مجالس قرآنية 3 (الثُلث)

يوجد أخطاء في نص المقال … جاري التعديل .. نأسف للإزعاج

معاني ومدلولات سورة الإخلاص

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)

الحمد لله رب الناس العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، وبعد: “احشُدوا” أي تجمعوا، هكذا قال الحبيب r لصحابته، ثم بيّن سبب ذلك بقوله: “فإني سأقرأُ عليكم ثُلُثَ القرآن ” فحشَد مَن حشد. ثم خرج r فقرأ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد ثم دخل. فقال بعضُنهم لبعضٍ: إني أرى هذا خبرًا جاءه من السماءِ. فذاك الذي أدخلَه. ثم خرج نبيُّ اللهِ r فقال: إني قلتُ لكم: سأقرأُ عليكم ثُلُثَ القرآن، ألا إنها تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ.[1]

مدلولات “قل هو الله أحد”

وجاء المشركون وقالوا للرسول r: انسب لنا ربك، فأنزل الله هذه السورة. ابتدأت السورة بـ “” لبيان أن هذا الكلام ليس من محمد r، وإنما من الله، وضمير (ﱂ) ضمير الشأن لإِفادة الاهتمام بالجملة التي بعده، ثم جاءت الإجابة: “ﱃ الذي تألهه القلوب وترجع إليه، وهو الذي ترجع إليه كل أسمائه الأخرى فنقول الرحمن من أسماء الله، ولا نقول الله من أسماء الرحمن أو غيره من الأسماء، وقيل هو الاسم الأعظم لله، “ﱄ ﱅ الأحد في كل شيء، والأحد أشمل وأدق من الواحد، ولم يرد أحد إلا في هذا الموضع فقط، ومن معانيه أنه الذي لا نظير له ولا وزير، ولا ند ولا شبيه ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وهو يمثل توحيد الإلوهية.

مدلولات “الله الصمد” “لم يلد” ولم يولد”

الله” إعادة للتأكيد ” الصمد”  الذي تصمد إليه كل الكائنات (تلجأ إليه)؛ فهي محتاجةٌ إليه، وهو غنيٌ عنها جميعاً؛ فهو المقصود في قضاء الحوائج وتحقيق الرغائب ودفع العواقب، وهذا يمثل توحيد الربوبية، ومن مستلزمات “الصمد” أنه لا يحتاج إلى أحد؛ فناسب بعدها قوله: “ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ” “، وإنما قدم نفي الولد؛ لأن أهل الضلالة نسبوا الولد لله ولم ينسبوا والِداً؛ فاليهود تقول: عزيز ابن الله، والنصارى تقول: عيسى ابن الله والمشركون يقولون: الملائكة بنات الله وغيرهم كثير، لكن لم يقل أحد إن لله والداً، ومن أسرار البيان أنها جاءت بصيغة الماضي “لم يلد ” فيما مضى للدلالة على زعمهم الباطل القديم ولا يزال مستمرًّا، فطالما لم يلد ولم يولد ماضياً فمن باب أولى حاضراً ومستقبلاً.

مدلولات “ولم يكن له كفواً أحد”

ثم ذُيِّلت السورة بالقاعدة العامة لكل ما سبق وما يمكن أن يفكر به العباد “ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ” والكُفُو هو المساوي والمماثل؛ فليس لله كفوٌ في أي أمر، لا في وجوده ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أقداره ولا في علمه وغيرها، وقدَّم الكفو على أحد؛ لأن نفي الكفو هو المقصد الأساسي، وجاءت بصيغة الماضي لإثبات عدم وجود الكفو في الماضي، واستمرار ذلك حاضراً ومستقبلاً. وهكذا كانت تلك السورة القصيرة  -أربع آيات- كافية وشافية؛ فهو “الله “، وهو “الصمد “، وهو الذي “لم يلد ولم يولد “، وهو الذي “ليس له كفواً أحد”.

فضل قراءة سورة الإخلاص

وعلى مقدار محبة العبد لربه يكون تعلقه بتلك السورة ولزومه إياها، فعن أنس بن مالك t: كان رجلٌ من الأنصارِ يؤمهم في مسجد قباءَ، وكان كلما افتتح سورةً يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به، افتتح: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، حتى يفرغ منه، ثم يقرأ سورةً أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعةٍ، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورةَ، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأَ بأخرى، فأما أن تقرأ بها وأما أن تدَعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركِها، إن أحببتُم أن أؤثمكم بذلك فعلتُ، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلِهم وكرهوا أن يؤمهم غيرُه، فلما أتاهم النبيُّ r أخبروه الخبرَ، فقال: يا فلانُ ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابُك، وما يحملك على لزوم هذه السورةِ في كل ركعةٍ. فقال: إني أحبُّها، فقال: حبُّك إياها أدخلك الجنةَ [2].

لماذا تعدل سورة الإخلاص ثلث القرآن؟

ولعل من نافلة القول محاولة كشف أسرار كونها تعدل ثُلث القرآن، قيل: إن القرآن يتضمن، ثلثاً منه الأحكام، وثلثاً منه وعد ووعيد، وثلثاً منه أسماء وصفات؛ وقد جمعت هذه السورة الأسماء والصّفات، وقيل إن القرآن يتحدث عن ثلاثة: خالق ومخلوق ورسالة، والسورة تتحدث عن الخالق؛ فناسب أن تعدل ثُلثاً، والله أعلم. اللهم إنا نسألك بأنك أنت الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن لك كفواً أحد، أن ترزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن تجعلنا من أهل الفردوس الأعلى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

[1] مسلم، صحيح مسلم رقم 812.
[2] البخاري، صحيح البخاري رقم 774، رواه معلقاً.

فيديو مقال مجالس قرآنية 3 (الثُلث)

أضف تعليقك هنا