مجالس قرآنية (4) إعجاز وإنذار وبشارة

الحمد لله رب الناس العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، وبعد:

اثنان من العرب شرّف القرآن أحدهما وذمّ الآخر 

اثنان من العرب فقط ذكرا في القرآن الكريم اسما أو كنية: الأول الصحابي زيد بن حارثة، والثاني هو محور حديثنا في هذه السورة الكريمة، والتي كان سبب نزولها أن رسولنا الكريم نزل عليه قوله تعالى  “وأنذر عشيرتك الأقربين “؛ فصعد الجبل فنادى ” يا صباحاه ” فاجتمعت إليه قريش، فقال: ” أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟ ــــ قالوا نعم، قال ــــ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ” فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبّاً لك؛ فنزلت هذه السورة، والتي تبدأ بالرد على أبي لهب وهو عمّ النبي، وما أصعب أن يكون الظلم والقهر والرفض من ذوي القرُبى، كما قال الشاعر:

وظُلمِ ذوي القُربى أشد مضاضةً       على المرء من وَقعِ الحسام المهند

تب أي خاب وخسر وهلك، وكذلك وتب؛ فالأولى دعاء عليه، والثانية “وتب” يعني قد تبَّ فهو إخبارٌ بمصيره، وخص اليدين بالذكر لأنهما آلة الأذى غالباً، وأبو لهب أحد أعمام الرسول، واسمه عبد العزُى، وكنيته أبو عتبه، وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه. كان كثير الأذية للرسول  ولدعوته، وكان يحرض الناس على عدم الإيمان وخاصة الوفود من خارج مكة، ومن شدة عداوته كان يقول: “إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي ” فجاء قوله تعالى: ، ما هنا نافية ،فلن يغنيه ماله ولا ما كسبه من ولد وسلاح وطعام وغيره، فلا مانع من قدر الله.

قصة أم لهب التي ذُكرت في القرآن

لما كان من الطبيعي أن تسأل يغنيه عما ماذا؟ جاءت الآية هذه نتيجة عمله وكفره وعداوته، إنها نار ذات لهب للتوافق مع شخصيته “أبي لهب “، ويصلى أي يُشوَى بها ويحس بإحراقها، ليس هذا فحسب، بل ستشاركه امرأته تسانده وتعاونه على العداوة. ومن ذلك أنها كانت تحمل الشوك والأذى لتضعه في طريق الرسول فلابد أن تلقى المصير نفسه ولكن بطريق تعبير أخرى تتناسب مع عملها؛ فجاء النص القرآني ” فهي ليست حاملة الحطب بل حمّالة بصيغة المبالغة، أي حطب؟ حطب جهنم تلقيه على زوجها ليزداد عذابهما معاً، سبحان الله هذه المرأة من سادات قريش أم جميل أروى بنت حرب أخت أبي سفيان لكن حالها انقلب في الآخرة لتصبح حمّالة الحطب – والعياذ بالله- لكفرها وعنادها

وذلك خزي لها ولزوجها؛ إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سبباً لعذاب أعز الناس عليها، ويعطي القرآن صفة أخرى لها ويصورها وهي تحمل الحطب فيقول: الجيد هو العنق غلَب في الاستعمال على عنق المرأة وعلى محل القلادة منه  للتجمل، وقيل كانت لها قلادة من ذهب فنذرت أن تصرفها في معاداة النبي الكريم  والمسد هو الحبل من الليف وغيره، إنها صورة فظيعة مريعة صورة تلك المرأة المربوط في عنقها حبل من ليف مربوطٌ فيه حُزمة من حطب وهي ترمي بتلك الحزمة في النار ليزداد العذاب على زوجها وهي معه في نار جهنم -نعوذ بالله-.

فضائل ولطائف السورة 

السورة فيها إعجاز وإنذار وبشارة، إعجاز بذكر مصير أبي لهب وزجه وهما على قيد الحياة، والإخبار بعدم إيمانهم، وقد حصل ذلك فعلا، لقد كان بإمكانهم الإيمان وتكذيب السورة لكنه لم يحصل لكون هذا القرآن من عند العليم الخبير، وإنذار لمًن يعادي ويحارب الرسول الكريم  r ودعوته بمصير كمصير أبي لهب، وبشارة للرسول الكريم r وأتباعه السائرين على طريقه بالعناية الربانية لهم ومناصرتهم في الدنيا والآخرة.

وختاماً وتأكيداً للعناية الربانية إليكم هذا الموقف: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } جاءتِ امرأةُ أبي لَهَبٍ إلى النَّبيِّ  ومعه أبو بكرٍ، فلمَّا رآها أبو بكرٍ قال: يا رسولَ اللهِ، إنَّها امرأةٌ بذيئةٌ وأخاف أنْ تُؤذيَك فلو قُمْتَ قال: إنَّها لنْ تراني ) فجاءت فقالت: يا أبا بكرٍ إنَّ صاحبَك هجاني، قال: لا وما يقولُ الشِّعرَ، قالت: أنتَ عندي مُصَدَّقٌ وانصرَفَتْ، فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ لَمْ تَرَكَ؟ قال: (لا لَمْ يزَلْ مَلَكٌ يستُرُني عنها بجناحيه )، اللهم ثبتنا على الإيمان، واجمعنا مع سيد ولد عدنان، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

فيديو مقال مجالس قرآنية (4) إعجاز وإنذار وبشارة

 

أضف تعليقك هنا