معالم حقوق الإنسان في ظل جائحة كورونا ” المملكة المغربية أنموذجا”

تعتبر قضية حقوق الإنسان من القضايا القديمة قدم حركة الفكر الإنساني لإصلاح أوضاع الإنسان وتقويمها، وقدم الديانات السماوية الموحدة التي نزل بها الوحي قصد تأهيل الإنسان لخلافة الله في الأرض.

متى دخلت المملكة المغربية منظومة حقوق الإنسان؟

بالرغم من العمق التاريخي الذي تتمتع به والإرث الحضاري الذي تزخر به، إلا أنها لم ترق إلى المستوى القانوني والتطبيق العملي المنشود إلا في العقود الأخيرة، وأضحى بذلك محور حقوق الإنسان من المحاور التي أثارت نقاشاً مستفيضا واهتماما بالغاً على المستوى الوطني والدولي، فتدخلت المجموعة الدولية وقرت حقوقاً للأفراد، من خلال اتفاقيات دولية وإقليمية مما جعل هذه الحقوق تأخذ صبغة دولية.

وجدير بالذكر أن المملكة المغربية عرفت تقدماً ملحوظاً في هذا المجال وقطعت أشواطاً لا يستهان بها، وضمنت للأفراد حقوقهم وحرصت على تثبيتها وإرسائها، وقد انخرط المغرب في منظومة حقوق الإنسان منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي وتم وضع اللبنات الأساسية الأولى لحماية حقوق الإنسان سنة 1990، من خلال إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وبمجرد اعتلاء صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله العرش تضاعفت الجهود بغية توسيع وتطوير نطاق حقوق الإنسان، فوقع المغرب على اتفاقيات تروم حماية هذه الحقوق واستمرارها سواء في حالة السلم أوا الحرب وكذا في حالة الطوارئ.

كيف تعاطت المملكة المغربية مع جائحة كورونا؟

معلوم أن العالم اليوم يعيش حالة طوارئ بسبب جائحة فيروس كورونا كوفيد 19، وتعد المملكة المغربية من البلدان التي تعيش هذه الحالة، فبادرت إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية لمنع انتشار هذا الوباء الفتاك، إن المملكة المغربية تعتبر من البلدان السباقة إلى اتخاذ تدابير وقائية واجراات احترازية، فبادرت إلى اغلاق الرحلات الخارجية (حضر السفر)، والعديد من المرافق العمومية (المدارس)، وأهابت الوزارة بعموم المواطنين إلى الانخراط والمساهمة القويين بمسؤولية وحس وطني والتجاوب الإيجابي مع مختلف التوجيهات والإجراءات المتخذة لتدبير هذا الطارئ الاستثنائي.

ما هي معالم حقوق الإنسان في التدابير الاحترازية المتخذة من طرف الدولة المغربية لمواجهة كورونا؟

للإجابة على هذا السؤال نقترح تناول الموضوع وفق الخطة المنهجية التالية:

  • المطلب الأول. اغلاق المدارس وضمان الحق في التعليم.
  • المطلب الثاني . تقييد حرية التنقل وحضر السفر.
  • المطلب الأول. إغلاق المدارس وضمان الحق في التعليم

كيف تأثر قطاع التعليم بجائحة كورونا؟

منذ تفشي فيروس كورونا سارعت العديد من بلدان العالم إلى إغلاق أبواب المدارس، مما أدى إلى انقطاع تعليم مئات الملايين من التلاميذ والتلميذات في جميع الأسلاك، ومعلوم أن جميع المواثيق والصكوك الدولية لحقوق الإنسان أكدت على أهمية التعليم لما له من دور هام في التنمية وضمان كرامة الإنسان وحريته، فقد تطرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته والمادة 2 منه إلى هذا الحق، وتناوله العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادتين 13و14، كما أكدت عليه اتفاقية حقوق الطفل في المادتين28و29، واعتبرته حقاً أساسياً، فضلا عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في المادتين 5و7.

ماذا نصت اتفاقية اليونيسكو الخاصة بالتعليم؟

ولا يمكننا التطرق إلى الحق في التعلم دون ذكر اتفاقية اليونسكو الخاصة بالتعليم وهي اتفاقية خاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم، أما على الصيد الإقليمي فتمة نصوص إقليمية مهمة أهمها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في المادة 17، والميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادتين 40و41.

وهكذا فقد نصت المادة 26من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 “أن لكل شخص حق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجاناً، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية، ويكون التعليم الابتدائي إلزامياً ويكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم، كما يكون التعليم العالي متاحاً للجميع تبعاً لكفاءاتهم.

وتنص المادة 13من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966على التالي” تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم، وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها، وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهي متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكن كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر…

كيف يجب التعامل مع الحالة الطارئة” جائحة كورونا” من أجل التعليم؟

على هذا الأساس فالقانون الدولي لحقوق الإنسان تناول الحق في التعليم بشكل متكامل باعتباره حقاًً جوهريا، فلا يمكن تنمية الإنسان وتحرره من الأغلال إذا لم يتم العناية بهذ الحق، إن حق التعليم مكفول لجميع الشعوب بغض النظر عن جنسها ولونها وانتمائها في جميع الأحوال والأزمنة، ونظراً للحالة الاستثنائية التي تعيشها بلدان العالم بأسره بسب تفشي  فيروس كورونا كوفيد 19، فقد اضطرت جل البلدان إلى إغلاق أبواب مدارسها فحرم بذلك عدد من التلميذات والتلاميذ من هذا الحق.

ولضمان حق المتعلم في التعلم أوصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة(اليونسكو) الدول أن تعمل على إيجاد حلول قائمة على التكنولوجيا المتطورة أو البسيطة… لضمان انتظام واستمرار عملية التعلم، إن دول العالم اليوم منخرطة في هذا التحدي الجديد لضمان سيرورة التعليم وإيصال التعلمات إلى المتعلمين من خلا تسخير الأدوات المتاحة لذلك، باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة وقنوات فضائية وغيرها من الوسائل التي توصل المعلومة إلى المتعلم.

ما هو الحل لاستمرار التعليم في المملكة المغربية؟

يعد البلد المغربي من البلدان الذين انخرطوا بجدية في هذا التحدي الكبير من خلال تسخيره طاقاته البشرية واللوجستيكية  لإنجاح هذه العملية التعلمية، فتم فتح منصات وبوابات لهذا الغرض وانخرط السادة الأساتذة في هذه العملية بمسؤولية وبحس وطني لا مثيل له كل من موقعه وتخصصه ووسائله المتاحة.

إن هذه التجربة المغربية الفريدة ساهمت بشكل كبير في ضمان إنجاح عملية التعلم عن بعد وضمنت لجل تلاميذ المملكة حقهم في  التعليم والتمدرس، لتكون بذلك الدولة المغربية بهذا الورش الكبير قد كرست وساهمت في إرساء حقٍ من حقوق الإنسان والممثل في الحق في التعليم.

ماذا عن تقييد حرية التنقل وحظر السفر في ظل انتشار كورونا؟

معلوم أن حرية السفر ترتبط بذات الإنسان وتعبر عن رغبته في اختيار الوجهة التي يرغب فيها ويحن إليها، وهي من أهم الحريات الفردية الملازمة للإنسان، وبدونها تتحول الكثير من الحريات إلى شعارات فارغة ولا معنى لها واقعياً، إن حرية السفر مكفولة بمقتضى المواثيق الدولية فقد ورد النص عليها  في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، في المادة 13بقوله ” لكل فرد الحق في حرية التنقل واختيار محل الإقامة داخل حدود الدولة، كما له الحق في مغادرة أي بلد بما فيه بلده الأصلي أو العودة إليه في أي وقت”

وهو الأمر ذاته الذي أكده العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في المواد 12و13، وأكدت عليه اتفاقية الأمم المتحدة  للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري  لعام 1965 في مادتها الخامسة، وكذا الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 في المادة 22، وغيرها من المواثيق الدولية.فهذه الترسانة القانونية تؤكد بشكل جلي أن حرية السفر تعد من الحريات الأساسية  التي لا غنى عنها في جميع البلدان، وليس للسلطات العامة أن تحد منها  أو تضيق من نطاقها إلا في الحدود التي تصون المصالح العليا للبلاد.

هل كان تقييد بعض الحريات كان حفاظاً على المصلحة العامة؟

حرية التنقل تعد من الحريات التي يحترمها الدستور في كثير من الدول ولا يمكن فرض قيود على هذا الحق إلا إذا كانت مشروعة ولهدف مشروع، ولذلك فقرار حظر السفر وتقييد حرية التنقل يجب أن يكون قراراً معللاً يتغيى الحفاظ على المصلحة العامة للبلاد ولمواطنيه، وللحكومات سلطة واسعة بموجب القانون الدولي بحظر دخول المهاجرين من دول أخرى متى دعت الضرورة إلى ذلك كمنع انتقال العدوى وانتشار المرض حفاظاً على صحة المواطنين وحياتهم.

فحق الحياة  يعتبر أغلى حق يملكه الإنسان في هذه البسيطة وهو الحق الأول الذي يجب الحفاظ عليه، ولذلك سارعت الحكومة المغربية بتنفيذ قرار حظر السفر والتنقل المؤقت، وفرضت حجراً صحياً واسعاً وأغلقت الحدود وقيدت من تنقلات الأشخاص داخل المدن، وعززت المراقبة ووضعت عقوبات زجرية للمخالفين من أجل ضمان سلامة المواطنين والحفاظ على أرواحهم، لتكون بذلك الدولة المغربية حافظت على حق من حقوق الإنسان والممثل في حق الحياة وضمان سلامتهم من خلال حظر السفر وتقييد التنقلات داخل المدن.

كيف وازنت الحكومة المغربية بين الحقوق الخاصة والمصلحة العامة؟

إن الخطوات المتخذة من طرف الدولة المغربية من إجراء احترازية واسعة لتعزيز الوقاية وحماية المجتمع من التداعيات المحتملة مند تسجيل أول إصابة إلى الآن، دليل على وعيها الكامل بمسؤوليتها تجاه المواطنين وتقديرها لحقوقهم المتعددة، وبالمقابل فإن هذه الإجراءات المتخذة تعد من التدابير الاستثنائية التي تتخذ فقط عندما يكون ذلك مبرراً وضرورياً.

فيديو مقال معالم حقوق الإنسان في ظل جائحة كورونا ” المملكة المغربية أنموذجا”

أضف تعليقك هنا