يوميات رحلة في سيارة أجرة.. (تاكسي)

بقلم: بولنوار قويدر

حركة كثيفة بين الغاديين والرائحين وسط خليط أصوات محركات السيارات مع المناداة إلى الركوب في سيارات الأجرة المركونة كلاً حسب وجهتها المخصصة لها.. هذا ينادي وهران ذاك قسنطينة والآخر نحو أدرار… وفي هذا الزخم نجد كل مرة سيارة تسجل خروجها من المحطة نحو الوجهة الخاصة بها وبداخلها أفراد مختلطة شيوخ وشباب من الجنسين، كلٌ نحو مبتغاه.. هذا لزيارة قريب، والآخر مريض، وآخر لعمل، وآخر للدراسة وآخر نحو ثكنة…

أحاديث تتبادلها ألسنة الركاب داخل سيارة أجرة 

تبدأ المسافة بميل لتمتد إلى خمسمائة أو أقل بقليل لتبدأ الحكايات بسؤال عاد :كم من الوقت نستغرق للوصول إلى -مثلا- إلى قسنطينة؟ سؤال موجه للسائق، فيجيب بدلا منه العسكري المتعود على هذه المسافة: سبع ساعات باحتساب وقت التوقف.. وهنا يفتح مجال الكلام للجميع في هذا الجو الروتيني الذي لا تتعدى مساحته مترين مربع وأشخاص لا يتعدى عددهم ستة نجد القصص الشيّقة والحكم البليغة والوقائع التي لا تخطر على بال… ومرد ذلك كسر طول المسافة وترفيه الحضور ليبتعدوا عن الدوامات الداخلية وتشجيعا للسائق على السياقة الحذرة…

أحاديث تتخللها حكمة الشيوخ

يبدأ الشيخ في الترنم بإسداء بعض الحكم  للإمتثال بها والنصائح للعمل بها ليذكّر الجميعبزمنهم  الجميل الذي كان مبني على البساطة في كل شيء يقاطعه أحد الراكبين من الشباب :زمنكم ليس جميلا في كل شيء فمثلا كنتم تركبون الدواب لقطع مسافة صغيرة في زمن كبير وليس كأيامنا نحن المسافة الطويلة في زمن قصير…إلتفت إليه الشيح بكل تواضع وشموخ : ماقلت هو الحقيقة  ولكن بما تفسر ذلك؟ رد الشاب: زمننا الجميل.. ترنّح الشيخ في مكانه وقال مبتسما: هذه عاقبتنا نحن جاءت على هذه الصورة وما قد عشناه هو عاقبة الأولين فإنتظروا عاقبتكم على أيّ صورة تكون؟؟… أطبق الصمت على الجميع ووجدوها الحقيقة وهي حكمة في حد ذاتها يجب أن نفكر فيها جميعا…

فتاة تروي أحداث عملية ابتزاز دارت بين السائق واللص ورجل الأمن

وبعد مدة من الصمت نطقت فتاة في عقدها الثاني :روى لنا سائق سيارة أجرة  ذات مرة أنّه كان يوم عمله في الخط الرابط بين تيارت والمسيلة، وقد وصل المحطة ليلا، وكان لزاما عليه أن يعود إلى تيارت لإرتباطات عائلية فبعد الاستئذان خرج من المحطة، وعند الباب وجد شابا فطلب منه إن كان متوجها نحو تيارت ففرح بمرافقته وبخاصة بالليل، ولكن الشاب عوض أن يركب في المقدمة ركب إلى الخلف، فبدأ السائق توسوس له نفسه سوءا من هذا الشاب الذي ركب في الخلف، وظن به سوءا ولكن ما الحيلة لا يستطيع أن ينزله وقد قطع مسافة معتبرة، ولم يجد حلا إلّا الحذر وكثرة النظر بالمرآة العاكسة إلى الخلف… وهو في هذا العراك مع الخوف من الراكب الخلفي فإذا بأحد على قارعة الطريق يشير إليه بالوقوف فوجدها فرصة لكي يتعاون على هذا الذي في الخلف إن بدا منه شر، ركب الزبون الجديد دون إعلان وجهته فلم يبال السائق بذلك لأنه رأى فيه سبيلا للخلاص والنجدة.

ما هي إلّا مسافة حوالي ربع ساعة وإذا بالزبون الأمامي يستل خنجرا من جانبه الأيمن ويوجهه إلى عنقه أمرا إيّاه أن يتوقف ويترك السيارة ويخرج المال الذي معه.. نسي كليّا الزبون الخلفي نظرا للموقف، وما هي إلّا لحظات حتى وجد الزبون الجديد يزيح خنجره من على رقبته وهو في حالة ضعف.. نظر السائق إلى الخلف فإذا بالشاب الذي كان خائفا منه يضع مسدسا على قفى هذا اللص، وقد أمر السائق بأن يوقف السيارة ويخرج حبلا ليربطه به لحين الوصول إلى أقرب نقطة للأمن، ومازالت يده على الزناد ومصوبة تماما إلى قفاه.. نطق السائق: سبحان الله خفنا من الأمن لنبحث عن الرعب… رجل الأمن حاضر في الحضر والبدو ويعمل حتى خارج مجال التغطية.. ربطه بإحكام ووصلوا به إلى مخفر الشرطة ليخبرهم بما حدث بكل التفاصيل وهو “رجل أمن في زي مدني متوجه لعائلته لقضاء اجازة ” وما إن انتهت الفتاة من قصتها حتى وجدت كل ركاب التاكسي يغط في نوم عميق.. أهي طمأنينة أم إعراض؟.

بقلم: بولنوار قويدر

أضف تعليقك هنا