وباء التبَعية..الاستعمار مر من هنا

من سبر حال الاستعمار في التاريخ، وعرف واقعه ودعائمه، يجد أن له صوراً وأنماطاً متعددة، ووسائل سيطرة تختلف باختلاف المعطيات، وتغير الحال.

الصورة التي اعتدناها للاستعمار

لقد اعتاد الجميع على صورة نمطية واضحة ظاهرة للاستعمار، ألا وهي السيطرة المباشرة، العسكرية الحسية، وغالباً ما تكون هذه الحالة هي الطريقة الأسهل للسيطرة على بلد ضعيف، ومن الطبيعي والمعروف أن تجابه بوسائل النضال، وأن تكون سبباً لميلاد حركات الثورة والتحرر، وإذا كان الحال كذلك فإن الوصول للحرية المنشودة كائن لا محالة، فيضطر المستعمِر لتغيير جلده، ويبدل لونه، ليستكمل سيطرته واستعماره. بشكل آخر، يخفف عنه ضغط حركات التحرر، فيتجه إلى الاستعمار بشكله الاقتصادي والسياسي، بحيث يجعل استقلال ذلك البلد الضعيف استقلالاً صورياً.

وقد يعجز المستعمِر عن ذلك، فيتجه إلى الاستعمار الثقافي بخلق طبقة من “المتعلمين والمثقفين” الموالين له، والمبررين أفعاله، هذه الوسيلة وإن كان الاستعمار قد أوجدها منذ أن حط رحاله في البلد المستعمَر، إلا أنه يعول عليها بعد ذلك أكثر من غيرها، فتجد هؤلاء يمجدون الاستعمار بألفاظ مموهة، فيبررون حالة التبعية التي يعيشونها بوجود القيم العظيمة، والتقدم التطور عند المستعمِر، وذم حالة التقهقر والفقر في بلادهم، لا لحبهم لبلدهم وسعيهم لرفعته، بل لمجرد ذمه واسقاطه من النفوس.

المصيبة اليوم هي أن تجد “مثقفاً” يستمر في مدح المنظومة الاستعمارية

وهذا أمر طبيعي اعتدنا عليه، والمصيبة اليوم هي أن تجد “مثقفاً” يستمر في مدح المنظومة الاستعمارية، حتى وهي في أوج فشلها، وبعد افتضاح سوءتها، وسقوط البروباغندا المضللة عن وجهها القبيح، وتهاوي المعايير الإنسانية، وسقوط كلاشيهات الحرية والعدالة، وإن مما يندى له الجبين، أن يصل هؤلاء إلى درجة يكرهون فيها تقدم أوطانهم، ونجاحها في منافسة المستعمِر والتغلب عليه، بل والأفظع أن تجد منهم من يشمئز عندما يسمع مجرد آمال في التقدم والظفر، بل ويستنكر النظريات والأطروحات التي تقال في سبيل رفعة وإعادة بناء أوطانهم، بما يضمن لها التقدم والسؤدد.

هذه الحالة من التبعية لبعض المثقفين لا تدل على نظرة إعجاب بحضارة المستعمِر بل هي مرض الذل والدونية

هذه الحالة من التبعية البائسة، والمقيتة لبعض المثقفين، لا تدل على نظرة إعجاب بحضارة المستعمِر، وصوابية مبادئه، بقدر ما هي مرض يلازم هؤلاء، مرض الذل والدونية، متلازمة يتلذذ بها هؤلاء، فما قاله المستعمِر هو الأساس والصواب، وما قالته أوطانهم هو الخطأ والرجعية، حتى وإن أثبت الواقع عكس ذلك، فمتى تزهر أوطاننا إذا كانت الديدان تنخر أغصانها؟!، ولقد صدق النبي ﷺ حينما في وصف حالة هذه الحالة المرَضية:”حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”.

فيديو مقال وباء التبَعية..الاستعمار مر من هنا

أضف تعليقك هنا