إلى ابنتي سارة

بنيتي ….. ليس أعز على المرء من بنيه وذريته … فهم ذكره من بعده، وخط سير الحياة من خلاله، ولذا فقد ذكر ربنا – جل في علاه – قوله:” المال والبنون زينة الحياة الدنيا ….” وذكر – سبحانه – أن ذلك مجال للتفاضل بين الناس في معرض الحديث عن صاحب الجنتين مع صاحبه، فقال:” إن ترن أنا أقل منك مالاً وولدًا …” وفي العديد من آيات القرآن الكريم التي تتناول الأولاد كنعمة من الله – سبحانه وتعالى – إن يحسن إليها الإنسان تربية وتنشئة، سيرة وسلوكًا، ونقمة إن يُفتن بها المرء في حياته، فتكون سببًا في بعده عن ربه وحائلاً بينه وبين كل خير، قال الله – تعالى-:” وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ” الأنفال: (28)

حب الأب لابنته

والبنات دون البنين هن مهج القلوب، وبسمة الحياة، وسكن النفوس، وراحة البال، وهن للأب أمر آخر، فهن قطعة من قلبه، ونفسًا من أنفاسه، وروحًا من روحه، ولذا سماهن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما رُويَ عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-:”لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات”، ولا أسعد مني بك وأخواتك …. فقد منَّ الله عليَّ بكن مؤنسات غاليات، فلربي عظيم الشكر وجميل الحمد.ولا عجب أن تكون الفتاة عند أبيها هكذا، فقد ذكر لنا التاريخ وروت لنا كتب السيرة كيف كانت فاطمة بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظله في حله وترحاله، وما جاء في فضلها الكثير والكثير مما لا مجال لذكره الآن.

تاريخ البنات والصحابيات في الإسلام

وهل ذكر تاريخنا وديننا البنات إلا بكل جميل …. فهل أتحدث عن خديجة بنت خويلد في دعمها لنبينا – صلى الله عليه وسلم، أم عن فاطمة الزهراء البتول أحب الخلق إلى نبينا …. سيدة نساء العالمين … أم الحسن والحسين وزوج علي – أبي الحسنين – رضوان الله عليه جميعًا …. أم عن أخواتها زينب ورقية وأم كلثوم …. أم أسماء بنت عميس زوجة الكبار من الصحابة، أم عن أسماء ذات النطاقين …. أم عن رفيدة ونسيبة وصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهل عن مريم البتول أتحدث …. من أشرق الكون كله بقدوم المسيح من نورها، أم عن هاجر أم الذبيح وسارة أم نبينا إسحاق وجدة الأسباط…. أم عن بلقيس الملكة الذكية اللبيبة وتقدير نبينا سليمان لمكانتها وحكمتها …. أم عن أم السلطان محمد الفاتح، فقد كانت تأخذه وهو صغير وقت صلاة الفجر؛ لتريه أسوار القسطنطينية وتقول له: “أنت يا محمد …. تفتح هذه الأسوار …. اسمك محمد كما قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- والطفل الصغير يقول: “كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة ؟!” فتقول بحكمة: “بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس.

أم عن ست الركب أخت الإمام ابن حجر العسقلاني  فقد كانت قارئة كاتبة، أعجوبة في الذكاء، أثنى عليها ابن حجر، وقال: “وكانت أمي بعد أمي”، وذكر شيوخها وإجازاتها من مكة ودمشق وبعلبك ومصر، وقال: “تعلمَت الخط، وحفظت الكثير من القرآن، وأكثرتْ من مطالعة الكتب، فمهرت في ذلك جداً، وكان لها أثر حسن عليه”، قال: “وكانت بي برة، رفيقة، محسنة”، وقد رثاها بقصيدة عنها بعد موتها.”…….كثيرة هي الصور المشرق المضيئة في الماضي وفي الحاضر

بنيّتي ليكن الحياء سمتكِ والصحابيات قدوتكِ

بنيتي ….. ثلاثة عشر ربيعًا انقضت من عمرك …. فبدأ معها عام جديد يضاف إليه، وأعوامًا – بحول الله – تلحق بها عامًا بعد عام، وهكذا الحياة تمر سريعًا …. رأيتك قبل قدومك، وعرفتك قبل أن أراك، وألهمني الله باسمك فكنت كما هو سرورًا وبهجة وسعادة …. كَبُرتِ وكَبُرَتْ معك سني عمرك …. تجاوزت مرحلة الطفولة وأصبحت تزاحمين بنات جيلك معرفة وعلمًا وخلقًا وسلوكًا ….وما ذكرت سالفًا من صورة مشرقة مضيئة لمن سبقوك من سلف هذه الأمة، إنما هو ليكون لك نورًا في حياتك، وهدى في طريقك ….. واعلمي أن ما مضى من عمرك أساس لما تستقبلين، فكوني – يا ابنتي – مثالاً لكل صلاح، ونموذجًا لكل خير …. وليكن الحياء سمتك والحشمة سبيلك، وحسن الخلق عنوانًا لك.

حددي أهدافك واسعي لما تحلمين به

قد تجدين فيما يقدم من الأيام تحديات وتحديات …. والحياة تعج بالمغريات والشواغل وما يصرف عن الهدف والغاية، فحددي أهدافك واجعلي غايتك في رضا الله …. واصرفي همك لتحقيق رضا الرحمن …. وابذل كل جهدك في تحقيق أهدافك … واحلمي واحلمي …. واسعي لتحقيق ما تحلمين به … وإياك والفتور والكسل والخمول …. فلا مكان بين الطموحين للكسالى، ولا بين المبدعين لذوي الهمم الضعيفة والأهداف المبعثرة.

الله الله في دينك وخلقك … فما أنت إلا بهما، ويا لجمالك ورعتك وأنت تنالين من كل علم جانبًا ومن كل معرفة حظًا، فالحاجة اليوم إلى المرأة المسلمة التي تعبر عن دينها في أبهى صوره، وعن وطنها وأمتها في عزة وشموخ، تعتز بدينها، وتتباهى بأمتها، تُعِدُّ من نفسها لتكون مصنع الرجال، وموطن الأبطال، ولن يكون ذلك إلا بـــــ (ســــــــــارة) ذكية مثقفة عالمة ذات خلق ودين بارة بأهلها، تعتز بدينها وتفتخر بوطنها ….كلمات لعلها موجزة لكنها من قلب تتربعين فيه، وتسكنين جوانبه … كيف لا وأنت ابنتي الغالية ….إليك يا ابنتي.

فيديو مقال إلى ابنتي سارة

 

 

 

أضف تعليقك هنا