إدراك الفرد للهوية المستقبلية للبلد وتأثير المجتمع على تحقيق أهداف صناع القرار

من العوامل الأساسية لنجاح البلدان هو وضع خطط واستراتيجيات لأهداف طويلة الأمد، وآلية التعامل مع الظروف الآنية والحفاظ على الأهداف وتجاوز العقبات من خلال التعاون بين الفرد المواطن والمجتمع بشكل عام مع الحكومات وصناع القرار. (مقال يبحث في التخطيط الاستراتيجي طويل المدى ، يمكن قراءة المزيد م المقالات عن الإدارة الحكومية من هنا)

  • كيف يتم هذا التعاون بين المجتمع وصناع القرار (أصحاب الأهداف)؟
  • هل العوامل الداخلية أشد تأثيراُ على مسارها من العوامل الخارجية؟
  • كيف نتعامل مع الأشخاص الذين لا يؤمنون في الرؤيا التي نرسمها للمستقبل؟

دور المجتمع في إنجاح التخطيط الاستراتيجي طويل المدى الذي يرسمه صناع القرار

المجتمع هو حجر الأساس في إنجاح أي رؤيا وخطط تطوير يرسمها صناع القرار، وإذا كان المجتمع متعاون سوف يذلل الكثير من العقبات للإنجاز والوصول إلى الهدف.

دور العمل المشترك بين الفرد والدولة وصناع القرار في تطور المجتمع

مثال عن اليابان عن التخطيط الاستراتيجي طويل المدى

نضرب مثال على ذلك اليابان والنهضة الصناعية والعلمية بعد خسارتها في الحرب، حددت الحكومة اليابانية أسباب عدم تعاطف المجتمع الدولي معها بعد أن تعرضت إلى هجمات بقنابل ذرية في مدينتي هيروشيما وناكازاكي، واكتشفت أن السبب هو أخلاق الجيش الياباني وتعاملهم من مواطنين المناطق التي احتلتها اليابان حيث كانت تقتل وتسرق وتغتصب ولا تحمل أي نوع من أنواع الإنسانية والأخلاق تجاه الآخر.

من هنا عملت الحكومة اليابانية إلى تحسين الأخلاق في الشعب حتى أصبحت المدارس للأطفال هي عبارة عن مؤسسات أخلاقية تغرس في عقول الأطفال حسن التعامل وحسن الأخلاق خلال المرحلة الابتدائية وأهمية العمل الجماعي والفريق الواحد من أجل الوصول إلى الأهداف. قامت كذلك بزرع روح الانتاج والقضاء على الكسل وزيادة الأصرار والعزيمة من أجل تكوين مجتمع منتج نشيط مخلص ومنضبط في عمله.

كان الشعب الياباني يدرك أهمية العمل الجماعي وإيجاد هوية جديد لليابان بعد أن كانت هويتهم بلد عسكري ومحتل إلى هوية صناعية وعلمية إنتاجية، قامت الحكومة برسم شكل الهوية الجديد لليابان “الهوية الصناعية” و أوضحت للشعب الياباني أن الشعب هو المسؤول الأول لإنجاح هذه الرؤيا وأنها سوف تعود بالمنفعه عليهم كـ أمة يابانية، ساهم الشعب الياباني بإنجاح هذه الرؤيا وعمل بإخلاص تحت قيادة حكيمة هدفها واحد (هوية اليابان الصناعية) وكذلك الأخلاقية.

مثال آخر دولة ماليزيا عن التخطيط الاستراتيجي طويل المدى

كانت ماليزيا تحت السيطرة البريطانية وبعد الاستقلال كانت هناك نزاعات عنصرية بين مكونات الشعب الماليزي المكون من ثلاث مكونات (الملايو والصينيون والهنود) وكانت ولا تزال النسبة الاكبر هي المكون الملايو بنسبة 68%. وصل الى الحكم رئيس وزراء طموح وصاحب رؤية واضحة أسماها (ماليزيا 2020) أطلقها عام 1991، اي انها ترسم شكل ماليزيا لما بعد 30 عام. عمل حينها على ارساء ثوابت جديدة للاقتصاد الماليزي والانسجام المجتمعي ودور كل مكون في نهضة ماليزيا ولم يعمل على اقصاء مكون ولكن تعامل مع المكونات بسياسة تساهم في إنجاح الرؤيا التي وضعها لماليزيا.

وقد حصل على دعم كبير من الشعب الماليزي وذلك لإيمانهم بأهداف رئيس الوزراء وأدرك المواطن حجم دوره في نهضة البلد بعد أن حصل على المساواة وشعوره بالمسؤولية تجاه الآخر. ( عندما يشعر المواطن بالمساواة وحجم المسؤولية التي على عاتقه وشعوره بأن البلد الذي يعيش فيه هو بيته الكبير له حقوق وعليه واجبات وأن أبناء البيت الواحد جميعهم متسواين في الحقوق والمسؤوليات) هنا سوف تؤسس لمجتمع متعاون يشارك في إنجاح الرؤيا والأهداف التي يرسمها صناع القرار وسوف يكون المواطن أكثر حرصاُ للحفاظ على هوية بلده.

(المساواة في الحقوق والابتعاد عن الانحياز بين مكون وآخر أو مواطن على حساب الاخر والتعامل مع الجميع على مسافة واحده سوف يقضي على التنافس غير الصحي بين مكونات أي مجتمع).

العوامل الداخلية والخارجية في التخطيط الاستراتيجي طويل المدى

العوامل الداخلية تشمل ثقافة المجتمع، اهتمام المجتمع، التنوع، التعليم، التعصب الديني والقومي، المصادر الطبيعية، الفئات العمرية وهنا تعني “الأيدي العاملةالمتوفرة، الانتشار السكاني، الإيمان وهذا يندرج أيضا ومشابه لما يعتبر التعصب الديني.

العوامل الخارجية تشمل المحيط الاقليمي، الموقع الجغرافي، العلاقات الخارجية، السياسة الخارجية، التحالفات، الاقتصاد العالمي، التجارة العالمية، الديون المتراكمة، سيادة الدولة.

نسبة تأثير العوامل الداخلية هي اعلى من مستوى نسبة تأثير العوامل الخارجية، حيث ان المصدر الاساسي لنهضة أي بلد هو المجتمع، اذا كان المجتمع غير منتج وغير متعلم ومشتت الاهتمام والآراء ومتعصب دينياً وقومياً سوف يعرقل هذا الامر انجاز تطلعات اصحاب القرار والوصول الى الاهداف المنشوده. التحدي الاكبر يكمن من الداخل و إنتماء الشخص لمحيطه المجتمعي، وفيما يتعلق بالمجتمع وطبيعة الفرد العراقي هو شخص متعصب نوعاً ما ومشتت الاهداف والاهتمامات، الانقسام في الولاءات والانتماءات و وجود نوع من عدم الثقة بين مكونات المجتمع وتخلف التعليم وصعوبة تقبل الآخر وهذا يعلل الى تعامل الحكومات المتعاقبة في جميع مراحل تاريخ العراق الحديث.

فشلت جميع الحكومات في زرع مفهموم المواطنة بالشكل الصحيح وكانت جميع توجهات الحكومات المتعاقبة منذ تكوين الجمهورية العراقية هي توجهات لفئة معينه او مجموعة معينه او تفضل طائفة على اخرى، حيث كانت فترة الحكم العسكري تولي اهتمام مباشر للطبقه القومية والعسكرية ولحزب على حساب الآخر وبعدها جاء حكم الحزب الواحد الذي قام بتهميش طائفة والتعدي على حرياتهم الدينية مما ادى الى تكوين فكرة السيطرة من قبل مكون على الأخر وذلك من اجل الانتقام وفرض الرأي كما تم فرضه عليهم في السابق.

النتيجة اصبحت قرارات الفرد مبنية على اساس عنصري او طائفي و اتباع لمن يدعي دعمه لشريحة معينه على حساب الاخرى بعيداً عن الاجماع على المصلحة العامة ككل.

التأثيرات الخارجية المتمثلة بوجود عوامل خارجية تؤثر على الرؤيا والاهداف المرسومة من قبل صناع القرار والتي تصنف تحت الضغوط السياسية والتدخلات العسكرية الخارجية ودعم عدم الاستقرار الامني من قبل الدول التي تحرص على عدم وصول اصحاب القرار للوصول الى الهدف لان ذلك سوف يؤثر نوعاً ما على السيطرة الاقليمية وسوق الانتاج التابعة لهذه الدول او السيطرة على الموارد الطبيعية لصالحها. ومن ضمن العوامل الخارجية الاخرى هو الاقتصاد العالمي بشكل عام واسعار الموارد الطبيعية التي تشكل الهيكل الاساس لاقتصاد بلد مثل العراق. لكن يبقى تأثير العامل الخارجي اقل تأثيراً من الداخلي في حال وجود قاعدة مجتمعية صحية تدافع عن الاهداف ولا تساوم على مصالح البلد والترابط المجتمعي.

التعامل مع من يتعارض مع الرؤية أو الأهداف الموجودة التخطيط الاستراتيجي طويل المدى للدولة

يكون التعامل معها على اساس مبني على الاسباب والحقائق ومن خلال فتح باب الحوار المستمر والاهتمام بجميع الاراء او الانتقادات التي من الممكن ان تكون بناءه بشكل من الاشكال وتساعد على تجاوز الكثير من اخطاء المستقبلية وكذلك اعطاء فرصه للجميع لأن يصبحوا جزء من انجاح هذه الرؤية والاهداف. الأيمان بالاصغاء الى الجميع وعدم تهميش رأي على حساب رأي اخر وفتح منصات للمجتمع للمشاركة في رسم الخارطة الصحيحة لمستقبل البلاد. الأخذ بالاعتبار أن مساهمة الفرد في اتخاذ القرارات بشكل عام سوف يؤدي الى ايمانه المطلع بالسياسة المتبعة للوصول الى الاهداف. (بناء ثقه بين الحكومة “صناع القرار” وبين المواطن”الفرد” يأتي من خلال رسم سياسة واهداف واضحة يعمل على تحقيقها صناع القرار ويلتمس ايجابياتها المواطن هو اساس الثقة مابين صانع القرار ومابين الفرد). من هنا تأتي اهمية وجود رؤيا واضحة وخطة عمل ثابته لفترة زمنية لا تقل عن العشر سنوات لا تتأثر بتغير الشخصيات او القيادات أو صناع القرار.

فيديو إدراك الفرد للهوية المستقبلية للبلد وتأثير المجتمع على تحقيق أهداف صناع القرار

أضف تعليقك هنا