هل ارتد اليمنيون عن الإسلام؟

قال له الرسول ﷺ: “أراغباً أم راهباً” فأجاب الرجل: “أما الرغبة  فوالله ما في يدك مال، وأما الرهبة  فوالله  إني لببلدٍ ما تبلغه جيوشك، ولكنني خُوّفت (أي من الله) فخفت، وقيل لي آمن بالله فأمنت”. كان ذلك الرجل هو ربيعة العنسي المذحجي زعيم مذحج في اليمن حينما قدم وافداً إلى المدينة.

ما عرفناه ونقلته إلينا كتب السير والأخبار أن اليمن مثل سائر بقاع الجزيرة العربية كانت قد أرتدت عن الإسلام بعد وفاة النبي ﷺ، وكأن الإسلام قد دخل إلى قلوب اليمنيين بحد السيف، وهم الذين ضلت وفودهم تتوالى على المدينة منذ مطلع العام 9هـ حتى مجيء الفاتحين من أرض اليمن في خلافة أبو بكر وعمر ابن الخطاب حينما استغاث بهم القوم في فتوحات الشام وفارس  وأفريقيا والأندلس حتى أفول نجم الدولة الإسلامية.

الوضع السياسي والاجتماعي لليمن قُبيل وفاة النبي

لو نظرنا في الوضع السياسي والاجتماعي لليمن قُبيل وفاة النبي لفهمنا ما حصل من حركات وثورات رأى أهل السير أنها كانت إرتداد عن الإسلام، ضمن موجة الردة التي شملت معظم الجزيرة العربية، ولكن ما يجعل اليمن تخرج عن هذه التسمية أي الردة بمعناها المتداول هو ما سنعرضه في مقالتنا هذه، وهي مؤشرات توحي بأن هناك أبعاد أخرى لا علاقة لها بالردة عن الإسلام، أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، جعلت مثل هذه الحركات تبرز بشكل أكثر بعد وفاة النبي، وإن كانت في حقيقية الأمر قد ظهرت قبل وفاته، مثل حركة “الأسود العنسي” في نهايات العام الــ 10 للهجرة والنبي كان لا يزال بين أظهر أصحابه في المدينة.

كيف كان حال اليمن قبل مجيء الإسلام؟

قبل مجيئ الإسلام كانت اليمن ترزح تحت النفوذ الفارسي، وكانت الثورات تتوالى عليهم في شتى بقاع اليمن، كان اليمنيون يعيشون في حالة ترقب لما يخلصهم من هذه الحكم الجاثم على أرضهم، وهم الذين عاشوا الحضارة والاستقلال في الجزيرة العربية منذ القرن 10 قبل الميلاد، كان اليمنيون يعانون التناحر والاقتتال القبلي فيما بينهم، وكانت الأوضاع الاقتصادية لا تزال تواصل تدهورها بعد أن تأثرت طرق القوافل بحركة الملاحة في البحر الأحمر، كان الصراع لايزال قائم بين الديانة اليهودية التي كانت قد أتت منذ القدم إلى اليمن، وبين المسيحية التي جاءت مع الغزو الحبشي الروماني وبين النفوذ الفارسي الذي ظل يغذي الصراعات والحروب بين القبائل اليمنية، ولذا ظهرت حركات عدة ضد الحكم الفارسي في اليمن أثناء حكم ، مثل حركة “ذي الكلاع الحميري” “وعمر بن معد يكرب والعنسي” وغيرها من الحركات التي كانت ترفض الحكم والهيمنة الفارسية في اليمن.

ماذا حدث في اليمن بعد قدوم الإسلام؟

حينما جاء الإسلام رأى فيه أهل اليمن الخلاص، من كل ما سبق، الهيمنة الفارسية والاقتتال القبلي بين قبائل مذحج ومراد وقبائل همدان حاشد وبكيل، إنهاء الصراع الديني بين اليهودية والنصرانية والوثنية الفارسية، اعتناق الدين القدام من وسط الجزيرة العربية، لم شمل الأمة اليمنية على دين واحد يخلصها من سلطة الفرس في اليمن المتمثلة في ما يسمى “بالأبناء“. ولكن حينما جاء الإسلام، ولأن اليمن لم تدخل في الإسلام بالسيف فقد أقر رسول الله “باذان” على عمله في اليمن، ذلك أنه أعلن إسلامه مع الأبناء، في حين أن هناك رصيد ثوري طويل وحروب لليمنيين فيما بينهم بين مناصر ومعارض لنفوذ “الأبناء” قبل مجيء الإسلام.

الأمر الذي رأه البعض بقاء سلطتهم حتى وإن كان الإسلام هو الدين الجديد، خصوصا أن أمهات الأبناء كن من قبائل همدانية والتي كانت على تحالف معهم، الأمر الذي رأت فيه قبائل حمير ومراد ومذحج استمرار الهيمنة الهمدانية على بقية القبائل، سبق ذلك حروب كانت قد دارت بين قبائل مراد وهمدان تسمى “بيوم الرزم”، خرجت على إثرها مراد مهزومة ومطرودة من بلادها “الجوف” إلى بلاد الجوبة بين مأرب والبيضاء، وفي ذلك ما ورد في طبقات ابن سعد الجزء 6، حينما سأل رسول الله فروة ابن المُسيك حينما قدم إلى المدينة: “يا فروة، هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرزم؟ فقال: يا رسول الله، ومن ذا يصيب قومه ما أصاب قومي يوم الرزم إلا ساءه ذلك”.

يرى باحثون أن ما حدث في اليمن لم يكن ردة عن الإسلام، وإنما كان تمردا سياسيا ضد سلطة “الأبناء” والتي كان يعتبرها اليمنيون استمرار للهيمنة الفارسية، وفي ذلك يقول الدكتور “نزار عبداللطيف الحديثي” في كتابه (أهل اليمن في صدر الإسلام): من دراسة الحالة السياسية لليمن قبل الإسلام اتضح أن حركات التمرد في اليمن في بدايتها لم تكن موجهة نحو الإسلام ونحو سياسة الرسولﷺ وإنما كانت تعبيرا عن استياء اليمنيين من عودة الحكم إلى االأبناء المولدين من الفرس، وهم الذين سبق وتمردوا عليهم قبل مجيء الإسلام، ومما يؤكد أنها لم تكن ردة عن الإسلام أن حركات التمرد كانت في حمير ومراد ومذحج وهي القبائل التي كانت متضررة من تحالف الأبناء مع قبائل همدان.

فيديو مقال هل ارتد اليمنيون عن الإسلام؟

أضف تعليقك هنا