة وحدها اليوم أثبتت عجزها عن إجبار البشرية على الانصهار في مستقبل متناغم وعمارة حقيقية لهذا الكوكب الذي أمرضته المادية الجشعة والروح المنكفئة على شعائر دون وعي وعلم وفكر ثاقب متصل بالخالق سبحانه .وأخيرا ؛ معالم المستقبل أصبحت تتكشف شيئا فشيئا وهنا أمام البشرية طريقان لا ثالث لهما إما أن تكون هذه المرحلة بداية لعالم جديد أكثر تناغما وحضارة وأخلاقية وتطورا وعقلانية ، أو فالمصير مجهول لا يعلم عواقبه إلا الله فجيلنا سيكون هو الجيل الذي حكم على أجيال بعده بالشقاء فلنختر لأنفسنا ولنعرف ماذا نفعل بأيدينا بعيدا عن الذاتية والعنصرية والأنانية طريق السلام لأنفسنا و لأجيالنا القادمة.

فيديو مقال كورونا حجر الجسد وإطلاق الوعي

 

 

 

أضف تعليقك هنا