مجالس قرآنية 2 (أخطر الشرور)

الحمد لله رب الناس العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، وبعد:
إنما تستقيم حياة العبد بركنيين: جلب النفع، ودفع الشر، والشرور نوعان: ظاهرية، وخفية، والشرور كثيرة وأخطارها جسيمة؛ لذا فالعبد يحتاج إلى مَن يلجأ إليه ويحفظه ويحميه من تلك الشرور، وهذا ما ترشدنا إليه تلك السورة العظيمة، والتي تبدأ بإظهار ضعف العبد وبحثه عمن يستعيذ به فقدمت الحل ثم بينت المشكلة.

ماهي اللطائف التي تحتوي عليها سورة الفلق؟

إنه طلب الحماية من ربِّ الفلق، والفلق هو الصُبح، وهو دليل انتهاء الليل بما فيه من خوف ورهبة؛ فالليل مظنة الخوف والمصائب، فالذي أذهب الليل قادرٌ -بإذنه- إذهاب ما تخشاه من شرور، ثم توضح السورة المُستعاذ منه بخطوتين، الأولى قوله:

  • المخلوقات فيها خير وشر، وأنت تستعيذ من شرها، وهو كل ما يفعله المكلفون من المعاصي من ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغير ذلك، وما يفعله غير المكلفين من الأكل والنهش والعضّ كالسباع والحشرات، وما وضعه الله في المخلوقات الأخرى من أنواع الضرر كالإحراق في النار والقتل في السم، ومن أسرار التعبير اختيار كلمة “مَن خلق ” أن من خلق هو وحده الذي يستطيع الحماية من شر ما خلق.
  • بعدها تأتي الخطوة الثانية، وهي تفصيل لأخطر الشرور وهي ثلاثة:
    الغاسق هو الليل إذا اشتدت ظلمته ووقب، أي دخل؛ فهو استعاذة من وقت شدة ظلمة الليل، ومن أسرار تخصيص هذا الوقت دون غيره أنه وقت يكثر فيه الهرج والمرج والتخطيط وغالب الأعمال السيئة، كذلك اعتداء الحيوانات، بل حتى الإنسان نفسه؛ فالليل مظنة الشهوات لابتعاده عن أعين العباد.

إضاءة تفسيرية حول السورة 

النفث هو النفخ مع ريق، والعُقد جمع عقدة، وهو هنا بيّن طريقة عمل السحر دون ذكره الصريح لطلب التعوذ من العمل نفسه؛ فهي تنفث وتعقد وعبّر عنها بالتأنيث لكون غالب مَن يعمل ذلك هن النساء من أسرار ذكر النفاثات بالتعريف بينما “غاسق “حاسد ” بالتنكير بيان أن كل نفاثة شريرة وليس كل غاسق ولا كل حاسد.

الحسد تمني زوال النعمة من الغير إذا أظهر حسده، وعمل بمقتضاه من بغي للمحسود، وقد كان الحسد أولَ أسباب الجنايات في الدنيا؛ إذ حسد أحد ابني آدم أخاه على أن تُقّبِّل من أخيه ولم يُتَقبّل منه؛ فالحاسد بين أمرين: أن يغتم لنعمةٍ عند غيره ولا يظهر ذلك، فهذا لا ضرر منه، الثاني وهو أن يظهر حقده على الغير فيضره.

ومن جميل ما قاله الشاعر أبو الأسود الدؤلي

حسدوا الفتى أن لم ينالوا سعيه    ***     فالقوم أعداءٌ له وخصوم

كضرائرِ الحسناء قُلْنَ لوجهها       ***     حَسَداً وبُغضاً إنّه لَمشئوم

ولعل تخصيص هذه الشرور الثلاثة دون غيرها لخفاء أمرها، وأنها تصيب العبد من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به، كما أن في تكرار تأكيد على أهمية الدعاء وتكراره.

فائدة نفسية لسورة الفلق

أخيراً، ما أجمل الكلمة التي بدأت بها هذه السورة “قل”؛ فهي توجيه لطيف عملي وتطبيقي لما يجب على العباد فعله للنجاة من جميع الشرور، وهي إجابة على سؤال العبد كيف أنجو من جميع الشرور، وخاصة الخفية منها، وهي دعوة من الله أن هلموا وأقبلوا إليَّ؛ فأنا أعيذكم منها، فاللهم إنا نعوذ بك من الأشرار وكيد الفجار ومن كل طارق بالليل والنهار، يا رحيم يا غفار والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فيديو مقال مجالس قرآنية 2 (أخطر الشرور)

 

أضف تعليقك هنا