مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية وكورونا

بقلم: ميادة مدحت

هناك أحداث فاصلة في التاريخ يتغير وجه العالم بعدها، فالثورة الفرنسية غيرت فكرة الهوية لدى الشعب الفرنسي وسائر شعوب الأرض فسادت الهوية القومية كبديل للانتماء الديني الذي وحد أوروبا لقرون طويلة خلف الصليب ووحد شعوب شبه الجزيرة العربية وجنوب المتوسط تحت لواء الخلافة الإسلامية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى قسمين

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى قطبين كبيرين في معركة أيديولوجية بين الشيوعية والليبرالية انتهت بسقوط الاتحاد السوفييتي ونشأة عالم القوة الأحادية الذي أدخل إلى قاموس العلوم السياسية مفاهيم جديدة مثل غطرسة القوة والعولمة.

لن يكون العالم ما بعد كورونا كما كان قبلها

ولن يكون العالم ما بعد كورونا كما كان قبلها لذلك فالمهم ليس أن نتتبع ميلاد الفيروس سواء كان في معمل بالصين أو فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية فمهمتنا في مصر ليست استخراج جواز سفر للفيروس ولكن واجبنا هو التخطيط بذكاء لنضمن لأنفسنا مكانًا تحت الشمس في النظام العالمي الجديد الذي بدأت إرهاصاته مع أحداث سبتمبر 2001، وتصاعدت ذروته مع رياح الربيع العربي.

الوباء العالمي الأخير ليس إلّا خاتمة يرفع بعدها الستار عن واقع جديد

و الوباء العالمي الأخير ليس إلا خاتمة يرفع بعدها الستار عن واقع جديد لن يستمر فيه إلا من يملك أدواته. علينا أن ننسى أن حضارة الأمم تعرف من عمارتها، لأن تلك العبارة كانت تصلح من ألف عام ولكن تفوق الأمم الآن لا يقاس بطول مآذنها ولا ضخامة منشآتها بل تسود الأمم في العالم الجديد بتقدمها العلمي وبقوتها الناعمة. والحق أن القوة الناعمة هى السلاح الأقوى في عصر ما بعد الحداثة حيث أصبح العالم قرية صغيرة وصارت التنافسية أشد.

في العالم الجديد ستكون إنحيازات الإنسان ثقافية في المقام الأول

في العالم الجديد ستكون انحيازات الإنسان ثقافية في المقام الأول. وأظن أن تلك الانحيازات لن ترتدي ثوب الصراع الثقافي أو صدام الحضارات كما تصوره صمويل هنتنجتون لأن العالم – من وجهة نظري- يتجه إلى نظام شبه كوزموبوليتاني حيث لا تعارض بين الهوية الوطنية والدينية وبين التقارب مع ثقافات أخرى يتوافق المرء مع مزاجها العام.

أهمية الثقافة والفن في النظام العالمي الجديد

ومن هنا تنبع أهمية الثقافة والفن في النظام العالمي الجديد. ولو أدرك النظام المصري- وأظنه يدرك- الأهمية الاستراتيجية للاتجاه جنوبًا وشرقًا، وأقصد بالشرق هنا الصين والهند تحديدًا، أتوقع أن يتم وضع حزمة من الإجراءات الاستثنائية لدعم ذلك التوجه.

لماذا انطلق مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية؟

ولأن حس الفنان يسبق أحيانًا القرارات السياسية فقد انطلق مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية منذ تسع سنوات متجهًا بقوتنا الناعمة جنوبًا حيث الجذور الجغرافية والتاريخية وحيث ينبع شريان الحياة. وقد نضجت الرؤية التنموية في هذه الدورة بشكل غير مسبوق، وكان لهذا النضج عدة مظاهر من بينها إعلان مسابقة خاصة لأفلام الدياسبورا للسينما الإفريقية في المهجر تحت شعار”سينما إفريقية من كل العالم” حيث يلتقي المبدعون الأفارقة المقيمون في دول مختلفة لتبادل المعرفة والتجارب والخبرات في مجال صناعة السينما.

أهداف رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة

ويتماهى إعلان القائمين على المهرجان عن نيتهم في إقامة سوق للسينما الإفريقية، مع أهداف رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة والتي شرفت بالمشاركة في عدة اجتماعات لوضع محورها الثقافي وتنص الرؤية على أن تساهم الصناعات الثقافية في الدخل القومي. كما أن ترجمة كتاب السينما الإفريقية المعاصرة وسينما الشتات للكاتبة الهندية آنجالي برابهو هو فعل تنويري له بعد سوسيولوجي يتعدى التبادل المعرفي في مجال الفن حيث أن الترجمة هى موصل جيد للفكر ونافذة يمكن من خلالها التبصر بثقافة المجتمعات وسيكولوجية الأفراد.

وقد حاول البعض في الولايات المتحدة الأمريكية إثناء الكاتبة عن استكمال الكتاب وإقناعها أن تكتب عن السينما الهندية وليس السينما الإفريقية وهو ما يؤكد أن البعض في الغرب يقف ضد أى محاولة للتقارب الشرقي-الشرقي حتى ولو كان على المستوى الفني أو الثقافي لما يترتب على ذلك من تعاون حتمي على المستويين السياسي والاقتصادي مهما طال الأمد.

وفي لقاء جمعني بالكاتبة الهندية على هامش حفل توقيع كتابها المهم خلال فعاليات المهرجان تأكد لدى أن الرغبة في تقارب إفريقي- آسيوى تقوده مصر والهند موجودة بقوة وهو أيضًا ما لمسته أثناء وجودى في منحة بالهند عام 2016 لدراسة تأثير التنوع الثقافي في بيئات العمل بالاقتصاديات الناشئة.

استعادت الدولة المصرية زمام المبادرة

والآن وقد استعادت الدولة المصرية زمام المبادرة واستعدادًا لما بعد الوباء أناشد جميع الأطراف المعنية داخل الحكومة والمجتمع المدني أن تدعم المهرجان استعدادًا لدورته العاشرة منذ الآن كما أذكر رجال الأعمال في مصر بدورهم الاجتماعي في دعم مهرجان بهذه الأهمية الفنية والثقافية والسياسية.

و أرجو أن يعي الرأى العام المصري أهمية الفعاليات الثقافية والفنية بشكل عام وأهمية مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية على وجه الخصوص وأحيل القراء إلى التقرير الصادر عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية والمنشور في موقع جريدة الدستور على الانترنت بتاريخ 20 مارس 2020 والذي يرصد مكاسب مدينة الأقصر خلال استضافتها لفعاليات المهرجان هذا العام.

الأثر الذي يتركه المهرجان هو أثر إيجابي على المستوى القومي

وأزيد على ما ورد في التقرير أن الأثر الذي يتركه المهرجان على المدى الطويل هو أثر إيجابي على المستوى القومي سنلمس نتائجه قريبًا من تقارب في الرؤى الإفريقية وعودة للريادة المصرية في مجال الفنون والثقافة وآمل أن يكون لدينا يومًا مؤتمرًا سنويًا للأدب الإفريقي و آخر للمكتبات والأرشيفات القومية الإفريقية برعاية مصر.

كما أتوجه لكل من السيناريست الكبير سيد فؤاد، رئيس المهرجان، والفنانة عزة الحسينى التي تدير المهرجان بكل اقتدار بطلب تخصيص جائزة باسم تشينوا أتشيبي الروائي النيجيرى الكبير لأفضل فيلم إفريقي مأخوذ عن عمل أدبي كما أرجو أن تعقد إدارة المهرجان فعاليات مختلفة في عدة دول إفريقية وبالتحديد في دول حوض النيل وأحييهما على الجهد الجبار الذي نجح في إرساء قواعد المهرجان بقوة رغم رياح التباغض الثقافي بين الشرق والغرب ورغم العواصف الترابية والهجمات الفيروسية.

بقلم: ميادة مدحت

 

أضف تعليقك هنا